الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            الأمر الثالث : من الأمور المعتبرة في تحقق ماهية البر قوله : ( ليس البر أن تولوا ) وذلك قد تقدم ذكره .

                                                                                                                                                                                                                                            الأمر الرابع : قوله تعالى : ( والموفون بعهدهم إذا عاهدوا ) وفيه مسألتان :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : في رفع " والموفون " قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أنه عطف على محل ( من آمن ) تقديره : لكن البر المؤمنون والموفون ، عن الفراء والأخفش .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : رفع على المدح على أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره : وهم الموفون .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : في المراد بهذا العهد قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن يكون المراد ما أخذه الله من العهود على عباده بقولهم ، وعلى ألسنة رسله إليهم بالقيام بحدوده ، والعمل بطاعته ، فقبل العباد ذلك من حيث آمنوا بالأنبياء والكتب ، وقد أخبر الله تعالى عن أهل الكتاب أنهم نقضوا العهود والمواثيق وأمرهم بالوفاء بها فقال : ( يابني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم ) [ البقرة : 40 ] فكان المعنى في هذه الآية أن البر هو ما ذكر من الأعمال مع الوفاء بعهد الله ، لا كما نقض أهل الكتاب ميثاق الله وما وفوا بعهوده فجحدوا أنبياءه وقتلوهم وكذبوا بكتابه ، واعترض القاضي على هذا القول وقال : إن قوله تعالى : ( والموفون بعهدهم ) صريح في إضافة هذا العهد إليهم ، ثم إنه تعالى أكد ذلك بقوله : ( إذا عاهدوا ) فلا وجه لحمله على ما سيكون لزومه ابتداء من قبله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                            الجواب عنه : أنه تعالى وإن ألزمهم هذه الأشياء لكنهم من عند أنفسهم قبلوا ذلك الإلزام والتزموه ، فصح من هذا الوجه إضافة العهد إليهم .

                                                                                                                                                                                                                                            القول الثاني : أن يحمل ذلك على الأمور التي يلتزمها المكلف ابتداء من عند نفسه . واعلم أن هذا العهد إما أن يكون بين العبد وبين الله ، أو بينه وبين رسول الله ، أو بينه وبين سائر الناس ، أما الذي بينه وبين الله فهو ما يلزمه بالنذور والأيمان ، وأما الذي بينه وبين رسول الله فهو الذي عاهد الرسول عليه عند البيعة من القيام بالنصرة والمظاهرة والمجاهدة وموالاة من والاه ومعاداة من عاداه ، وأما الذي بينه وبين سائر الناس فقد يكون ذلك من الواجبات مثل ما يلزمه في عقود المعاوضات من التسليم والتسلم ، وكذا الشرائط التي يلتزمها في السلم والرهن ، وقد يكون ذلك من المندوبات مثل الوفاء بالمواعيد في بذل المال والإخلاص في المناصرة ، فقوله تعالى : ( والموفون بعهدهم إذا عاهدوا ) يتناول كل هذه الأقسام فلا معنى لقصر الآية على بعض هذه الأقسام دون البعض ، وهذا الذي قلناه هو الذي عبر عنه المفسرون فقالوا : هم الذين إذا واعدوا أنجزوا وإذا حلفوا ونذروا وفوا ، وإذا قالوا صدقوا ، وإذا اؤتمنوا أدوا ، ومنهم من حمله على قوله تعالى : ( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله ) [ التوبة : 75 ] الآية .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية