الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : احتجت المعتزلة بهذه الآية على فساد قول أهل السنة في قولهم : إن المقتول لو لم يقتل لوجب أن يموت . فقالوا : إذا كان الذي يقتل يجب أن يموت لو لم يقتل ، فهب أن شرع القصاص يزجر من يريد أن يكون قاتلا عن الإقدام على القتل ، لكن ذلك الإنسان يموت سواء قتله هذا القاتل أو لم يقتله ، [ ص: 50 ] فحينئذ لا يكون شرع القصاص مفضيا إلى حصول الحياة .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : إنا إنما نقول فيمن قتل لو لم يقتل كان يموت لا فيمن أريد قتله ولم يقتل فلا يلزم ما قلتم ، قلنا أليس إنما يقال فيمن قتل لو لم يقتل كيف يكون حاله ؟ فإذا قلتم : كان يموت فقد حكمتم في أن من حق كل وقت صح وقوع قتله أن يكون موته كقتله ، وذلك يصحح ما ألزمناكم ؛ لأنه لا بد من أن يكون على قولكم المعلوم أنه لو لم يقتله ؛ إما لأنه منعه مانع عن القتل ، أو بأن خاف قتله أنه كان يموت وفي ذلك صحة ما ألزمناكم ، هذا كله ألفاظ القاضي .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( ياأولي الألباب ) فالمراد به العقلاء الذين يعرفون العواقب ويعلمون جهات الخوف ، فإذا أرادوا الإقدام على قتل أعدائهم ، وعلموا أنهم يطالبون بالقود صار ذلك رادعا لهم ؛ لأن العاقل لا يريد إتلاف غيره بإتلاف نفسه فإذا خاف ذلك كان خوفه سببا للكف والامتناع ، إلا أن هذا الخوف إنما يتولد من الفكر الذي ذكرناه ممن له عقل يهديه إلى هذا الفكر ، فمن لا عقل له يهديه إلى هذا الفكر لا يحصل له هذا الخوف ، فلهذا السبب خص الله سبحانه بهذا الخطاب أولي الألباب .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية