الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : الكناية في قوله : ( فمن بدله ) عائد إلى الوصية ، مع أن الكناية المذكورة مذكرة والوصية مؤنثة ، وذكروا فيه وجوها :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أن الوصية بمعنى الإيصاء ودالة عليه ، كقوله تعالى : ( فمن جاءه موعظة ) [ البقرة : 275 ] أي وعظ ، والتقدير : فمن بدل ما قاله الميت ، أو ما أوصى به أو سمعه عنه .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : قيل الهاء راجعة إلى الحكم والفرض والتقدير : فمن بدل الأمر المقدم ذكره .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : أن الضمير عائد إلى ما أوصى به الميت فلذلك ذكره ، وإن كانت الوصية مؤنثة .

                                                                                                                                                                                                                                            ورابعها : أن الكناية تعود إلى معنى الوصية وهو قول أو فعل .

                                                                                                                                                                                                                                            وخامسها : أن تأنيث الوصية ليس بالحقيقي فيجوز أن يكنى عنها بكناية المذكر .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله : ( بعدما سمعه ) فهو يدل على أن الإثم إنما يثبت أو يعظم بشرط أن يكون المبدل قد علم ذلك ؛ لأنه لا معنى للسماع لو لم يقع العلم به ، فصار إثبات سماعه كإثبات علمه .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله : ( فإنما إثمه على الذين يبدلونه ) فاعلم أن كلمة ( إنما ) للحصر ، والضمير في قوله : ( إثمه ) عائد إلى التبديل ، والمعنى : أن إثم ذلك التبديل لا يعود إلا إلى المبدل ، وقد تقدم بيان أن المبدل من هو .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن العلماء استدلوا بهذه الآية على أحكام :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أن الطفل لا يعذب على كفر أبيه .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : أن الإنسان إذا أمر الوارث بقضاء دينه ، ثم إن الوارث قصر فيه بأن لا يقضي دينه فإن الإنسان الميت لا يعذب [ ص: 56 ] بسبب تقصير ذلك الوارث خلافا لبعض الجهال .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : أن الميت لا يعذب ببكاء غيره عليه ، وذلك ؛ لأن هذه الآية دالة على أن إثم التبديل لا يعود إلا إلى المبدل ، فإن الله تعالى لا يؤاخذ أحدا بذنب غيره ، وتتأكد دلالة هذه الآية بقوله تعالى : ( ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ) [ الأنعام : 164 ] ( من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ) [ فصلت : 46 ] ( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) [ البقرة : 286 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية