الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( لعلكم تتقون ) فاعلم أن تفسير " لعل " في حق الله تعالى قد تقدم ، وأما أن هذا الكلام كيف يليق بهذا الموضع ففيه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أنه سبحانه بين بهذا الكلام أن الصوم يورث التقوى لما فيه من انكسار الشهوة وانقماع الهوى ، فإنه يردع عن الأشر والبطر والفواحش ، ويهون لذات الدنيا ورياستها ، وذلك ؛ لأن الصوم يكسر شهوة البطن والفرج ، وإنما يسعى الناس لهذين ، كما قيل في المثل السائر : المرء يسعى لغاريه بطنه وفرجه ؛ فمن أكثر الصوم هان عليه أمر هذين وخفت عليه مؤنتهما ، فكان ذلك رادعا له عن ارتكاب المحارم والفواحش ، ومهونا عليه أمر الرياسة في الدنيا ، وذلك جامع لأسباب التقوى فيكون معنى الآية فرضت عليكم الصيام لتكونوا به من المتقين الذين أثنيت عليهم في كتابي ، وأعلمت أن هذا الكتاب هدى لهم ولما اختص الصوم بهذه الخاصية حسن منه تعالى أن يقول عند إيجابها : ( لعلكم تتقون ) منها بذلك على وجه [ ص: 61 ] وجوبه ؛ لأن ما يمنع النفس عن المعاصي لا بد وأن يكون واجبا .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : المعنى ينبغي لكم بالصوم أن يقوى وجاؤكم في التقوى وهذا معنى " لعل " .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : المعنى : لعلكم تتقون الله بصومكم وترككم للشهوات ، فإن الشيء كلما كانت الرغبة فيه أكثر كان الاتقاء عنه أشق ، والرغبة في المطعوم والمنكوح أشد من الرغبة في سائر الأشياء ، فإذا سهل عليكم اتقاء الله بترك المطعوم والمنكوح ، كان اتقاء الله بترك سائر الأشياء أسهل وأخف .

                                                                                                                                                                                                                                            ورابعها : المراد ( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) إهمالها وترك المحافظة عليها بسبب عظم درجاتها وأصالتها .

                                                                                                                                                                                                                                            وخامسها : لعلكم تنتظمون بسبب هذه العبادة في زمرة المتقين ؛ لأن الصوم شعارهم والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية