الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 405 ] قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت لما ذكر تعالى لموسى - عليه السلام - صفة محمد صلى الله عليه وسلم ، وأخبر أن من أدركه وآمن به أفلح ، أمر تعالى نبيه بإشهار دعوته ورسالته إلى الناس كافة ، والدعاء إلى الإيمان بالله ورسوله وكلماته واتباعه ، ودعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم عامة للإنس والجن ، قاله الحسن وتقتضيه الأحاديث ، والذي في موضع نصب على المدح أو رفع ، وأجاز الزمخشري أن يكون مجرورا صفة لله ، قال : وإن حيل بين الصفة والموصوف بقوله : إليكم ، وقال أبو البقاء : ويبعد أن يكون صفة لله أو بدلا منه لما فيه من الفصل بينهما بـ إليكم وبالحال و إليكم متعلق بـ رسول و جميعا حال من ضمير إليكم ، وهذا الوصف يقتضي الإذعان والانقياد لمن أرسله إذ له الملك ، فهو المتصرف بما يريد ، وفي حصر الإلهية له نفي الشركة ; لأن من كان له ملك هذا العالم لا يمكن أن يشركه أحد ، فهو المختص بالإلهية ، وذكر الإحياء والإماتة إذ هما وصفان لا يقدر عليهما إلا الله ، وهما إشارة إلى الإيجاد لكل شيء يريده الإعدام ، والأحسن أن تكون هذه جملا مستقلة من حيث الإعراب وإن كانت متعلقا بعضها ببعض من حيث المعنى . وقال الزمخشري : لا إله إلا هو بدل من الصلة التي هي له ملك السماوات والأرض وكذلك يحيي ويميت ، وفي لا إله إلا هو بيان للجملة قبلها لأن من ملك العالم كان هو الإله على الحقيقة ، وفي يحيي ويميت بيان لاختصاصه بالإلهية ; لأنه لا يقدر على الإحياء والإماتة غيره ، انتهى ، وإبدال الجمل من الجمل غير المشتركة في عامل لا نعرفه ، وقال الحوفي : يحيي ويميت في موضع الخبر لأن ( لا إله ) في موضع رفع بالابتداء ( وإلا هو ) بدل على الموضع ، قال : والجملة أيضا في موضع الحال من اسم الله تعالى ، انتهى ، يعني من ضمير اسم الله ، وهذا إعراب متكلف .

فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون لما ذكر أنه رسول الله أمرهم بالإيمان بالله ، وبه عدل عن ضمير المتكلم إلى الظاهر ، وهو الالتفات لما في ذلك من البلاغة بأنه هو النبي السابق ذكره في قوله : الذين يتبعون الرسول النبي الأمي وأنه هو المأمور باتباعه الموجود بالأوصاف السابقة ، والظاهر أن كلماته هي الكتب الإلهية التي أنزلت على من تقدمه وعليه ، ولما كان الإيمان بالله هو الأصل يتفرع عنه الإيمان بالرسول والنبي بدأ به ، ثم أتبعه بالإيمان بالرسول ، ثم أتبع ذلك بالإشارة إلى المعجز الدال على نبوته ، وهو كونه أميا ، وظهر عنه من المعجزات في ذاته ما ظهر من القرآن الجامع لعلوم الأولين والآخرين ، مع [ ص: 406 ] نشأته في بلد عار من أهل العلم ، لم يقرأ كتابا ولم يخط ولم يصحب عالما ، ولا غاب عن مكة غيبة تقتضي تعلما . وقيل : وكلماته : المعجزات التي ظهرت من خارج ذاته ، مثل انشقاق القمر ، ونبع الماء من بين أصابعه ، وهي تسمى بكلمات الله لما كانت أمورا خارقة غريبة ، كما سمي عيسى عليه السلام - لما كان حدوثه أمرا غريبا خارقا - كلمة ، وقرأ مجاهد وعيسى : ( وكلمة ) ، وحد وأراد به الجمع ، نحو : أصدق كلمة قالتها العرب قول لبيد ، وقد يقولون للقصيدة : كلمة ، وكلمة فلان ، وقال مجاهد والسدي : المراد بكلماته وكلمته ، أي : بعيسى لقوله : وكلمته ألقاها إلى مريم ; وقيل : كلمة كن التي تكون بها عيسى وسائر الموجودات ، وقرأ الأعمش : الذي يؤمن بالله وآياته ، بدل كلماته ، ولما أمروا بالإيمان بالله ورسوله وذلك هو الاعتقاد أمروا بالاتباع له فيما جاء به ، وهو لفظ يدخل تحته جميع التزامات الشريعة ، وعلق رجاء الهداية باتباعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية