الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فصل )

ويضمن الصيد بمثله سواء كان المثل مما يجزئ في الهدايا والضحايا المطلقة أو لا ، لما تقدم عن عمر وابن مسعود ، وابن عباس : أنهم أوجبوا في جزاء الصيد : العناق ، والجفرة ، والحمل ، والجدي ، وهي لا تجوز في الأضاحي ، ولا مخالف لهم في الصحابة [ ص: 303 ] والأصل في ذلك : أن الله أوجب مثل المقتول من النعم ؛ ومثل الصغير صغير كما أن مثل الكبير كبير .

وقوله - بعد ذلك - : ( هديا بالغ الكعبة ) لا يمنع من إخراج الصغير ؛ لأن كل ما يهدى إلى الكعبة فهو هدي ، ولهذا لو قال : لله علي أن أهدي الجفرة جاز .

نعم الهدي المطلق : لا يجوز فيه إلا الجذع من الضأن والثني من المعز ، والهدي المذكور في الآية ليس بمطلق ، فإنه منصوب على الحال من قوله : ( مثل ما قتل ) والتقدير : فليخرج مثل المقتول على وجه الإهداء إلى الكعبة . وهذا هدي مقيد لا مطلق . فعلى هذا : منه ما يجب في جنسه الصغير كما تقدم ، ومنه ما يجب في جنسه الصغير والكبير ، فينظر إلى المقتول ، فيتغير ؛ صفاته ، فيجب في الصغير صغير ، وفي الكبير كبير ، وفي الذكر ذكر ، وفي الأنثى أنثى ، وفي الصحيح صحيح ، وفي المعيب معيب تحقيقا لمماثلة المذكورة في الآية .

فإن كان الصيد سمينا ، أو مسنا ، أو كريم النوع : اعتبر في مثله ذلك ، ويفتقر هنا في المماثلة إلى الحكمين . هذا قول ابن أبي موسى والقاضي وعامة من بعده من أصحابنا . وإن فدى الصغير بالكبير فهو أحسن .

وخرج ابن عقيل وجها - على قول أبي بكر في الزكاة - : أن لا يجزئ عن المريض إلا الصحيح .

قال القاضي وأصحابه ، مثل ابن عقيل وأبي الخطاب : فإن فدى الذكر [ ص: 304 ] بالأنثى : جاز فهو أفضل لأنها خير منه ، وإن فدى الأنثى بالذكر : ففيه وجهان : أحدهما : يجوز لأنهما جنس واحد .

والثاني : لا يجوز لأن الأنثى أفضل .

وقال ابن أبي موسى : في صغار أولاد الصيد : صغار أولاد المفدى به ، وبالكبير أحسن . وإذا أصاب صيدا أعور . أو مكسورا : فداه بمثله ، وبالصحيح أحسن ، ويفدى الذكر بالذكر ،والأنثى بالأنثى ، وهو قول علي بن أبي طالب .

وعلى هذا : فلا يفدى الذكر بالأنثى ، ولا الأنثى بالذكر ؛ لأن في كل منهما صفة مقصودة ليست في الآخر ، فلم يجوز الإخلال بها ، كما لو فدى الأعور الصحيح الرجلين بالأعرج الصحيح العين .

وقياس المذهب : عكس ذلك ؛ وهو أنه إن فدى الأنثى بالذكر جاز ، وفي العكس تردد ، وقد نص أحمد على أن في الضبع كبشا ؛ لأن الهدايا ، والضحايا المقصود منها اللحم ولحم الذكر أفضل بخلاف الزكاة ، والديات ، فإن المقصود منها الاستبقاء للدر والنسل ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - : قضى في الضبع بكبش ، والضبع إما أن يكون مخصوصا بالأنثى ، أو يشمل الذكر والأنثى ، فإن الذكر يسمى الضبعان .

وإن فدى الأعور بالأعرج ونحو ذلك مما يختلف فيه جنس العيب : لم يجز .

وإن فدى أعور العين اليمنى بأعور العين اليسرى ، أو بالعكس : جاز ؛ لأن جنس العيب واحد وإنما اختلف محله ، وكذلك إن فدى أعرج اليد بأعرج الرجل .

[ ص: 305 ] وأما الماخض : فقال أبو الخطاب وطائفة غيره : يضمنه بماخض مثله ، فإن لم يكن له مثل ضمنه بقيمة مثله ماخضا . وعلى هذا فيعتبر أن يكون قد مر له من مدة الحمل مثل حمل الصيد أو أكثر .

وقال القاضي : يضمن الماخض بقيمته مطلقا .

وإذا لم يجد جريحا من النعم : يكون مثل المجروح من الصيد ، ولم يجد معيبا : أخرج قيمة مثله مجروحا .

التالي السابق


الخدمات العلمية