الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( النوع الثاني الصلح على الإنكار ) أو السكوت ولا حجة للمدعي ( فيبطل ) خلافا للأئمة الثلاثة للخبر السابق { إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا } فإن المدعي إن كذب فقد استحل مال المدعى عليه الذي هو حرام عليه وإن صدق فقد حرم على نفسه ماله الذي هو حلال له أي : بصورة عقد فلا يقال للإنسان ترك بعض حقه قيل فيه نظر فإن الصلح ثم لم يحرم الحلال ولا حلل الحرام بل هو على ما كان عليه من التحريم والتحليل ا هـ .

                                                                                                                              ويرد بأن ما ذكر إلزام للقائلين بصحته وهو ظاهر ؛ إذ يلزم عليها أن الصلح سبب في ذلك التحليل والتحريم وقد علم من الخبر امتناع كل صلح هو كذلك كأن يصالح على نحو خمر فهذا أحل الحرام وكأن يصالح زوجته على أن لا يطلقها فهذا حرم الحلال وقد اتفقوا على أن الخبر يشمل هذين وهما على وزان ما قلناه في صلح الإنكار فحينئذ لا وجه لذلك النظر فتأمله .

                                                                                                                              أما إذا كانت له حجة كبينة فيصح لكن بعد تعديلها وإن لم يحكم بالملك على الأوجه ولا نظر إلى أن له سبيلا إلى الطعن ؛ لأن له ذلك حتى بعد القضاء بالملك أيضا على المعتمد ( إن جرى على ) هي هنا بمعنى من أو عن لما مر أن كون على والباء للمأخوذ ومن وعن للمتروك أغلبي ( نفس المدعي ) على غيره كأن ادعى عليه بدار أو دين فأنكر ثم تصالحا على نحو قن ويصح كونها على بابها والتقدير إن جرى على نفس المدعي [ ص: 194 ] عن غيره ودل عليه ذكر المأخوذ ؛ لأنه يقتضي متروكا ويصح مع عدم هذا التقدير أيضا وغايته أن البطلان فيه لأمرين كونه على إنكار وعدم العوضية فيه ( وكذا إن جرى ) الصلح من بعض المدعى ( على بعضه في الأصح ) كأن يصالحه من الدار على نصفها أما لو صالح من بعض الدين على بعضه فيبطل جزما ؛ لأن الضعيف يقدر الهبة في العين وإيراد الهبة على ما في الذمة ممتنع على ما يأتي في بابها ومر في اختلاف المتبايعين أنهما لو اختلفا هل وقع الصلح على إنكار أو إقرار صدق مدعي الإنكار ؛ لأنه الأغلب .

                                                                                                                              وقد يصح الصلح مع عدم الإقرار في مسائل : منها ما لو أسلم على أكثر من أربع نسوة ومات قبل الاختيار أنه يجوز اصطلاحهن بتساو وتفاوت ، وكذا ما لو طلق إحدى امرأتيه ومات قبل البيان لكن يأتي قبيل خيار النكاح خلافه أو ادعى اثنان وديعة بيد رجل فقال : لا أعلم لأيكما هي أو دارا بيدهما وأقام كل بينة وفي هذه كلها لا يجوز الصلح غلى غير المدعي ؛ لأنه بيع وشرطه تحقق الملك وسيأتي لذلك مزيد آخر نكاح المشرك ( وقوله ) بعد إنكاره ( صالحني عن الدار ) مثلا ( التي تدعيها ليس إقرارا في الأصح ) قال البغوي وكذا قوله لمدع عليه ألفا صالحني منها على خمسمائة أو هبني خمسمائة أو أبرئني من خمسمائة لاحتمال أن يريد به قطع الخصومة لا غير ولأنه في الثانية بأقسامها لم يقر بأن ذلك يلزمه وقد يصالح على الإنكار أي : بل هو الأغلب كما تقرر .

                                                                                                                              أما قوله ذلك ابتداء قبل إنكاره فليس إقرارا قطعا ولو قال هبني هذه أو بعنيها أو زوجني الأمه كان إقرارا بملك عينها أو أجرنيها أو أعرنيها فإقرار بملك المنفعة لا العين أو ادعى عليه دينا فقال أبرأتني أو أبرئني فإقرار أيضا وبحث السبكي تقييده بما إذا [ ص: 195 ] ذكر المال أو الدين أي : ولو بالضمير كأبرأتني منه ؛ لأنه مع حذفه يحتمل أبرأتني من الدعوى .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              [ ص: 193 ] قوله فقد حرم على نفسه ماله ) قد يناقشون بأنه لا محذور في ذلك ؛ لأنه حرمه على نفسه بمعاملة صحيحة صدرت باختياره كسائر المعاملات الصحيحة المختارة فإن كلا من المتعاملين حرم على نفسه ما بذله في تلك المعاملة والمعاملة هنا صحيحة عند المخالفين فهي كغيرها من المعاملات الصحيحة ومن ذلك الصلح على الإقرار فإن المدعي حرم على نفسه ماله بما أخذه عوضا عنه ومن هنا يناقش في الإلزام ودعوى ظهوره الآتيين .

                                                                                                                              وأما قوله الآتي وهما على وزان إلخ فلهم أن يدفعوا الصورة الأولى بأن الخمر لا تحل المعاملة عليه والصورة الثانية بأن ترك الطلاق غير متقوم بدليل الامتناع فيه ولو مع الإقرار فليتأمل .

                                                                                                                              ( قوله فحينئذ لا وجه لذلك النظر ) نفي جنس الوجه لا يخفى ما فيه سيما مع ما قررناه فيما سبق .

                                                                                                                              ( قوله أما إذا كانت له حجة كبينة فيصح ) وصورة المسألة أن البينة أقيمت قبل الصلح أما لو أقيمت بعده فلا ينقلب صحيحا كما لو أقر بعده كما سيأتي وهذا بخلاف ما لو أقيم بعد الصلح بينة بأنه كان مقرا قبل الصلح فإن الصلح صحيح فعلم الفرق في البينة بعد الصلح بين الشاهدة بنفس الحق فلا يكون الصلح صحيحا والشاهدة بالإقرار قبله فيكون صحيحا م ر .

                                                                                                                              ( قوله أما إذا كانت له حجة إلخ ) صورة المسألة كما هو صريح أنه أقام البينة ثم صالح ويبقى ما لو صالح ثم أقامها وفي شرح العباب ولو أقيمت بينة بعد الصلح على الإنكار بأنه ملك وقته فهل يلحق بالإقرار ؟ قال الجوجري يلحق به بل أولى ؛ لأنه يمكن الطعن فيها لا فيه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله والتقدير إن جرى على نفس المدعي [ ص: 194 ] عن غيره ) ينبغي استثناء ما لو كان هذا الغير مدعيا عن آخر مقر به فيصح الصلح حينئذ فتأمله .

                                                                                                                              ( قوله ويصح مع عدم هذا التقدير ) وعلى هذا فالمدعى متروك ومأخوذ باعتبارين .

                                                                                                                              ( قوله : لأن الضعيف يقدر الهبة في العين ) وضحه مع كون هبة الدين للمدين إبراء وأيضا فكان يمكن الضعيف تخصيص تقدير الهبة بالعين ويجعل غيره إبراء .

                                                                                                                              ( قوله أو أبرئني من خمسمائة ) هذا مع قوله الآتي أو أبرئني بإقرار أيضا يقتضي الفرق بين طلب الإبراء من الكل وطلبه من البعض ويحتمل أن وجه هذا عدم إضافة الخمسمائة إلى الألف بنحو قوله منه ( قوله ولأنه في الثانية ) انظر مفهومه ( قوله فإقرار أيضا ) فعلم [ ص: 195 ] الفرق بين التماس الإبراء من البعض ومن الكل .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( فيبطل إلخ ) وإن صالح على الإنكار فإن كان المدعي محقا فيحل له فيما بينه وبين الله تعالى أن يأخذ ما بذل له قاله الماوردي وهو صحيح في صلح الحطيطة وأما إذا صالح على غير المدعي ففيه ما يأتي في مسألة الظفر مغني ونهاية وشرح الروض .

                                                                                                                              ( قوله للخبر السابق إلخ ) وقياسا على ما لو أنكر الخلع والكتابة ثم تصالحا على شيء نهاية ومغني .

                                                                                                                              ( قوله فيه نظر ) أي : في قوله فإن المدعي إلخ وكذا المراد بقوله الآتي ما ذكر ا هـ كردي ( قوله بل هو ) أي : كل من الحلال والحرام ( قوله إلزام ) أي : لا بيان لحقيقة الحال حتى يرد عليه النظر ا هـ كردي ( قوله وهو ظاهر ) أي : الإلزام ( قوله عليها ) أي : الصحة ( قوله كذلك ) أي : يحلل الحرام أو يحرم الحلال .

                                                                                                                              ( قوله أما لو كانت له حجة كبينة إلخ ) صورة المسألة أن البينة أقيمت قبل الصلح أما لو أقيمت بعده فلا ينقلب صحيحا كما لو أقر بعده كما سيأتي وهذا بخلاف ما لو أقيمت بعد الصلح بينة بأنه كان مقرا قبل الصلح فإن الصلح صحيح فعلم الفرق في البينة بعد الصلح بين الشاهدة بنفس الحق فلا يكون الصلح صحيحا والشاهدة بالإقرار قبله فيكون صحيحا م ر ا هـ سم على حج ا هـ ع ش .

                                                                                                                              وفي المغني ولو أقر ثم أنكر جاز الصلح ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله كبينة ) أي واليمين المردودة ا هـ نهاية ( قوله وإن لم يحكم ) ببناء المفعول أو الفاعل ( قوله على الأوجه ) وفاقا للمغني والنهاية ( قوله ولا نظر إلخ ) عبارة النهاية واستشكال الغزالي ذلك قبل القضاء بالملك بأن له سبيلا إلى الطعن يرد بأن العدول إلى الصالحة يدل على عجزه عن إبداء طاعن ولو ادعى عليه عينا فقال رددتها إليك ثم صالحه فإن كانت أمانة بيده لم يصح الصلح لقبول قوله فيكون صلحا على الإنكار وإلا فقوله في الرد غير مقبول فيصح لإقراره بالضمان ا هـ .

                                                                                                                              وقوله ولو ادعى عليه عينا إلخ في المغني مثله قال ع ش قوله م ر أمانة أي بغير رهن وإجارة على ما يفيده التعليل ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله إلى الطعن ) أي : جرح الشاهد ( قوله هي بمعنى ) إلى قول المتن وكذا في النهاية والمغني ( قوله لما مر ) أي : أول الباب قول المتن ( نفس المدعى ) بفتح العين أي المدعى به وفي الروضة وأصلها على غير المدعى كأن يصالحه على الدار بثوب أو دين قال الشارح وكان نسخة المصنف من المحرر عين فعبر عنها بالنفس ولم يلاحظ موافقة ما في الشرح فهما مسألتان حكمهما واحد انتهى ، ويريد بذلك دفع اعتراض المصحح فإنه قال الصواب التعبير بالغير وقال الدميري عبارة المحرر غير وكأن الراء تصحفت على المصنف بالنون فعبر عنها بالنفس مغني ونهاية .

                                                                                                                              ( قوله ثم تصالحا على نحو قن ) أي يأخذه المدعي من المدعى عليه ( قوله كونها ) أي لفظه على ( قوله والتقدير إلخ ) ينبغي [ ص: 194 ] استثناء ما لو كان هذا الغير مدعى آخر مقرا به فيصح الصلح حينئذ فتأمله ا هـ سم ( قوله عن غيره ) لعل صورته أن يدعي على شخص شيئين فأنكرهما معا فيصالحه على أحدهما من الآخر ( قوله ودل عليه ) أي : على تقدير عن غيره ( قوله ذكر المأخوذ ) وهو نفس المدعى ( قوله ويصح إلخ ) سلك النهاية والمغني في حل المتن على هذا فقالا عقبه كأن ادعى عليه شيئا فيصالحه عليها بأن يجعلها للمدعي أو للمدعى عليه كما تصدق به عبارة المصنف وهو باطل فيهما ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله مع عدم هذا التقدير ) وعلى هذا فالمدعى المذكور مأخوذ ومتروك باعتبارين نهاية ومغني وسم أي : فعلى على بابها بالاعتبار الأول .

                                                                                                                              ( قوله أن البطلان فيه ) أي : في الصلح في ذلك نهاية ومغني ( قوله وعدم العوضية فيه ) عبارة النهاية والمغني وفساد الصيغة باتحاد العوضين ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله من بعض المدعى ) الأولى إسقاط لفظ بعض عبارة النهاية والمغني وكذا يبطل الصلح إن جرى على بعضه أي : المدعى كما لو كان غير المدعى ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله أما لو صالح ) إلى قوله ؛ لأنه بيع في النهاية والمغني يعني أن كلام المصنف في العين وأما لو صالح إلخ ( قوله على بعضه إلخ ) أي : في الذمة بخلاف ما إذا صالحه عن ألف على خمسمائة معينة فإنه لم يصح في الأصح ا هـ مغني .

                                                                                                                              ( قوله ممتنع ) وقد يدفع بأنه لو قيل بالصحة لكان إبراء وهو مما في الذمة صحيح ع ش وسم ( قوله ومات قبل الاختيار ) أي : ووقف الميراث بينهن ( قوله أنه يجوز إلخ ) تعليل لكونها مستثنى أي ؛ لأنه يجوز إلخ عبارة النهاية والمغني فاصطلحن ا هـ وهي أخصر وأسبك .

                                                                                                                              ( قوله قبل البيان ) أي : أو التعيين نهاية ومغني .

                                                                                                                              ( قوله لا أعلم لأيكما إلخ ) أي : هي لواحد منكما ولا أعلم إلخ ( قوله وأقام كل بينة ) قضية ذلك أنهما لو تصالحا بلا بينة لم يصح وعليه فأي فرق بين ذلك وبين إقامة البينتين فإنهما تتساقطان ويبقى مجرد اليد وقد تقدم في الجواب عن أنه صلى الله عليه وسلم قسم بين اثنين تخاصما في ميراث بأنه إنما فعل ذلك لكونها في يدهما فيقال بمثله هنا ا هـ ع ش ( قوله وفي هذه إلخ ) أي : المسائل الأربع المستثنيات ( قوله : لأنه ) أي : الصلح على غير المدعى به ( قوله آخر نكاح إلخ ) أي : في آخره قول المتن ( ليس إقرارا في الأصح ) وعليه يكون الصلح بعد هذا الالتماس صلح إنكار نهاية ومغني .

                                                                                                                              ( قوله لاحتمال إلخ ) تعليل للمتن والشرح ( قوله ولأنه في الثانية ) أي : التي في الشرح قال سم انظره مفهومه ا هـ أي : مع أن التعليل المذكور جار في الأولى أيضا ولك مع الجريان بأنه رد لمقابل الأصح أن الثانية كالأولى إقرار بالكل بالتسليم والمعنى ولو سلمنا عدم الاحتمال المذكور لكن الثانية إقرار بالبعض فقط ( قوله بأقسامها ) أي : الثلاثة ( قوله بأن ذلك ) أي الألف المدعى به ( قوله وقد يصالح إلخ ) الواو حالية ( قوله أي : بل هو ) أي : الصلح على الإنكار ( قوله أما قوله ) إلى قوله وبحث في النهاية والمغني إلا قوله أبرأتني ( قوله أما قوله ذلك ) ظاهره أنه راجع لما في المتن والشرح معا ( قوله قطعا ) الجزم هنا لا يخالف قول المصنف السابق ولو قال من غير سبق خصومة صالحني عن دارك بكذا فالأصح بطلانه ؛ لأن ما تقدم مفروض في صحة الصلح وفساده وما هنا في صحة الإقرار وبطلانه ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله هذه ) أي العين التي تدعيها نهاية ومغني وظاهر أن سبق الدعوى ليس بقيد هنا ( قوله إقرار إلخ ) ؛ لأنه صريح في الالتماس ا هـ مغني .

                                                                                                                              ( قوله لا العين ) ؛ إذ الإنسان قد يستعير ملكه ويستأجره من مستأجره نهاية ومغني ( قوله فإقرار أيضا ) فعلم الفرق بين التماس الإبراء من البعض ومن الكل ا هـ سم .

                                                                                                                              ( قوله وبحث السبكي إلخ ) اعتمده النهاية [ ص: 195 ] والمغني أيضا .




                                                                                                                              الخدمات العلمية