الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولا يشرع ) أي : يخرج ( فيه جناح ) أي روشن سمي به تشبيها له بجناح الطائر ( ولا ساباط ) هو سقيفة بين حائطين ( يضرهم ) كل منهما كذلك ومن ذلك ما لو اكتنف الشارع داراه فحفر سردابا تحت الطريق من إحداهما إلى الأخرى فإن ضر منع منه وإلا فلا إذ الانتفاع بباطن الطريق كهو بظاهرها والمزيل [ ص: 199 ] لما أضر هنا هو الحاكم على ما رجحه ابن الرفعة ولعله مبني على ما رجحه مخالفا لهما في نحو شجرة خرجت لهوائه أما على ما رجحاه أن له القطع ولو بلا حاكم فيحتمل أن يقال هنا كذلك ويحتمل الفرق بأن الهواء هنا لكافة المسلمين فوجب تفويض أمره إلى نائبهم وهو الحاكم وثم له وحده فجاز له الاستبداد بإزالة الضرر عنه أما جناح وساباط لا يضر فيجوز لكن لمسلم لا ذمي في شوارعنا وكذا حفر بئر حشه بخلاف ذلك في محالهم وشوارعهم المختصة بهم ولو في دارنا وبخلاف فتح بابه إلى شارعنا ؛ لأن له استطراقه تبعا لنا أو لما بذله من الجزية فلا محذور علينا فيه ولا يجوز إخراج جناح إلى مسجد وإن لم يضر ويظهر أن نحو الرباط والمدرسة كذلك وإن أذن ناظره ثم رأيت الأذرعي صرح به [ ص: 200 ] وتردد في الإشراع في هواء المقبرة والذي يتجه منعه إن سبلت ولو باعتياد أهل البلد الدفن فيها لما مر من حرمة البناء فيها حينئذ ( بل ) للانتقال إلى بيان مفهوم يضرهم ( يشترط ) لجواز فعله ( ارتفاعه بحيث ) ينتفي إظلام الموضع به حتى يسهل المرور به وبحيث ( يمر تحته ) الماشي ( منتصبا ) وعلى رأسه الحمولة بضم الحاء الغالبة ؛ لأن انتفاء شرط من ذلك يؤدي إلى إضرار المارة إن كان ممرا لمشاة فقط .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله كل منهما ) ويصح رجوع [ ص: 199 ] الضمير للساباط وحذف نظير هذا من جناح قال في شرح الإرشاد ولو أشرع إلى ملكه ثم سبل ما تحت جناحه شارعا وهو يضر بالمارة أمر برفعه على ما بحثه الزركشي ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله هو الحاكم ) نعم لكل أحد مطالبته بإزالته ؛ لأنه من إزالة المنكر قاله سليم م ر .

                                                                                                                              ( قوله وكذا حفر بئر حشه ) قال في شرح العباب أي : فيمتنع في دورهم التي بين دورنا فقط ا هـ أي : لا في التي في شوارعهم المختصة بهم ( قوله ولا يجوز إخراج جناح إلى مسجد وإن لم يضر ) أي : خلافا للبلقيني كما قاله في شرح العباب إن كان الميزاب كالجناح في ذلك احتيج إلى الجواب عن خبر { الميزاب الذي نصبه عليه السلام بيده في دار عمه العباس رضي الله عنه وكان شارعا إلى مسجده عليه أفضل الصلاة والسلام } فراجعه وقد يقال الميزاب جناح وزيادة فلا يمكن منع الجناح دون الميزاب [ ص: 200 ] وحينئذ يشكل الخبر إلا أن يفرق بالمسامحة في الميزاب لشدة الحاجة إليه ولا يخفى ما فيه فليتأمل .

                                                                                                                              ( قوله إظلام الموضع به ) أي : إظلام ما يشق معه المرور ( قوله الغالبة ) قال في شرح العباب أي : التي ينتهي سمك ارتفاعها إلى الحد الغالب في الحمولات التي تحمل على الرأس كما هو ظاهر ا هـ وأقول فيه نظر ؛ لأنه يخرج الحد الكثير في الحمولات الغير الغالب وخروجه بعيد من كلامهم والمتجه اعتباره أيضا وأن لا يخرج الحد النادر وقد سبق الشارح لما قاله بعض الشراح فضبط الغالبة بالغين المعجمة والباء الموحدة فليتأمل بل ينبغي اعتبار الحد النادر أيضا ؛ لأنه قد يتفق وهو الموافق لقوله الآتي ؛ لأن ذلك قد يتفق وإن نذر ا هـ ؛ إذ لا وجه للفرق بينهما فليتأمل .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله أي : روشن ) وهو نحو الخشب المركب في الجدار الخارج إلى هواء الشارع من غير وصول إلى الجدار المقابل ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله بين حائطين ) أي : والطريق بينهما نهاية ومغني ( قوله كل منهما ) أي : من الجناح والساباط دفع به ما يقال كان الأولى للمصنف أن يقول يضر أنهم ا هـ ع ش قال سم ويصح رجوع ضمير يضر للساباط وحذف نظير هذا من جناح قال في شرح الإرشاد أي : والنهاية ولو أشرع إلى ملكه ثم سبل ما تحت جناحه شارعا وهو يضر بالمارة أمر برفعه على ما بحثه الزركشي ا هـ قال ع ش قوله يرفعه أي : بحيث لم يضر بالمارة وقوله على ما بحثه الزركشي قد يؤخذ منه أنه لو أخرج الجناح إلى شارع على وجه لا يضرهم ثم ارتفعت الأرض تحته بحيث صار مضرا بهم أنه يلزمه رفعه أو حفر الأرض بحيث ينتفي الضرر الحاصل به ويؤيده ما ذكره الشارح م ر في الجنايات من أنه لو بنى جداره مستقيما ثم مال فإنه يطالب بهدمه أو إصلاحه مع أنه وضعه في الأصل بحق وقد يؤخذ منه أيضا أنه لو لم يكن ممر الفرسان والقوافل ثم صار كذلك كلف رفعه ؛ لأن الارتفاق بالشارع مشروط بسلامة العاقبة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله كذلك ) أي : ضررا لا يصبر عليه إلخ ا هـ سيد عمر ( قوله ومن ذلك ) أي : من التصرف في الشارع ثم هو إلى قوله على ما رجحه في المغني ( قوله ما لو اكتنف ) أي : أحاط ( وقوله الشارع ) مفعول اكتنف وفاعله داراه عبارة المغني ولو كان له داران في جانبي الشارع فحفر إلخ ا هـ .

                                                                                                                              وظاهر أن هذا مجرد تصوير فمثله ما لو كان داره في جانب الشارع فحفر سردابا من باطنها إلى باطن نصفه مثلا ( قوله من إحداهما ) أي : الدارين ( قوله فإن ضر ) أي المارين بأن يخاف من الانهيار ( قوله وإلا إلخ ) أي : وإن لم يضرهم بأن [ ص: 199 ] أحكم أزجه بحيث يؤمن من الانهيار فلا يمنع ا هـ مغني .

                                                                                                                              ( قوله لما أضر ) الأولى ضر لضبطه الفعل في المتن بفتح أوله ا هـ سيد عمر

                                                                                                                              ( قوله هو الحاكم ) اعتمده النهاية والمغني فقالا والمزيل له هو الحاكم لا كل أحد لما فيه من توقع الفتنة لكن لكل أحد مطالبته بإزالته ؛ لأنه من إزالة المنكر ا هـ .

                                                                                                                              قال ع ش قوله لا كل أحد أي : فلو خالف وهدم عزر فقط ولا ضمان فيما يظهر ؛ لأنه مستحق الإزالة فأشبه المهدر كالزاني المحصن ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله على ما رجحه ابن الرفعة ) هو المعتمد ا هـ ع ش ( قوله لهما ) أي : للشيخين ( قوله في نحو شجرة ) أي : لشخص ( وقوله لهوائه ) أي : لهواء ملك شخص آخر ( قوله أن له ) أي : لمالك الهواء ( قوله هنا ) أي : في إخراج نحو الجناح المضر ( وقوله كذلك ) أي : يجوز استقلال كل أحد بالإزالة ( قوله ويحتمل الفرق ) ولعل الفرق أقرب ا هـ سيد عمر .

                                                                                                                              ( قوله أما جناح ) إلى قوله ولا يجوز في المغني إلا قوله وبخلاف فتح بابه إلى شارعنا وإلى المتن في النهاية إلا ما ذكر إلى ولا يجوز وقوله وكذا حفر بئر حشه ( قوله فيجوز لكن لمسلم ) أي وإن لم يأذن له الإمام ا هـ نهاية ( قوله لا لذمي إلخ ) فيمنع من ذلك وإن جاز له الاستطراق ؛ لأنه كإعلاء بنائه على بناء المسلم أو أبلغ وأفتى أبو زرعة بمنعه من البروز في البحر ببنائه على المسلمين قياسا على ذلك ا هـ نهاية قال ع ش قوله وأبلغ بقي ما لو بناه المسلم في ملكه قاصدا به أن يسكن فيه الذمي هل يجوز ذلك ؛ لأنه قد لا يسكنه الذمي أم لا ؟ فيه نظر . والأقرب جواز البناء ومنع إسكان الذمي فيه على تلك الحالة وقوله بمنعه أي : الذمي وإن لم يضر ما يمر تحته بوجه بل وقضيته امتناع ذلك وإن لم يكن ممرا للسفن أصلا ومفهومه جوازه للمسلم حيث لم يضر بالسفن التي تمر تحته ويمكن تصوير ذلك بأن يكون البناء الذي أخرج فيه الروشن سابقا على النهر فلا يقال صرحوا بامتناع البناء في حريم النهر فكيف هذا مع ذاك ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وكذا حفر بئر حشه ) قال في شرح العباب أي : فيمتنع في دورهم التي بين دورنا فقط ا هـ أي : لا في التي في شوارعهم المختصة بهم سم على حج قضية ذلك امتناع ذلك في دورهم التي بين دورنا وإن لم يصل الحش إلى الشارع ولا تولد منه شيء إليه فانظر ما وجهه حينئذ فإنهم إنما تصرفوا في خالص ملكهم على وجه لا يضر المسلمين ولو قيل بأن امتناع ذلك محله حيث امتد أسفل الحش إلى الشارع أو تولد منه ما يضر بالشارع لم يبعد ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله بخلاف ذلك ) أي : الإشراع والحفر بلا ضرر ( قوله ولو في دارنا ) أي : في دار الإسلام نهاية ومغني ( قوله أو لما بذل له إلخ ) عطف على تبعا لنا ( قوله فيه ) أي : في الفتح إلى شارعنا ( قوله ولا يجوز إخراج جناح إلخ ) أي لأحد لا مسلم ولا غيره وإن أمن الضرر بكل وجه ولعل الفرق بين الشارع وغيره أن الانتفاع بالشارع لا يتقيد بنوع مخصوص من الانتفاعات به بل لكل أحد الانتفاع بأرضه بسائر وجوه الانتفاعات التي لا تضر ولا يختص بشخص دون آخر بل يشترك فيه المسلم والذمي وغيرهما فجاز الانتفاع بهوائه تبعا للتوسع في عموم الانتفاع به ولا كذلك المسجد وما ألحق به فإن الانتفاع بهما بنوع مخصوص من الانتفاعات كالصلاة ولطائفة مخصوصة من الناس كالمسلمين أو من وقفت عليهم المدرسة كالشافعية مثلا فكانا شبيهين بالأملاك وهي لا يجوز الإشراع فيها لغير أهلها إلا برضاهم والرضا من أهلهما هنا متعذر فتعذر الإشراع ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله نحو الرباط ) أي : وكحريم المسجد وفسقيته ودهليزه الموقوف عليه للمرور فيه الذي ليس بمسجد وكالمسجد فيما ذكر كل موقوف على جهة عامة كبئر أما ما وقف على معين فلا بد من إذنه لكن يتجدد المنع لمن استحق بعده ا هـ ع ش [ ص: 200 ] قوله وتردد في الإشراع إلخ ) يتردد النظر في الإشراع في هواء المسعى ولعل الأحوط المنع ومثله في ذلك هواء عرفة ومنى والمزدلفة ا هـ سيد عمر ( قوله والذي يتجه إلخ ) عبارة النهاية والأقرب أن ما حرم البناء فيها بأن كانت موقوفة أو اعتاد أهل البلد الدفن فيها حرم الإشراع في هوائها بخلاف غيرها ا هـ وظاهره وإن لم يضر وهو ظاهر فيمتنع مطلقا ع ش ( قوله لجواز فعله ) أي : فعل كل من الجناح والساباط ( قوله ينتفي ) إلى قوله ؛ لأن إلخ في النهاية والمغني ( قوله ينتفي إظلام الموضع إلخ ) انظر هل يشمل هذا الإظلام الزائد في الليل بنحو الساباط أم لا ؟ والقلب إلى الأول أميل ( قوله إظلام الموضع به ) أي إظلاما يشق معه المرور ا هـ سم عبارة النهاية والمغني نعم لا اعتبار بإظلام خفيف ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وبحيث يمر تحته إلخ ) فلو لم يكن ممر الفرسان والقوافل وأخرج الروشن ثم عرض ذلك فهل يكلف رفعه أو لا فيه نظر والأقرب الأول قياسا على ما لو أشرع إلى ملكه ثم سبل ما تحت جناحه شارعا ا هـ ع ش أقول قول الشارح الآتي ولا يتقيد الأمر بذلك إلخ كالصريح فيما استقر به قول المتن ( منتصبا ) من غير احتياج إلى مطأطأ رأسه نهاية ومغني ( قوله الحمولة إلخ ) أي : الأحمال عبارة المختار الحمولة بالضم الأحمال .

                                                                                                                              وأما الحمول بالضم بلا هاء فهي الإبل التي عليها الهوادج سواء كان فيها نساء أو لم تكن ا هـ ع ش ( قوله العالية ) قال في شرح العباب أي : التي ينتهي سم ك ارتفاعها إلى الحد الغالب في الحمولات التي تحمل على الرأس كما هو ظاهر ا هـ وأقول فيه نظر ؛ لأنه يخرج الحد الكثير من الحمولات الغير الغالب وخروجه بعيد من كلامهم والمتجه اعتباره أيضا وأن لا يخرج إلا الحد النادر بل ينبغي اعتبار الحد للنادر أيضا ؛ لأنه قد يتفق وهو الموافق لقوله الآتي ؛ لأن ذلك قيد يتفق وإن نذر ا هـ ولا وجه للفرق بينهما فليتأمل ا هـ سم وفي البجيرمي استحسن الشوبري اعتبار العادة الغالبة وقال الزيادي العبرة بالمرتفعة ولو نادرة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله من ذلك ) أي : من انتفاء الإظلام وإمكان مرور الماشي منتصبا وعلى رأسه حمولة عالية .




                                                                                                                              الخدمات العلمية