الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            [ ص: 107 ] ( فصل ) في الإقرار بالنسب

                                                                                                                            وهو مع الصدق واجب ومع الكذب في ثبوته أو نفيه حرام ، وما صح في الخبر من أنه كفر محمول على مستحله أو على كفر النعمة إذا ( أقر ) بالغ عاقل ولو سكران ذكر مختار وإن كان سفيها قنا كافرا ( بنسب ) ( إن ألحقه بنفسه ) من غير واسطة كهذا أبي أو ابني لا أمي لسهولة إقامة البينة بولادتها على ما قاله في الكفاية والأصح خلافه ، ولو قال : يد فلان ابني فلغو أخذا من قولهم كل تصرف قبل التعليق صح إضافته لبعض محله بخلاف ما لا يقبله كما هنا وهذا شامل لنحو رأسه مما لا يبقى بدونه فالتفرقة بينهما قياسا على الكفالة وهم ( اشترط لصحته ) أي الإلحاق ( أن لا يكذبه الحس ) بأن يكون في سن يمكن كونه منه ، فإن كذبه بأن كان في سن لا يتصور أن يولد لمثله مثله ولو لطرو قطع ذكره وأنثييه قبل زمن إمكان العلوق بذلك المولد كان إقراره لغوا بالنسبة للنسب لا للعتق فلو استلحق رقيقه عتق عليه ولحقه حيث كان مجهول النسب وأمكن ذلك وإلا بأن عرف نسبه من غيره عتق فقط ، ولو قدمت [ ص: 108 ] كافرة بطفل وادعاه رجل وأمكن اجتماعهما بأن احتمل أنه خرج إليها أو أنها قدمت إليه قبل ذلك لحقه ، وما زاده بعضهم من احتمال أنه أنفذ إليها ماءه فاستدخلته رأي مردود لأبي حامد غلطه فيه الماوردي وغيره لأنه إحبال بالمراسلة والجمهور على خلافه ، وقولهم كافرة : أي من دار الكفر مثال فكل بلد بعيد كذلك ( و ) أن ( لا ) يكذبه ( الشرع ) فإن كذبه ( بأن يكون معروف النسب من غيره ) أو ولد على فراش نكاح صحيح لم يصح استلحاقه وإن صدقه المستلحق لأن النسب لا يقبل النقل ، وعلم مما تقرر عدم صحة استلحاق منفي بلعان ولد على فراش نكاح صحيح لما فيه من إبطال حق النافي إذ له استلحاقه ، وأن هذا الولد لا يؤثر فيه قائف ولا انتساب يخالف حكم الفراش ، بل لا ينتفي إلا باللعان رخصة أثبتها الشارع لرفع الأنساب الباطلة ، فإن ولد على فراش وطء شبهة أو نكاح فاسد جاز للغير استلحاقه ; لأنه لو نازعه قبل النفي سمعت دعواه ، ويمتنع استلحاق ولد الزنا مطلقا .

                                                                                                                            واعلم أن اشتراط عدم تكذيب المقر الحس والشرع غير مختص بما هنا ، بل هو شامل لسائر الأقارير كما علم مما مر أنه يشترط في المقر له أهلية استحقاق المقر به حسا وشرعا كما أفتى بذلك الوالد رحمه الله ولا بد أن لا يكون المستلحق بفتح الحاء رقيقا [ ص: 109 ] للغير أو عتيقا صغيرا أو مجنونا ، فإن كان لم يصح استلحاقه محافظة على حق ولاء السيد بل لا بد من بينة ، فلو صدقه البالغ العاقل قبل كما رجحه ابن المقري خلافا لترجيح الأنوار نفي القبول ويبقى العبد على رقه إذ لا منافاة بين الرق والنسب لانتفاء استلزامه الحرية ولم تثبت ( وأن يصدقه المستلحق ) بفتح الحاء ( إن كان أهلا للتصديق ) بأن يكون مكلفا لأن له حقا في نسبه وهو أعرف به من غيره ، وخرج بالتصديق سكوته فلا يثبت معه النسب خلافا لما وقع لهما في موضع .

                                                                                                                            نعم لو مات قبل تمكنه من التصديق صح ، وقد يحمل كلامهما عليه ( فإن كان بالغا ) عاقلا ( فكذبه ) أو قال لا أعلم أو سكت وأصر ( لم يثبت نسبه ) منه ( إلا ببينة ) أو يمين مردودة كبقية الحقوق ولو تصادقا ثم رجعا لم يبطل نسبه لأن النسب المحكوم بثبوته لا يرتفع بالاتفاق كالثابت بالافتراش ( وإن استلحق صغيرا ) أو مجنونا ( ثبت ) نسبه منه بالشروط السابقة ما سوى التصديق لعسر إقامة البينة فيترتب عليه أحكام النسب . ( فلو ) ( بلغ ) الصغير أو أفاق المجنون ( وكذبه ) ( لم يبطل ) استلحاقه بتكذيبه ( في الأصح ) فيهما لأن النسب يحتاط له فلا يندفع بعد ثبوته ، والثاني يبطل فيهما لأنا حكمنا به حين لم يكن أهلا للإنكار ، وقد صار والأحكام تدور مع عللها وجودا وعدما ، وشمل كلام المصنف ما لو استلحق أباه المجنون ثم أفاق وكذبه [ ص: 110 ] فلا اعتبار بتكذيبه خلافا للماوردي ومن تبعه ممن فرق بين الأب وغيره بأن استلحاق الأب على خلاف الأصل والقياس فاحتيط له أكثر .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 107 ] فصل ) في الإقرار بالنسب ( قوله : في الإقرار بالنسب ) أي وما يتبعه من ثبوت الاستيلاد وإرث المستلحق ( قوله : حرام ) أي بل كبيرة ( قوله : أو على كفر النعمة ) أي فإن حصول الولد له نعمة من الله فإنكارها جحد لنعمته تعالى ، ولا نظر لما قد يعرض للولد من عقوق ونحوه ، وشمل ذلك ما لو قال : أبي زيد جوابا لمن سأله عن أبيه وليس زيد أباه في الواقع فإن ذلك يتضمن نفي أبوة أبيه عنه ، وبه يندفع ما يقال إنكار النعمة ظاهر في النفي دون الإثبات كذبا ( قوله : ولو سكران ) متعديا ( قوله : وإن ) غاية كان : أي المستلحق ( قوله : على ما قاله في الكفاية ) أي لابن الرفعة ، واعتمده حج ( قوله : والأصح خلافه ) أي فيصح إلحاق نسب الأم به ( قوله : وهم ) أي فلا فرق بين أن يعيش بدونه أو لا في كونه لغوا ، وقوله لنحو رأسه شامل للجزء الشائع كربعه ، وصرح حج بخلافه وعبارته ومثله : أي مثل ما لا يبقى بدونه كالرأس ، الجزء الشائع كربعه ( قوله : لا للعتق ) قضية هذا عتقه وإن لم يمكن كونه منه لكونه أكبر سنا منه مثلا ، والذي في شرح الروض خلافه ، ونقله سم على منهج ، وأقره ، ومثله في الزيادي ، ولا يقدح في القضية المذكورة .

                                                                                                                            قوله بعد : وأمكن ذلك لجواز أن يكون اعتبار الأمرين للعتق وثبوت النسب معا ، وإن اقتصر في بيان المحترز على معلوم النسب ، ويوافق ما في شرح الروض ما صرح به الشارح في كتاب العتق بعد قول المصنف : أنت مولاي إلخ من قوله وقوله : أنت ابني أو بنتي أو أبي أو أمي إعتاق إن أمكن من حيث السن وإن عرف كذبه ونسبه من غيره ا هـ ( قوله : عتق عليه ) أي سواء كان معروف النسب من غيره أم لا حيث أمكن كونه منه ليوافق ما تقدم عن شرح الروض ( قوله : وأمكن ذلك ) أي بأن لا يكون أكبر سنا من المقر ، وأفهم أنه إذا لم يمكن أن يكون ولد له لا يعتق ، [ ص: 108 ] وقدمنا ما فيه عن شرح الروض إلا أن يجعل قوله حيث كان مجهول النسب إلخ راجعا لقوله ولحقه دون ما قبله ( قوله : وادعاه رجل وأمكن اجتماعهما ) أي سواء زعم نكاحها قبل أو لا لاحتمال وطئه لها بشبهة ، أو أنه قصد الاستيلاء عليها ببلاد الحرب ( قوله : فكل بلد بعيد كذلك ) أي ولا عبرة بإنكار أمه ولو كانت أدين من الأب : أي كأن كانت مسلمة والمدعي كافرا فيثبت نسبه ويحكم بإسلامه تبعا للأم ( قوله : ولد على فراش نكاح صحيح ) ومثله ولد الأمة ولو غير مستولدة المنفي بحلف السيد فليس لغير السيد استلحاقه كما يؤخذ من قوله الآتي لأنه لو نازعه قبل النفي إلخ ، بل وكذا لو لم يكن منفيا لأنه ملك لسيدها ولا يصح استلحاق رقيق الغير لما فيه من إبطال حق السيد .

                                                                                                                            ( قوله : أو ولد على فراش نكاح صحيح ) قال حج : وأخذ ابن الصلاح من هذا المذكور في النهاية وغيرها إفتاءه في مريض أقر بأنه باع كذا من ابنه هذا فمات فادعى ابن أخيه أنه الوارث وأن ذلك الابن ولد على فراش فلان وأقام به بينة وفلان والابن منكران لذلك بأنه لا يلحق بذي الفراش ولا أثر لإقرار الميت ولا لإنكار ذينك ، وسمعت دعوى ابن الأخ وبينته وإن كان إثباتا للغير لأنه طريق في دفع الخصم ويستحق الابن ما أقر له به وإن انتفى نسبه نظرا للتعيين في قوله هذا وتقبل بينته أنه ولد على فراش المقر ولا وارث له غيره فيرثه ، وكأن وجه تقديم بينته أنها ترجحت بإقرار هذا لا سيما مع إنكار صاحب ذلك الفراش ( قوله : بل لا ينتفي ) أي حكم الفراش أو الولد ( قوله : أو نكاح فاسد ) عطف خاص على عام إذ الموطوءة بنكاح فاسد من الوطء بشبهة ( قوله : مطلقا ) أي سواء أمكن نسبته إليه من حيث السن أو لا كان المستلحق الواطئ أم لا ( قوله : رقيقا ) أي صغيرا أخذا من قوله فلو صدقه إلخ [ ص: 109 ] قوله : محافظة على حق ولاء السيد ) أي الثابت حالا في العتيق وبتقدير الإعتاق في القن ( قوله : فلو صدقه البالغ العاقل ) أي من كل من الرقيق والعتيق أخذا من قوله ويبقى العبد إلخ ( قوله : ويبقى العبد على رقه ) أي ومن له الولاء على استحقاقه كما في حج ( قوله : وهو أعرف به من غيره ) أي لأن العادة جارية بأن الشخص يبحث عن نسبه فلذلك كان أدرى به من غيره ( قوله : قبل تمكنه من التصديق ) قال سم على حج : ينبغي أو بعده ا هـ .

                                                                                                                            أقول : ويصور ذلك بما إذا استمر المستلحق على دعوى النسب منه ، وينزل ذلك على ما إذا استلحقه وهو ميت ( قوله : لم يثبت نسبه منه إلا ببينة ) فهم منه أنه لا يعرض على القائف في هذه ، ويمكن أن يفرق بين هذه وبين ما لو استلحقه اثنان فسكت الآتي بأن عرضه على القائف ثم لقطع المنازعة بين المستلحقين وهنا المنازعة بين المستلحق والمجهول ، وألحق في النسب له فلم ينظر للقائف ، ثم رأيت في سم على حج ما يصرح به حيث قال : ولعل الفرق أن القائف إنما يعتبر عند المزاحمة ونحوها ، ولو أقاما بينتين قدمت بينة الأب لأنها مثبتة وتلك نافية .

                                                                                                                            [ فرع ] الذمي إذا نفى ولده ثم أسلم لا يحكم بإسلام المنفي لأنا حكمنا بأن لا نسب بينهما فلا يتبعه في الإسلام ، ولو مات المولود وصرفنا ميراثه إلى أقاربه الكفار ثم استلحقه النافي حكم بالنسب ويتبين أنه صار مسلما بإسلامه تبعا ويسترد ميراثه من ورثته الكفار ويصرف إليه ا هـ دم وخطيب .

                                                                                                                            وعليه فهل ينقل إلى مقابر المسلمين ما لم يتهر أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب أنه إن لم يكن غسل وجب نبشه لغسله والصلاة عليه ; لأن من مات من المسلمين ودفن بلا غسل وجب نبشه لغسله والصلاة عليه ، وإن كان غسل احتمل نبشه ليدفن في مقابر المسلمين وعدمه ، ويصلى عليه في القبر وهو الأقرب حفظا له عن انتهاك حرمته بالنبش ( قوله : أو مجنونا ) أي لم يسبق له عقل بعد بلوغه أخذا من قوله الآتي : والوجهان جاريان إلخ . وبقي ما لو استلحق مغمى عليه هل يصح استلحاقه أو تنتظر إفاقته ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني بدليل أنه لا يولى عليه زمن إغمائه ، نعم إن أيس من إفاقته كان حكمه حكم المجنون . ( قوله : وشمل كلام المصنف ) أي من قوله إن كان أهلا للتصديق ( قوله : ثم أفاق ) أي الأب ، وقوله وكذبه [ ص: 110 ] أي الابن ( قوله : فلا اعتبار بتكذيبه ) وقال حج : لا يصح استلحاقه في زمن جنونه حتى يفيق ويصدق .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 107 ] فصل ) في الإقرار بالنسب ( قوله : أو نفيه ) في هذا العطف مساهلة لا تخفى ( قوله : من أنه كفر ) يعني نفيه ، وعبارة التحفة : ومع الكذب في ثبوته حرام كالكذب في نفيه بل صح في الحديث أنه كفر إلخ ، فالضمير في قوله أنه راجع للنفي فقط وجعله مقيسا عليه للنص عليه في الخبر ( قوله : لا للعتق ) يخالفه ما سيأتي له في باب العتق من أن شرط العتق أيضا إمكان كونه منه ، وصرح به هنا في شرح الروض وغيره ، ويوافقه قول الشارح وأمكن ذلك إن جعلناه راجعا لكل من [ ص: 108 ] قوله عتق عليه ولحقه كما هو المتبادر . ( قوله : وما زاده بعضهم ) يعني في تصوير الإمكان ، وعبارة الروض وشرحه : وأمكن اجتماعهما بأن احتمل أنه خرج إليها أو أنها قدمت إليه قبل ذلك أو أنه أنفذ إليها ماءه فاستدخلته ( قوله : أي من بلاد الكفر ) هو تفسير للمراد من الكافرة في كلامهم ، ومن ثم اقتصر في المحترز على مفهومه وليس تقييدا للكافرة . ( قوله : معروف النسب ) أي مشهوره كما عبر به غيره . ( قوله : وأن هذا الولد ) أي : المولود على فراش نكاح صحيح ( قوله : سمعت دعواه ) ظاهره أنه لا يصح استلحاقه قبل نفي صاحب الفراش وأنه لا بد من بينة فليراجع [ ص: 109 ] قوله : محافظة على حق ولاء السيد ) قضيته أنه لو صح استلحاقه بطل ولاء السيد ، وسيأتي أنه لا منافاة بين الرق والنسب ، وظاهر أن الولاء فرع الرق فليتأمل




                                                                                                                            الخدمات العلمية