الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( والامتناع ) للتسليم ( الشرعي ) لتسليم المنفعة ( كالحسي ) في حكمه ( فلا يصح ) ( استئجار لقلع ) أو قطع ما منع الشرع قطعه أو قلعه من نحو ( سن صحيحة ) وعضو سليم وإن لم يكن من [ ص: 273 ] آدمي للعجز عنه شرعا . أما ما يجوز شرعا كسن وجعة فيصح الاستئجار لقلعها إن صعب الألم وقال أهل الخبرة : إن قلعها يزيل الألم ، ولو استحق قلعها في قصاص أو في نظير ما يأتي في السلعة فكذلك لأن الاستئجار في القصاص واستيفاء الحدود جائز ، وفي البيان أن الأجرة على المقتص منه إذا لم ينصب الإمام جلادا يقيم الحدود ويرزقه من مال المصالح ، ولو كان السن صحيحا ولكن انصب تحته مادة من نزلة ونحوها وقال أهل الخبرة لا تزول المادة إلا بقلعها ، فالأشبه كما قاله الأذرعي جواز القلع للضرورة ، واستشكاله صحتها لنحو الفصد دون كلمة البياع رد بأنه في معنى إصلاح اعوجاج السيف بنحو ضربة لا تتعب بل يمنع دعوى نفي التعب لأن تمييز العرق وإحسان ضربه لا يخلو عن تعب .

                                                                                                                            ولو استأجره لقلع وجعة فبرئت لم تنفسخ بناء على جواز إبدال المستوفى به ، والقول بانفساخها مبني على مقابله ، فإن منعه من قلعها ولم تبرأ لم يجبر عليه ويستحق الأجرة بتسليم نفسه ومضي مدة إمكان العمل لكنها غير مستقرة حتى لو سقطت رد الأجرة كمن مكنت الزوج فلم يطأها ثم فارق ، ويفارق ذلك ما لو حبس الدابة مدة إمكان السير حيث تستقر الأجرة عليه لتلف المنافع تحت يده ، وما تقرر هنا لا ينافي ما نقل عن الإمام من استقرارها ، إذ هو مفروض فيما إذا تبين عدم تدارك الفعل المستأجر عليه وما مر في إمكانه ( ولا ) استئجار ( حائض ) أو نفساء مسلمة ( لخدمة مسجد ) أو تعليم قرآن إجارة عين ولو مع أمن التلويث لاقتضاء الخدمة المكث وهي ممنوعة ، بخلاف الذمية على ما مر كما قاله الأذرعي وبطرو نحو الحيض ينفسخ العقد كما يأتي ، [ ص: 274 ] فلو دخلت ومكثت عصت ولم تستحق أجرة ، وفي معنى الحائض المستحاضة ومن به سلس بول أو جراحة نضاخة يخشى منها التلويث ، أما إجارة الذمة فتصح ، ولا يصح الاستئجار لتعليم التوراة والإنجيل والسحر والفحش والنجوم والرمل ، ولا لختان صغير لا يحتمل ، ولا كبير في شدة برد أو حر ، ولا لزمر ونياحة وحمل مسكر غير محترم إلا للإراقة ، ولا لتصوير حيوان وسائر المحرمات ، ولا يحل أخذ عوض على شيء من ذلك كبيع ميتة ، وكما يحرم أخذ عوض على ذلك يحرم إعطاؤه إلا لضرورة كفك أسير وإعطاء شاعر دفعا لهجوه وظالم دفعا لظلمه .

                                                                                                                            ( وكذا ) حرة ( منكوحة لرضاع أو غيره ) مما لا يؤدي إلى خلوة محرمة فلا يجوز استئجارها إجارة عين ( بغير إذن الزوج على الأصح ) ما لم يكن هو المستأجر لاستغراق أوقاتها بحقه . والثاني يجوز لأن محله غير محل النكاح ، إذ لا حق له في لبنها وخدمتها لكن له فسخها حفظا لحقه ، ويؤخذ من تعليل الأول ما بحثه الأذرعي أنه لو كان غائبا أو طفلا فأجرت نفسها لعمل ينقضي قبل قدومه أو تأهله للتمتع جاز . واعتراض الغزي له بأن منافعها مستحقة له بعقد النكاح ممنوع بأنه لا يستحقها بل يستحق أن ينتفع وهو متعذر منه ، وخرج بالحرة الأمة فلسيدها إيجارها بغير إذنه في وقت لا يلزم تسليمها له . أما مع إذنه فتصح مطلقا . نعم المكاتبة كالحرة كما قال الأذرعي لانتفاء سلطنة [ ص: 275 ] السيد عليها ، والعتيقة الموصى بمنافعها أبدا لا يعتبر إذن الزوج في إيجارها كما قاله الزركشي وبغير المستأجر المنكوحة له فيجوز له استئجارها ولو لولده منها ، ومحل ما تقرر فيمن تملك منافعها ، فلو كانت مستأجرة العين لم تصح إجارتها نفسها قطعا ، وقد عمت البلوى باستئجار العكامين للحج .

                                                                                                                            وأفتى السبكي بمنعه لوقوع الإجارة على أعينهم للعكم فكيف يستأجرون بعد ذلك ، ورد بأنه لا مزاحمة بين أعمال الحج والعكم إذ يمكنه فعلها في غير أوقاته لأنه لا يستغرق الأزمنة ، وليس لمستأجر المنكوحة ولو للإرضاع منع زوجها من وطئها خوف الحبل وانقطاع اللبن كما في الروضة ، والفرق بينه وبين منع الراهن من وطء المرهونة أنه هو الذي حجر على نفسه بتعاطيه عقد الرهن بخلاف الزوج ، وإذنه هنا ليس كتعاطي العقد كما لا يخفى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : كالحسي ) أي الذي تقدم أنه مانع من الصحة في قوله وكون المؤجر قادرا إلخ ، وهذا بناء منه على أن المراد بالقدرة فيما مر الحسية ولو حملها على الأعم لاستغنى بما مر عن ذكر هذه ( قوله : من نحو سن صحيحة ) ولو استأجر من يفعل ذلك وفعل لم يستحق أجرة لعدم الإذن فيما فعله شرعا كما لو استأجر لصدع إناء ذهب فإنه لا أجرة له . نعم لو جهل الأجير أنها صحيحة فينبغي استحقاق الأجرة كما لو استأجر الغاصب من يذبح الشاة المغصوبة فذبحها جاهلا فإنه يستحق أجرة المثل كما تقدم ، وعلى هذا لو اختلفا فقال المؤجر ظننتها وجعة وقال المستأجر بل علمتها صحيحة فالأقرب تصديق المؤجر لأنه الظاهر من حاله ، إذ الغالب أن الإجارة لا تقع إلا على [ ص: 273 ] ذلك ( قوله : إن صعب ) أي قوي ( قوله : فكذلك ) أي ولو صحيحة ( قوله : للضرورة ) أي فتصح الإجارة ا هـ حج ( قوله : لم تنفسخ ) أي خلافا لحج ( قوله : بناء على جواز إبدال المستوفى به ) أي ولو من غير جنسه حيث ساوى ما يعوض عنه نفسا واحدة أو زاد حيث رضي الأجير أو نقص حيث رضي المستأجر ( قوله يجبر عليه ) أي القلع ( قوله : لو سقطت ) أي قبل تسليم المؤجر نفسه ( قوله : رد الأجرة ) قد يقال : يشكل رد الأجرة هنا بما يأتي من أنه لو عرض الدابة المستأجرة على المستأجر أو عرض المفتاح فامتنع المستأجر من تسليم ما ذكر حتى مضت مدة يمكن فيها استيفاء المنفعة فالأقرب الأجرة ، على أن قياس ما مر له ، ويأتي من جواز إبدال المستوفى به عدم الرد وأنه يستعمل المؤجر فيما يقوم مقام قلع السن المذكورة فليحرر ( قوله : لتلف ) أي وذلك لتلف إلخ

                                                                                                                            ( قوله : فيما إذا تبين عدم تدارك ) أي عدم مباشرة الفعل المستأجر عليه بلا مانع منه ، وفي نسخة إذا لم يطرأ ثم ما تبين به عدم إمكان الفعل المستأجر عليه إلخ وهي أقعد ( قوله : بخلاف الذمية ) محترز مسلمة : أي فإنه يجوز استئجارها . ووجه بأنها لا تمنع من المسجد بناء على الأصح من عدم منع الكافر الجنب من المكث في المسجد ولو قيل بعدم صحة الإجارة ، وإن قلنا بعدم المنع لم يبعد لأن في صحة الإجارة تسليطا لها على دخول المسجد ومطالبتها منا بالخدمة . وفرق بين هذا وبين مجرد عدم المنع . ويؤيد ذلك ما صرحوا به من حرمة بيع الطعام للكافر في نهار رمضان مع أنا لا نتعرض له إذا وجدناه يأكل أو يشرب ( قوله : على ما مر ) انظر في أي محل مر ( قوله : وبطرو نحو الحيض ينفسخ العقد ) هذا قد يشكل على جواز إبدال المستوفى به ، إذ قياسه عدم الانفساخ وإبدال خدمة المسجد بخدمة بيت مثله ، إذ [ ص: 274 ] المسجد نظير الصبي المعين للإرضاع ، والثوب المعين للخياطة ، والخدمة نظير الإرضاع والخياطة ا هـ سم على حج ( قوله : ولم تستحق أجرة ) ظاهره وإن أتت بما استؤجرت له ، وهو ظاهر لما قرره من انفساخ الإجارة بطرو الحيض فإن ما أتت به بعد الانفساخ كالعمل بلا استئجار ( قوله : أما إجارة الذمة فتصح ) لو أتت بالعمل بنفسها في هذه بأن كنست المسجد بنفسها في حالة الحيض فينبغي أن تستحق الأجرة وإن أثمت بالمكث فيه لحصول المقصد مع ذلك ، وبذلك يفارق ما لو استأجره لقراءة القرآن عند قبر مثلا فقرأه جنبا فإن الظاهر عدم استحقاقه الأجرة وذلك لعدم حصول المقصد ، لأنه لما أتى بالقرآن على وجه محرم بأن قصد القراءة أو على غير وجه محرم يصرفه عن حكم القرآن كأن أطلق انتفى المقصود أو نقص وهو الثواب أو نزول الرحمة عنده م ر .

                                                                                                                            [ فرع ] سامع قراءة الجنب حيث حرمت هل يثاب ؟ لا يبعد الثواب لأنه استماع للقرآن ولا ينافي ذلك الحرمة على القارئ م ر ا هـ سم على حج ( قوله : ولا يصح الاستئجار لتعليم التوراة إلخ ) أي لجميع ذلك . أما لو استأجره البعض ، فإن كان معينا وعلم عدم تبديله صح وإلا فلا ا هـ . وفي سم على منهج : فرع : لا يصح استئجار ذمي مسلما لبناء كنيسة لحرمة بنائها وإن أقر عليه ، وما في الزركشي مما يخالف ذلك ممنوع أو محمول على كنيسة لنزول المارة ا هـ ( قوله : بغير إذن الزوج ) .

                                                                                                                            [ فرع ] ذكر بعضهم أنه يجوز للزوجة استئجار زوجها ، ولها منعه من الاستمتاع لكن تسقط نفقتها وهو واضح وافق عليه م ر ، ولعل المراد أن لها منعه وقت العمل لا مطلقا ا هـ سم على منهج .

                                                                                                                            أقول : وفي دعوى السقوط والحالة ما ذكر نظر لأنها تمنعه حقا وجب له عليها بل هو بإجارة نفسه فوت التمتع على نفسه فكان المانع منه لا منها ( قوله : لعمل ) أي يعمله في بيتها ( قوله : جاز ) فلو حضر قبل فراغ المدة فينبغي الانفساخ في الباقي ا هـ سم على حج ( قوله : واعتراض الغزي له ) أي لما بحثه الأذرعي ( قوله : أما مع إذنه ) أي الزوج ولو اختلفا في الإذن وعدمه [ ص: 275 ] صدق الزوج لأن الأصل عدم الإذن ( قوله : لا يعتبر إذن الزوج ) أي بل يؤجرها مالك المنفعة بلا إذن ( قوله : وبغير المستأجر ) أي المفهوم من قوله ما لم يكن هو المستأجر إلخ ( قوله : ومحل ما تقرر ) أي من الوجهين ( قوله : باستئجار العكامين للحج ) أي عن المعضوب ليحجوا عنه ( قوله : ورد ) معتمد ( قوله في غير أوقاته ) أي العلم ( قوله : خوف الحبل ) أي أما الوطء المضر بالطفل حالا فيمتنع كما يأتي له بعد قول المصنف وتصح لحضانة وإرضاع ( قوله : والفرق بينه إلخ ) وهذا الفرق يدل على أن السيد لو أجر أمته الخلية امتنع عليه وطؤها لأنه حجر على نفسه بتعاطيه عقد الإجارة وهو محل نظر ، والفرق بينه وبين الراهن لائح ا هـ سم على حج . أقول : ولعله أن المستأجر هنا لا يضيع حقه بنقصان المنفعة عليه لأنه يثبت له الخيار بتعيب العين المؤجرة فانفسخ رجع بما سلمه من الأجرة أو سقطت عنه إن لم يكن دفعها ، بخلاف الراهن فإنه بتقدير تلف العين المرهونة يفوت التوثق المقصود من الرهن بلا بدل ( قوله كما لا يخفى ) أي لأن الإذن لا يستلزم العقد الموجب لاستحقاق المنفعة ، بخلاف نفس الرهن مع الإقباض فإنه مستلزم للحجر عليه في المرهون لحق المرتهن .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 273 ] ( قوله : فإن منعه من قلعها إلخ ) هذا التفريع وما بعده إلى آخر السوادة مبني على المقابل فإنه كذلك برمته في الروض وشرحه بناء على اختيار المقابل .

                                                                                                                            فالحاصل أن المعتمد عدم الانفساخ واستقرار الأجرة ، وفي حاشية التحفة للشهاب سم التصريج بذلك ، وبه يندفع ما في حاشية الشيخ في عدة قولات بناء على أنه تفريع على الأصح من عدم الانفساخ الذي هو الظاهر من سياق الشارح فتنبه . ( قوله : على ما مر ) أي في باب الحدث [ ص: 274 ] قوله : كفك أسير إلخ ) أي : نظير المذكورات في حل الدفع دون الأخذ عند الضرورة فالمراد منه مجرد التنظير للإيضاح وإلا ففك الأسير وما بعده ليس مما نحن فيه كما لا يخفى ( قوله : ما لم يكن هو المستأجر ) فيه أن هذا يغني عنه قول المتن بغير إذن الزوج إذ استئجاره إذن وزيادة .

                                                                                                                            [ ص: 275 ] قوله : لا يعتبر إذن الزوج في إيجارها ) ظاهره ولو في أوقات التمتع ، والظاهر أنه غير مراد إذ لا تتقاعد عن الأمة . ( قوله : ومحل ما تقرر فيمن يملك منافعها إلخ ) هذا لا يختص بالمنكوحة كما لا يخفى . ( قوله : للحج ) متعلق باستئجار




                                                                                                                            الخدمات العلمية