الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وله ) ( مهر الجارية ) الموقوفة عليه بكرا أو ثيبا ( إذا وطئت ) من غير الموقوف عليه ( بشبهة ) منها كأن كانت مكرهة أو مطاوعة لا يعتد بفعلها لصغر أو اعتقاد حل وعذرت ( أو نكاح ) لأنه من جملة الفوائد ، هذا ( إن صححناه ) أي نكاحها ( وهو الأصح ) لأنه عقد على منفعة فلم يمنعه الوقف كالإجارة ، وكذا إن لم نصححه لأنه وطء شبهة هنا أيضا ، والمزوج لها الحاكم بإذن الموقوف عليه ومن ثم لو وقفت عليه زوجته انفسخ نكاحه وخرج بالمهر أرش البكارة فهو كأرش طرفها ، ولا يحل للواقف ولا للموقوف عليه وطؤها ، ويحد الأول به كما حكى عن الأصحاب ، وكذا الثاني كما رجحاه هنا [ ص: 392 ] وهو المعتمد ، وسيأتي في الوصية الفرق بينه وبين الموصى له ، ومن خرج وجوب الحد على أقوال الملك فقد شذ .

                                                                                                                            أما المطاوعة إذا زنى بها وهي مميزة فلا مهر لها ( والمذهب أنه ) أي الموقوف عليه ( لا يملك قيمة العبد ) مثلا الموقوف ( إذا أتلف ) من واقف أو أجنبي وكذا موقوف عليه تعدى كأن استعمله في غير ما وقف له أو تلف تحت يد ضامنة له ، أما إذا لم يتعد بإتلاف الموقوف عليه فلا يكون ضامنا كما لو وقع منه كوز سبيل على حوض فانكسر من غير قصير ( بل يشتري بها عبد ليكون وقفا مكانه ) مراعاة لغرض الواقف وبقية البطون والمشتري لذلك هو الحاكم وإن كان للوقف ناظر خاص خلافا للزركشي بناء على أن الموقوف ملك لله تعالى ، أما ما اشتراه الناظر من ماله أو من ريع الوقف أو يعمره منهما أو من أحدهما لجهة الوقف فالمنشئ لوقفه هو الناظر كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، والفرق بينه وبين بدل الموقوف واضح ، وما ذكره في شرح المنهج إنما هو في بدل الموقوف وهو المعتمد فيه لا ما ذكره صاحب الأنوار ، وأما ما يبنيه من ماله أو من ريع الوقف في الجدران الموقوفة فإنه [ ص: 393 ] يصير وقفا بالبناء لجهة الوقف ، والفرق بينه وبين بدل الرقيق الموقوف أن الرقيق قد فات بالكلية والأرض الموقوفة باقية ، والطوب والحجر المبني بهما كالوصف التابع لها ، ولا بد من إنشاء وقفه من جهة مشتريه فيتعين أحد ألفاظ الوقف المارة ، وقول القاضي أقمته مقامه محل نظر ، وفارق هذا صيرورة القيمة رهنا في ذمة الجاني كما مر بأنه يصح رهنها دون وقفها ، وعدم اشتراط جعل بدل الأضحية أضحية إذا اشترى بعين القيمة أو في الذمة ونوى بأن القيمة هناك ملك الفقراء والمشتري نائب عنهم فوقع الشراء لهم بالغين أو مع النية ، وأما القيمة هنا فليست ملك أحد فاحتيج لإنشاء وقف ما يشتري بها حتى ينتقل إلى الله تعالى ، وأفهم قوله عبد عدم جواز شراء أمة بقيمة عبد وعكسه ، بل لا يجوز شراء صغير بقيمة كبير وعكسه بأن الغرض يختلف بذلك ، وما فضل من القيمة يشترى به شقص ، بخلاف نظيره الآتي في الوصية لتعذر الرقبة المصرح بها فيها ، فإن لم يمكن شراء شقص بالفاضل صرف للموقوف عليه فيما يظهر كما مر نظيره ، بل لنا وجه بصرف جميع ما أوجبته الجناية إليه ، ولو أوجبت قودا استوفاه الحاكم كما قالاه وإن نوزعا فيه ( فإن تعذر ) شراء عبد بها ( فبعض عبد ) يشترى بها لكونه أقرب إلى مقصوده كنظيره من الأضحية على الراجح الآتي في بابها ، ووجه الخلاف فيها أن الشقص من حيث هو يقبل الوقف بخلاف الأضحية ، ولو جنى الموقوف جناية أوجبت قصاصا اقتص منه وفات الوقف أو مالا أو قصاصا وعفا على المال فداه الواقف بأقل الأمرين ، وله إن تكررت الجناية منه حكم أم الولد في عدم تكرر الفداء وسائر [ ص: 394 ] أحكامها ، فإن مات الواقف ثم جنى فمن بيت المال كالحر المعسر كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى لا من كسب الرقيق ولا من تركة الواقف ولو مات الجاني بعد الجناية لم يسقط الفداء .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : من غير الموقوف عليه ) كأنه احترز به عن الموقوف عليه فلا يجب بوطئه مهر إذ لو وجب وجب له والإنسان لا يجب له على نفسه شيء فليراجع ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            ( قوله : لو وقفت عليه زوجته ) ومثله عكسه ( قوله : انفسخ نكاحه ) قال في شرح الروض إن قبل على القول باشتراط القبول وإلا فلا حاجة إليه ، وعليه لو رد بعد ذلك اتجه الحكم ببطلان الفسخ ويحتمل خلافه ذكره الإسنوي ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            ( قوله : فهو كأرش طرفها ) أي فيفعل فيه ما يفعل في بدل العبد إذا تلف [ ص: 392 ] قوله : وسيأتي في الوصية ) أي وهو أن ملك الموصى له أتم من ملك الموقوف عليه بدليل أن له الإجارة والإعارة من غير إذن مالك الرقبة وتورث عنه المنافع ، بخلاف الموقوف عليه لا بد من إذن الناظر ولا تورث عنه المنافع رملي . انتهى شيخنا الزيادي .

                                                                                                                            ( قوله : بينه وبين الموصى له ) أي بالمنافع لأنه الذي يحتاج للفرق بينه وبين الموقوفة فإن الموصي بعينها يملكها ملكا تاما بحيث يتصرف فيها بالبيع وغيره ( قوله : فقد شذ ) لعل وجهه أنه وإن قيل بملكها له ليس ملكا حقيقيا يبيح الوطء ولذا لا يجوز له التصرف فيها بما يخالف مقتضى الوقف ( قوله والمشتري لذلك هو الحاكم ) معتمد ، وقوله ملك لله تعالى : أي وهو الراجح ( قوله : أو من ريع الوقف ) ومنه الحصر إذا اشتراها الناظر من ريع الوقف ومن ماله ( قوله : أو يعمره منهما إلخ ) أي مستقلا كبناء بيت للمسجد لما يأتي من أن ما يبنيه في الجدران مما ذكر يصير وقفا بنفس البناء .

                                                                                                                            ( قوله : فالمنشئ لوقفه ) أي ولا يصير وقفا بنفس الشراء أو العمارة ، فإن عمر من ماله ولم ينشئ ذلك فهو باق على ملكه ويصدق في عدم الإنشاء ، أو اشتراه من ريعه فهو ملك للمسجد مثلا يبيعه إذا اقتضته المصلحة .

                                                                                                                            وبقي ما لو دخل في جهته شيء من مال الوقف وأراد العمارة به هل له ذلك ويسقط عن ذمته أو لا بد من إذن الحاكم حتى لو فعل ذلك من غير إذنه كان متبرعا به ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني ، ومحله ما لم يخف من الرفع إليه غرامة شيء ، فإن خاف ذلك جاز له الصرف بشرط الإشهاد ، فإن لم يشهد لم يبرأ لأن فقد الشهود نادر .

                                                                                                                            ( قوله : والفرق بينه وبين بدل الرقيق ) أي حيث لم يصر موقوفا بلا إنشاء وقف [ ص: 393 ] قوله والأرض الموقوفة باقية ) قضية هذا التوجيه أن الحكم لا يختص بالجدران بل كما يشملها يشمل ما لو بنى بيتا في أرض موقوفة من ريع الوقف أو من ماله وعليه فما ذكرناه من أنه لو بنى بيتا احتيج في كونه موقوفا إلى إنشاء وقفه يصور بما إذا بناه من ريع الوقف في أرض غير موقوفة كمملوكة أو مستأجرة ، هذا والظاهر أن ما اقتضاه التعليل غير مراد ، وأن الحكم المذكور مختص بالجدران أو ما في معناها ، كإعادة بيت انهدم من بيوت الوقف فأعاده بآلة من ريع الوقف فليراجع .

                                                                                                                            ( قوله : ولا بد من إنشاء وقفه ) أي العبد المشترى فهي متصلة بقوله والمشتري لذلك هو الحاكم وإن كان إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : بقيمة كبير ) أي حيث أمكن ، وعبارة سم على حج : لو لم يمكن أن يشتري بقيمة العبد إلا أمة أو بالعكس أو بقيمة الكبير إلا صغيرا أو العكس فيحتمل الجواز .

                                                                                                                            وبقي ما لو أمكن شراء شقص وشراء صغير هل يقدم الأول أو الثاني ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول لأنه ينتفع به حالا ولو قيل بالثاني لم يكن بعيدا لأنه أقرب إلى غرض الواقف من وقف رقبة كاملة ( قوله : استوفاه الحاكم ) كما قالاه ، وينبغي جواز العفو عن القود بمال إن رآه مصلحة ويشتري به بدله وينشئ وقفه نظير ما تقدم في بدل المجني عليه ( قوله اقتص منه ) أي اقتص منه مستحق بدل الجناية وقوله فداه أي وجوبا ( قوله : بأقل الأمرين ) وقول حج : ولو جنى الموقوف جناية أوجبت مالا فهي في بيت المال مفروض فيما تعذر فداؤه من جهة الواقف لموته أو فقره على ما يفيده قول الشارح فإن مات الواقف إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : في عدم تكرر الفداء ) أي ومشاركة المجني عليه الثاني ومن بعده للأول في القيمة إن [ ص: 394 ] لم تف بأروش الجنايات .

                                                                                                                            ( قوله : ولو مات الجاني ) أي العبد الموقوف الجاني إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : لم يسقط الفداء ) أي عن السيد ولا عن بيت المال .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : ومن ثم لو وقفت عليه زوجته إلخ ) هذا إنما رتبه الشهاب حج على كونها لا تزوج منه ولا من الواقف وهو الذي يظهر ترتيبه عليه ، وعبارته عقب قوله الموقوف عليه نصها لا منه ولا من الواقف ومن ثم إلخ [ ص: 392 ] ولعل الكتبة أسقطته من نسخ الشارح ( قوله : وهي مميزة ) لعله وهي بالغة ليوافق قوله المار أو مطاوعة لا يعتد بفعلها لصغر ( قوله : وكذا موقوف عليه تعدى ) قضية هذا الصنيع أن الواقف والأجنبي ضامنان مطلقا ، وظاهر أنه لا ضمان عليهما إذا أتلفاه بغير تعد كأن استعملاه فيما وقف له بإجارة مثلا ; فلو أسقط لفظ كذا لرجع القيد للجميع فليتأمل . ( قوله : أما ما اشتراه الناظر إلى قوله فالمنشئ لوقفه هو الناظر ) محله إنما هو بعد قوله الآتي ولا بد من إنشاء وقفه من جهة مشتريه ، وكذا قوله : وأما ما ينشئه من ماله إلخ ; لأن الكلام هنا في شراء البدل لا في وقفه . ( قوله : أو يعمره منهما أو من أحدهما ) أي في غير جدران الوقف لما سيأتي فيها ، والظاهر أن الصورة هنا أن الوقف على نحو مسجد فليتأمل . ( قوله : والفرق بينهما وبين بدل الموقوف واضح إلى قوله ولا بد من إنشاء وقفه إلخ ) من فتاوى والده أيضا ( قوله : في الجدران الموقوفة ) خرج به ما ينشئه من البناء في الأرض الموقوفة فلا يصير وقفا بنفس البناء كما شمله كلامه المتقدم وإن اقتضى التوجيه الآتي صيرورته كذلك ; إذ قد يجاب عن هذا الاقتضاء [ ص: 393 ] بأن هذا توجيه لما نصوا عليه من وقفية ما بنى في الجدران ، ولا يلزم أن كل ما وجد فيه معنى التوجيه يثبت له هذا الحكم ، ولا يلزم من تبعية الأرض لهذا الشيء اليسير استتباعها لأمر خطير إذ اليسير عهد فيه التبعية كثيرا فتأمل ( قوله : ولا بد من إنشاء وقفه من جهة مشتريه ) أي : الحاكم وهو تابع في هذا التعبير للشهاب حج ، لكن ذاك إنما عبر به ; لأنه قدم خلافا هل المشتري الحاكم أو الناظر ؟ فعبر هنا بما ذكر لينزل على القولين واعلم أن هذا من متعلقات مسألة المتن وكان الأولى تقديمه عقبه كما أشرت إليه . ( قوله : وقول القاضي أقمته مقامه محل نظر ) عبارة التحفة : وقال القاضي : أو يقول أقمته مقامه ونظر غيره فيه انتهت . ( قوله : فليست ملك أحد ) أي : من جهة [ ص: 394 ] الوقفية ، وقوله : حتى تنتقل إلى الله تعالى : أي : بجهة الوقفية وإلا فكل شيء ملك له تعالى على الإطلاق




                                                                                                                            الخدمات العلمية