الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وللأب الرجوع في هبة ولده ) عينا بالمعنى الأعم الشامل للهدية والصدقة على الراجح ، بل يوجد التصريح بذلك في بعض النسخ ، ولا يتعين الفور بل له ذلك متى شاء وإن لم يحكم به حاكم أو كان الولد فقيرا صغيرا مخالفا دينا لخبر { لا يحل لرجل أن يعطي عطية ، أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده } واختص بذلك لانتفاء التهمة فيه ، إذ ما طبع عليه من إيثاره لولده على نفسه يقضي بأنه إنما رجع لحاجة أو مصلحة ، ويكره الرجوع من غير عذر ، فإن وجد ككون الولد عاقا ، أو يصرفه في معصية أنذره به ، فإن أصر لم يكره كما قالاه ، وبحث الإسنوي ندبه في العاصي ، وكراهته في العاق إن زاد عقوقه ، وندبه إن أزاله ، وإباحته إن لم يفد شيئا .

                                                                                                                            والأذرعي عدم كراهته إن احتاج الأب لنفقة أو دين ، بل ندبه حيث كان الولد غير محتاج له ، ووجوبه في العاصي إن غلب على الظن تعينه طريقا إلى كفه عن المعصية . [ ص: 417 ] ويمتنع الرجوع كما بحثه البلقيني في صدقة واجبة كنذر وزكاة وكفارة ، وكذا في لحم الأضحية تطوع ، لأنه إنما يرجع ليستقل بالتصرف وهو ممتنع هنا ، وقد جرى على ذلك جمع ممن سبقه وتأخر عنه ، وردوا على من أفتى بجواز الرجوع في النذر بما في الروضة وغيرها ، ولا حاجة إلى زيادة قول من قيد ذلك بما إذا وجدت صيغة نذر صحيحة ، إذ النذر عند الإطلاق منصرف لذلك ، ولا نظر لكونه تمليكا محضا لأن الشرع أوجب الوفاء به على العموم من غير مخصص ، وقياس الواجب على التبرع غير سديد ، ولا رجوع في هبة بثواب بخلافها من غير ثواب وإن أثابه عليها كما قاله القاضي ، وله الرجوع في بعض الموهوب ولا يسقط بالإسقاط ، وله الرجوع فيما أقر بأنه لفرعه كما أفتى به المصنف وهو المعتمد ، ومحله كما أفاده الجلال البلقيني عن أبيه فيما إذا فسره بالهبة ، ولو وهبه وأقبضه ومات فادعى الوارث صدوره في المرض والمتهب كونه في الصحة صدق الثاني بيمينه ، ولو أقاما بينتين قدمت بينة الوارث لأن معها زيادة علم ، ثم محل ما تقرر إذا كان الولد حرا ، فإن كان رقيقا فالهبة لسيده كما علم مما مر ولو أبرأه من دين كان له عليه امتنع الرجوع جزما سواء أقلنا إنه تمليك أم إسقاط ، إذ لا بقاء للدين فأشبه ما لو وهبه شيئا فتلف ( وكذا لسائر الأصول ) من الجهتين وإن علوا الرجوع كالأب فيما ذكر ( على المشهور ) كما في نفقتهم وعتقهم وسقوط القود عنهم وخرج بهم الفروع والحواشي كما يأتي وأفهم كلامه اختصاص الرجوع بالواهب ، فلا يجوز ذلك لأبيه لو مات ولم يرثه فرعه الموهوب له لمانع قام به وورثه جده ، لأن الحقوق لا تورث وحدها إنما تورث بتبعية المال وهو لا يرثه ، ومقابل المشهور لا رجوع لغير الأب قصرا للولد في الخبر المار على الأب ، والأول عممه ، وعبد الولد غير المكاتب كالولد لأن الهبة لعبده هبة له ، بخلاف عبده المكاتب [ ص: 418 ] لاستقلاله ، فإن انفسخت الكتابة تبينا أن الملك للولد وهبته لمكاتب نفسه كالأجنبي .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : عينا ) أي بخلاف ما لو وهبه دينا عليه فلا رجوع له فيه ، إذ لا يمكن عوده بعد سقوطه ا هـ حج .

                                                                                                                            وسيأتي معنى ذلك في قول الشارح ولو أبرأه من دين كان إلخ ، وأما المنافع فهو فيها كغيره لأنها لا تملك إلا بالقبض ( قوله : وإن لم يحكم به ) أي الرجوع ( قوله دينا ) إنما نص عليه لئلا يتوهم امتناع الرجوع مع اختلاف الدين للعداوة بينهما .

                                                                                                                            ( قوله : ووجوبه في العاصي ) بقي ما لو اختلف العصيان كأن [ ص: 417 ] كان أحدهما مبتدعا والآخر فاسقا يشرب الخمر مثلا وأراد دفعه لأحدهما هل يؤثر به الأول أو الثاني ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول ، لأن المبتدع بنى عقيدته على شبهة فهو معذور ومن ثم تقبل شهادته ، ولا كذلك الفاسق ، وينبغي أنه لو لم يكن لأحدهما شبهة لكن كانت معصية أحدهما أغلظ ككونه فسق بشرب الخمر والزنا واللواط والآخر بشرب الخمر فقط أو يتعاطى العقود الفاسدة أن يقدم الأخف .

                                                                                                                            ( قوله : كنذر وزكاة ) لا يقال : كيف يأخذ الزكاة أو النذر مع أنه إذا كان فقيرا فنفقته واجبة على أبيه فهو غني بماله وإن كان غنيا فليس له أخذ الزكاة من أصلها .

                                                                                                                            لأنا نقول : نختار الأول ولا يلزم من وجوب نفقته على أبيه غناه لجواز أن يكون له عائلة كزوجة ومستولدة يجتاح للنفقة عليهما فيأخذ من الزكاة ما يصرفه في ذلك لأنه إنما يجب على أصله نفقته لا نفقة عياله فيأخذ من صدقة أبيه ما زاد على نفقة نفسه ( قوله ولا يسقط ) أي الرجوع .

                                                                                                                            ( قوله : أم إسقاط ) أي على الراجح ا هـ حج وقوله لأبيه : أي أبي الواهب .

                                                                                                                            ( قوله : بتبعية ) أي كإرث الخيار بإرث المبيع الثابت فيه الخيار والشفعة بإرث الشقص المشترك والمال الذي في جهة الابن لم يرثه الجد وحق الرجوع متعلق بالمال ( قوله : وهو ) أي الجد .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            قوله ( : عينا ) معمول هبة أخرج به الدين كما يأتي [ ص: 417 ] قوله : وردوا ) أي الجميع المذكور ( قوله : ولا نظر لكونه تمليكا محضا ) أي فيكون كالهبة حتى يصح الرجوع عنه ، وقوله : من غير مخصص : أي فلم يخصصه بغير الفرع ( قوله : كما في نفقتهم إلخ ) هذا جامع القياس ( قوله : لمانع قام به ) أي أو لعدم قيام سبب الإرث كولد البنت ، وهو تابع فيما ذكره لشرح الروض ، لكن ذاك إنما اقتصر عليه لأن عبارة المتن الابن ، ومعلوم أن عدم إرث الابن إنما يكون لمانع ، بخلاف مطلق الفرع الذي وقع التعبير به هنا . ( قوله : وهو لا يرثه ) أي المال الموهوب لأن إرثه إياه فرع صحة الرجوع ، هكذا ظهر ، وفي حاشية الشيخ ما يرجع إليه لكن هذا يشبه الدور فليتأمل




                                                                                                                            الخدمات العلمية