الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
كتاب الحجر

فائدتان

إحداهما : " حجر الفلس " عبارة عن منع الحاكم من عليه دين حال يعجز عنه ماله الموجود مدة الحجر من التصرف فيه .

الثانية قوله ( وهو على ضربين : حجر لحق الغير ) وحجر لحظ نفسه . فالحجر لحق الغير : كالحجر على المفلس ، والمريض بما زاد على الثلث ، والعبد والمكاتب ، والمشتري إذا كان الثمن في البلد ، على ما تقدم في كلام المصنف في آخر فصل خيار التولية . والمشتري بعد طلب شفيع . والمرتد يحجر عليه لحق المسلمين ، والراهن والزوجة بما زاد على الثلث في التبرع ، على ما يأتي في الباب . والحجر لحظ نفسه : كالحجر على الصغير والمجنون ، والسفيه فهذه عشرة أسباب للحجر . وقال في الفروع : ولا يحجر حاكم على مقتر على نفسه وعياله واختار الأزجي : بلى . فيكون هذا سببا آخر ، على قوله .

[ ص: 273 ] تنبيه : قوله ( فإن أراد سفرا يحل الدين قبل مدته : فلغريمه منعه إلا أن يوثقه برهن أو كفيل ) . بلا نزاع . لكن من شرط الكفيل : أن يكون مليئا . ذكره الأصحاب . وهو واضح . قوله ( وإن كان لا يحل قبله : ففي منعه روايتان ) وأطلقهما في المغني ، وخصال ابن البنا ، والشرح ، والفائق ، والحاوي ، والزركشي ، وغيرهم .

إحداهما : له منعه . وهو الصحيح من المذهب . قال في الفروع : فله منعه على الأصح . وصححه في التصحيح . وجزم به في البلغة ، والوجيز ، والمنور . واختاره ابن عبدوس في تذكرته ، وقدمه في المحرر . قال في المذهب : منع في ظاهر المذهب . والثانية : ليس له منعه . وهو ظاهر كلام الخرقي ، والعمدة . واختاره القاضي . وقدمه في الخلاصة ، والهداية ، والتلخيص ، والرعايتين ، والنظم ، والحاوي الصغير

تنبيه :

ظاهر كلام المصنف : أن الروايتين في السفر ، سواء كان مخوفا أو غير مخوف . وهو ظاهر كلامه في الهداية ، والكافي ، والمذهب ، والخلاصة ، وغيرهم . ولعله الصواب . ومحلهما عند صاحب الفروع إذا كان السفر مخوفا . كالجهاد ونحوه . وحكى في السفر غير المخوف وجهين . قال في الرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير : فإن أراد سفرا مدة قبل أجل الدين ، جاز كالجهاد . وأدخل صاحب الواضح في السفر المخوف : الحج . ومحلهما عند المصنف في المغني ، وابن البنا ، وصاحب التلخيص ، والبلغة ، [ ص: 274 ] والمحرر ، والنظم ، والشرح ، والحاوي الكبير ، والفائق ، والزركشي : في غير الجهاد . فأما في الجهاد : فيمنع ، حتى يوثقه برهن أو ضمين ، على رواية واحدة . وظاهر كلامه في الرعاية الكبرى : أن محل الخلاف في غير الجهاد . وأن الجهاد لا يمنع منه قولا واحدا ; لأنه قال : ومن عليه دين مؤجل ، فله السفر دون أجله . وعنه لا يسافر غير مجاهد ، حتى يأتي برهن أو ضمين . وتقدم كلامه في الرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير . فإن ظاهره كذلك . فلعلهما أرادا إذا تعين عليه ، وإلا فبعيد . وقد تقدم في أول كتاب الجهاد : أنه لا يجاهد من عليه دين لا وفاء له إلا بإذن غريمه . على الصحيح . وذكرنا هناك الخلاف ، وأن لنا قولا : لا يستأذنه في الجهاد إذا كان الدين مؤجلا ، وقولا : إذا كان المديون جنديا موثوقا به لا يستأذنه . ويستأذنه غيره . ومحلهما عند المصنف أيضا . والشارح ، وجماعة : إذا كان السفر طويلا . لأنهم عللوا رواية عدم المنع . فقالوا : لأن هذا السفر ليس بأمارة على منع الحق في محله . فلم يملك منعه منه . كالسفر القصير . ولعله أولى . فهذه ست طرق في محل الخلاف .

فائدتان .

إحداهما : اختار الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى أن من أراد سفرا ، وهو عاجز عن وفاء دينه : أن لغريمه منعه حتى يقيم كفيلا ببدنه . قال في الفروع : وهو متجه . قلت : من قواعد المذهب : أن العاجز عن وفاء دينه ، إذا كان له حرفة : يلزم بإيجار نفسه لقضاء الدين . فلا يبعد أن يمنع ليعمل . [ ص: 275 ]

الثانية : لو طلب منه دين حال يقدر على وفائه ، فسافر قبل وفائه : لم يجز له أن يترخص ، على الصحيح من المذهب . وقيل : يجوز . وإن لم يطلب منه الدين الحال ، أو يحل في سفره ، فقيل : له القصر والترخص ، لئلا يحبس قبل طلبه كحبس الحاكم . وقيل : لا يجوز له ذلك إلا أن يوكل في قضائه ، لئلا يمنع واجبا . ذكر هذين الوجهين ابن عقيل . وأطلقهما في القاعدة الثالثة والخمسين . وأطلقهما ابن تميم في باب قصر الصلاة ، وكذا ابن حمدان . وقيل : إن سافر وكيل في القضاء : لم يترخص . قلت : يحتمل أن ينبني الخلاف هنا على الخلاف في وجوب الدفع قبل الطلب وعدمه ، على ما تقدم في آخر باب القرض . والمذهب : لا يجب قبل الطلب . فله القصر . وأطلقهن في الفروع .

التالي السابق


الخدمات العلمية