الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإن قال : أذنت لي في البيع نساء ، وفي الشراء بخمسة فأنكره : فعلى وجهين ) . وأطلقهما في المذهب .

أحدهما : القول قول الوكيل . وهو المذهب . نص عليه في المضارب . قال في الرعاية الكبرى : صدق الوكيل في الأشهر إن حلف . وقدمه [ ص: 400 ] في الهداية ، والمستوعب ، والخلاصة ، والهادي ، والحاوي الكبير ، والفروع ، والفائق ، والوجه الثاني : القول قول المالك . اختاره القاضي . وصححه المصنف ، والشارح ، وصاحب التصحيح . وجزم به الوجيز . وقدمه في الكافي . وشرح ابن رزين .

فائدة : وكذا الحكم . لو قال " أذنت لي في البيع بغير نقد البلد " أو اختلفا في صفة الإذن . وكذا حكم المضارب في ذلك كله . نص عليه . واختاره المصنف . فعلى الوجه الثاني : إذا حلف المالك برئ من الشراء . فلو كان المشترى جارية ، فلا يخلو : إما أن يكون الشراء بعين المال ، أو في الذمة . فإن كان بعين المال : فالبيع باطل . وترد الجارية على البائع إن اعترف بذلك . وإن كذبه في الشراء لغيره ، أو بمال غيره بغير إذنه : فالقول قول البائع . فلو ادعى الوكيل علمه بذلك ، حلف : أنه لا يعلم أنه اشتراه بمال موكله ، فإذا حلف مضى البيع ، وعلى الوكيل غرامة الثمن لموكله ، ودفع الثمن إلى البائع . وتبقى الجارية في يده لا تحل له . فإن أراد استحلالها اشتراها ممن هي له في الباطن لتحل له ظاهرا وباطنا . فلو قال " بعتكها إن كانت لي " أو " إن كنت أذنت لك في شرائها بكذا فقد بعتكها " ففي صحته وجهان . وأطلقهما في المغني ، والشرح ، والفروع ، والقواعد .

أحدهما : لا يصح ; لأنه بيع معلق على شرط . اختاره القاضي . وقدمه في الرعاية الكبرى ، والوجه الثاني : يصح ; لأن هذا واقع يعلمان وجوده . فلا يضر جعله شرطا . كما لو قال : بعتك هذه الأمة إن كانت أمة . [ ص: 401 ]

قلت : وهو الصواب . وهو احتمال في الكافي . ومال إليه هو وصاحب القواعد . وكذا كل شرط علما وجوده . فإنه لا يوجب وقوف البيع ، ولا يؤثر فيه شكا أصلا . وقد ذكر ابن عقيل في الفصول : أن أصل هذا قولهم في الصوم : إن كان غدا من رمضان فهو فرضي ، وإلا فنفل . وذكر في التبصرة : أن التصرفات كالبيع نساء . انتهى .

تنبيه :

لو امتنع من بيعها من هي له في الباطن : رفع الأمر إلى الحاكم ، ليرفق به ليبيعه إياها ، ليثبت له الملك ظاهرا وباطنا . فإن امتنع لم يجبر عليه . وله بيعها له ولغيره . قال في المجرد ، والفصول : ولا يستوفيه من تحت يده كسائر الحقوق . قال الأزجي ، وقيل : يبيعه ويأخذ ما غرمه من ثمنه . وقال في الترغيب ، الصحيح : أنه لا يحل . وهل تقر بيده ، أو يأخذها الحاكم كمال ضائع ؟ على وجهين . انتهى .

وإن اشتراها في الذمة ، ثم نقد الثمن : فالبيع صحيح . ويلزم الوكيل في الظاهر . فأما في الباطن : فإن كان كاذبا في دعواه : فالجارية له . وإن كان صادقا : فالجارية لموكله . فإن أراد إحلالها : توصل إلى شرائها منه . كما ذكرنا أولا . وكل موضع كانت للموكل في الباطن ، وامتنع من بيعها للوكيل : فقد حصلت في يد الوكيل ، وهي للموكل . وفي ذمته ثمنها للوكيل . فأقرب الوجوه : أن يأذن الحاكم في بيعها . ويوفيه حقه من ثمنها . فإن كانت للوكيل فقد بيعت بإذنه . وإن كانت للموكل : فقد باعها الحاكم في إيفاء دين امتنع المدين من وفائه . [ ص: 402 ] قال المصنف والشارح ، وقد قيل : غير ذلك . وهذا أقرب إن شاء الله تعالى . وإن اشتراها الوكيل من الحاكم بما له على الموكل : جاز . وقال الأزجي : إن كان الشراء في الذمة ، وادعى أنه يبتاع بمال الوكالة ، فصدقه البائع أو كذبه . فقيل : يبطل . كما لو كان الثمن معينا . وكقوله " قبلت النكاح لفلان الغائب " فينكر الوكالة . وقيل : يصح . فإذا حلف الموكل ما أذن له : لزم الوكيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية