الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1265 1266 1267 1268 1269 1270 1271 ص: ومما يدل أيضا على صحة هذا التأويل: أن محمد بن خزيمة قد حدثنا، قال: ثنا حجاج بن منهال، قال: ثنا حماد ، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله الأنصاري: "أنهم كانوا يصلون المغرب ثم ينتضلون". .

                                                حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا عبيد الله بن موسى وموسى بن إسماعيل، قالا: ثنا حماد، قال: أنا ثابت ، عن أنس قال: "كنا نصلي المغرب مع النبي - عليه السلام - ثم يرمي أحدنا فيرى موقع نبله".

                                                حدثنا محمد بن خزيمة ، قال: ثنا حجاج ، قال: ثنا حماد ... ، فذكر بإسناده مثله.

                                                حدثنا أحمد بن داود ، قال: ثنا سهل بن بكار ، قال: ثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ( ، ( ح)

                                                وحدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو داود ، عن أبي عوانة وهشيم ، عن أبي بشر ، عن علي بن بلال ، قال: " صليت مع نفر من أصحاب النبي - عليه السلام - من الأنصار فحدثوني أنهم كانوا يصلون مع رسول الله - عليه السلام - المغرب، ثم ينطلقون يرتمون لا يخفى عليهم موقع سهامهم، حتى يأتوا ديارهم وهي أقصى المدينة ، في بني سلمة".

                                                [ ص: 63 ] حدثنا أحمد بن مسعود، قال: ثنا محمد بن كثير ، عن الأوزاعي ، عن الزهري ، عن بعض بني سلمة: "أنهم كانوا يصلون مع النبي - عليه السلام - المغرب، ثم ينصرفون إلى أهليهم وهم يبصرون موقع النبل على قدر ثلثي ميل".

                                                حدثنا الربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا ابن أبي ذئب ، عن المقبري ، عن القعقاع بن حكيم ، عن جابر بن عبد الله ، قال: " كنا نصلي مع النبي - عليه السلام -المغرب، ثم نأتي بني سلمة، وإنا لنبصر مواقع النبل".

                                                قالوا: فلما كان هذا وقت انصراف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صلاة المغرب استحال أن يكون ذلك وقد قرأ فيها الأعراف ولا نصفها.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي ومن الذي يدل أيضا على صحة هذا التأويل -وهو الذي ذكره أن المراد من السورة بعض السورة من إطلاق الكل وإرادة الجزء-: حديث جابر وأنس ونفر من أصحاب النبي - عليه السلام - وبعض بني سلمة من الصحابة; لأنه ذكر في أحاديثهم أنهم كانوا يرمون بالسهام بعد انصرافهم من صلاة المغرب مع النبي - عليه السلام - وإن أحدهم يرى مواقع نبله على قدر ثلثي ميل، فإذا كان الأمر كذلك استحال أن يكون ذلك وقد قرأ - عليه السلام - فيها -أي في صلاة المغرب- الأعراف كلها أو نصفها; فدل أن المراد: بعضها كما قلنا.

                                                أما حديث جابر: فأخرجه من طريقين غير متواليين، ولو كانا متواليين لكان أحسن على ما لا يخفى.

                                                الأول: عن ابن خزيمة ، عن حجاج بن منهال ، عن حماد بن سلمة ، عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، عن جابر .

                                                وهذا إسناد صحيح.

                                                وأخرجه السراج في "مسنده": ثنا هناد بن السري، ثنا قبيصة ، عن حماد بن سلمة ، عن أبي الزبير، عن جابر: "أنهم كانوا يصلون المغرب ثم ينتضلون". انتهى.

                                                [ ص: 64 ] أي يرتمون بالسهام، يقال: انتضل القوم وتناضلوا أي رموا للسبق، وناضله إذا راماه، وفلان يناضل عن فلان إذا رامى عنه ودفع عنه.

                                                الثاني: عن الربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي ، عن أسد بن موسى ، عن محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب واسمه هشام بن شعبة أبي الحارث المدني ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن القعقاع بن حكيم الكناني ... إلى آخره.

                                                وهذا أيضا إسناد صحيح.

                                                وأخرجه أحمد ، والبزار ، وأبو يعلى في "مسانيدهم" بأسانيد مختلفة: عن جابر قال: "كنا نصلي مع الرسول - عليه السلام - المغرب، ثم نرجع إلى منازلنا وهي ميل وأنا أبصر مواقع النبل".

                                                وفي إسنادهم عبد الله بن محمد بن عقيل وهو مختلف في الاحتجاج به ولكن الترمذي وثقه، واحتج به أحمد وغيره.

                                                وأما حديث أنس - رضي الله عنه -: فأخرجه من طريقين أيضا صحيحين:

                                                الأول: عن أحمد بن داود المكي شيخ الطبراني أيضا، عن عبيد الله بن موسى بن أبي المختار شيخ البخاري، وعن موسى بن إسماعيل المنقري أبي سلمة التبوذكي شيخ البخاري وأبي داود، كلاهما عن حماد بن سلمة ، عن ثابت بن أسلم البناني ، عن أنس .

                                                وأخرجه أبو داود : ثنا داود بن شبيب، نا حماد ، عن ثابت البناني ، عن أنس بن مالك قال: "كنا نصلي المغرب مع النبي - عليه السلام - ثم نرمي فيرى أحدنا موضع نبله" انتهى.

                                                [ ص: 65 ] قلت: النبل السهام العربية ولا واحد لها من لفظها، فلا يقال: نبلة، وإنما يقال: سهم ونشابة.

                                                الثاني: عن ابن خزيمة ، عن حجاج بن منهال ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس .

                                                وأخرجه السراج في "مسنده": عن هناد ، عن قبيصة ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت، عن أنس قال: "كانوا يصلون المغرب ثم ينتضلون، فيرون موقع نبلهم".

                                                وأما حديث نفر من الصحابة: فأخرجه من طريقين:

                                                الأول: عن أحمد بن داود المكي ، عن سهل بن بكار الدارمي شيخ البخاري وأبي داود ، عن أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ، عن أبي بشر جعفر بن إياس اليشكري ، عن علي بن بلال راوي المراسيل والمقاطع كذا قال ابن حبان بعد أن ذكره في "الثقات"، وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل": علي بن بلال، وقال بعضهم: حسان بن بلال، قال: صليت مع نفر من الأنصار المغرب، فقالوا: كنا نصلي مع النبي - عليه السلام - ثم ننطلق فنترامى في بني سلمة". سمعت أبي يقول ذلك.

                                                الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي ، عن أبي عوانة الوضاح وهشيم بن بشير، كلاهما عن أبي بشر جعفر بن إياس ، عن علي بن بلال .

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده" بإسناد حسن: عن علي بن بلال ، عن ناس من الأنصار قالوا: "كنا نصلي مع رسول الله - عليه السلام - المغرب، ثم ننصرف فنترامى حتى نأتي ديارنا فما تخفى علينا مواقع سهامنا".

                                                وأما حديث بعض بني سلمة: فأخرجه عن أحمد بن مسعود الخياط شيخ الطبراني أيضا، عن محمد بن كثير بن أبي عطاء الصنعاني فيه مقال مختلف فيه، عن [ ص: 66 ] عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن بعض بني سلمة ... إلى آخره.

                                                وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه" : عن معمر وابن جريج ، عن الزهري ، عن ابن كعب بن مالك أخبره: "أن رجالا من بني سلمة كانوا يشهدون المغرب مع رسول الله - عليه السلام - فينصرفون إلى أهليهم وهم يبصرون مواقع النبل".

                                                وأخرج ابن أبي شيبة أيضا في "مصنفه" : عن حسين بن علي ، عن جعفر بن برقان ، عن الزهري ، عن رجل -قال: من أبناء النقباء- عن أبيه قال: "كنا نصلي المغرب مع رسول الله - عليه السلام - ثم نرجع إلى رحالنا وأحدنا يبصر مواقع النبل". قال: قلت للزهري: فكم كانت منازلهم من المدينة؟ قال: ثلثي ميل. انتهى.

                                                قلت: ابن كعب اسمه عبد الله بن كعب، وبني سلمة -بكسر اللام- من الأنصار حيث وقع.




                                                الخدمات العلمية