الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1393 1394 ص: واحتجوا في ذلك بما قد حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا يحيى بن صالح الوحاظي، قال: حدثني سليمان بن بلال ، قال: حدثني شريك بن أبي نمر ، عن علي بن يحيى ، عن عمه رفاعة بن رافع: " أن النبي - عليه السلام - كان جالسا في المسجد، فدخل رجل فصلى والنبي - عليه السلام - ينظر إليه، فقال: إذا قمت في صلاتك فكبر ثم اقرأ إن كان معك قرآن فإن لم يكن معك قرآن فاحمد الله وكبر وهلل، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم قم حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم اجلس حتى تطمئن جالسا، فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك، وما انتقصت من ذلك فإنما تنقصه من صلاتك". .

                                                [ ص: 233 ] حدثنا فهد، قال: ثنا علي بن معبد، قال: ثنا إسماعيل بن أبي كثير الأنصاري ، عن يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد الزرقي ، عن أبيه، عن جده، عن رفاعة بن رافع ، عن رسول الله - عليه السلام - نحوه.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا طريقان صحيحان:

                                                الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن يحيى بن صالح الوحاظي شيخ البخاري، ونسبته إلى وحاظة -بضم الواو، وتخفيف الحاء المهملة، والظاء المعجمة- ابن سعد بن عوف بن مالك .

                                                عن سليمان بن بلال القرشي التيمي المدني روى له الجماعة، عن شريك بن أبي نمر -وهو شريك بن عبد الله بن أبي نمر- القرشي أبي عبد الله المدني، روى له الجماعة الترمذي في "الشمائل".

                                                عن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع بن مالك بن العجلان المدني روى له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه .

                                                عن عمه رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان الزرقي، شهد بدرا هو وأبوه، وكان أبوه نقيبا.

                                                وأخرجه أبو داود : ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن علي بن يحيى بن خلاد ، عن عمه: "أن رجلا دخل المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس فصلى، فأمره رسول الله - عليه السلام - فأعاد مرتين أو ثلاثا، فقال: يا رسول الله ما ألوت -بعد مرتين أو ثلاثا- أن أتم صلاتي فقال رسول الله - عليه السلام -: إنه لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء [ ص: 234 ] مواضعه، ثم يقول: الله أكبر، ثم يحمد الله ويثني عليه ويقرأ ما تيسر من القرآن، ثم يكبر فيركع حتى تطمئن مفاصله، ثم يقول: سمع الله لمن حمده حتى يستوي قائما، ثم يكبر ويسجد حتى تطمئن مفاصله، ثم يرفع رأسه حتى يستوي قاعدا، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله، فإذا لم يفعل ذلك لم تتم صلاته".

                                                وقال الحافظ زكي الدين المنذري في "مختصر السنن": والمحفوظ فيه: علي بن يحيى بن خلاد ، عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع. انتهى.

                                                وإنما قال ذلك كذلك لأن رفاعة هذا ليس بعم علي بن يحيى وإنما هو عم أبيه; لأن خلادا ورفاعة أخوين ابنا رافع ، ويحيى هو ابن خلاد فيكون رفاعة عم يحيى ، وعلي هو ابن يحيى، فيكون رفاعة عم أبيه. فافهم.

                                                وبهذا أخرجه النسائي : أنا محمد بن عبد الله بن يزيد أبو يحيى بمكة وهو بصري، قال: ثنا أبي قال: ثنا همام قال: ثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أن علي بن يحيى بن خلاد بن مالك بن رافع بن مالك، حدثه عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع قال: "بينما رسول الله - عليه السلام - جالس ونحن حوله إذ دخل رجل فأتى القبلة فصلى، فلما قضى صلاته جاء فسلم على رسول الله - عليه السلام - وعلى القوم، فقال له رسول الله - عليه السلام -: وعليك، اذهب فصل فإنك لم تصل. فذهب فصلى فجعل رسول الله - عليه السلام - يرمق صلاته، ولا ندري ما يعيب منها، فلما قضى صلاته جاء فسلم على رسول الله - عليه السلام - وعلى القوم فقال له رسول الله - عليه السلام -: اذهب فصل فإنك لم تصل، فأعادها مرتين أو ثلاثا فقال الرجل: يا رسول الله ما عبت في صلاتي؟ فقال رسول الله - عليه السلام -: إنها لن تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله -عز وجل-، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين، ثم يكبر الله ويحمده ويمجده، وقال همام: وسمعته يقول: ويحمد الله ويمجده ويكبره قال: فكلاهما قد سمعته يقول، قال: ويقرأ ما تيسر من القرآن مما علمه الله [ ص: 235 ] وأذن له فيه، ثم يكبر ويركع حتى تطمئن مفاصله وتسترخي، ثم يقول: سمع الله لمن حمده ثم يستوي قائما حتى يقيم صلبه، ثم يكبر ويسجد حتى يمكن وجهه -وقد سمعته يقول: جبهته- حتى تطمئن مفاصله وتسترخي، ويكبر فيرفع حتى يستوي قاعدا على مقعدته، ويقيم صلبه، ثم يكبر فيسجد حتى يمكن وجهه ويسترخي، فإذا لم يفعل هكذا لم تتم صلاته".

                                                وأخرجه أبو داود أيضا: ثنا الحسن بن علي، ثنا هشام بن عبد الملك ، والحجاج بن المنهال، قالا: ثنا همام، ثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن علي بن يحيى بن خلاد ، عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع ... الحديث.

                                                الطريق الثاني: عن فهد بن سليمان ، عن علي بن معبد بن شداد العبدي ، عن إسماعيل بن أبي كثير هو إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري المدني قارئ أهل المدينة، عن يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد الزرقي الأنصاري المدني وثقه ابن حبان ، عن أبيه علي بن يحيى بن خلاد روى له البخاري ، عن جده يحيى بن خلاد بن رافع بن مالك بن العجلان الزرقي الأنصاري المدني قيل: إنه ولد على عهد النبي - عليه السلام - فحنكه وقال: "لأسمينه اسما لم يسم به بعد يحيى بن زكرياء عليهما السلام، فسماه يحيى". روى له الجماعة سوى مسلم .

                                                عن رفاعة بن رافع وهو عم يحيى المذكور.

                                                وأخرجه الترمذي : ثنا علي بن حجر، قال: أنا إسماعيل بن جعفر ، عن يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي ، عن أبيه، عن جده، عن رفاعة بن رافع: "أن رسول الله - عليه السلام - بينما هو جالس في المسجد يوما قال رفاعة: ونحن معه إذ جاءه رجل كالبدوي فصلى فأخف صلاته، ثم انصرف فسلم على النبي - عليه السلام -، فقال [ ص: 236 ] النبي - عليه السلام -: وعليك فارجع فصل فإنك لم تصل ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا كل ذلك يأتي النبي - عليه السلام - فيسلم على النبي - عليه السلام -، فيقول النبي - عليه السلام -: وعليك فارجع فصل فإنك لم تصل، فخاف الناس وكبر عليهم أن يكون من أخف صلاته لم تصل، فقال الرجل في آخر ذلك: فأرني وعلمني، فإنما أنا بشر أصيب وأخطئ، فقال: أجل، إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله ثم تشهد فأقم أيضا، فإن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد الله وكبره وهلله، ثم اركع فاطمئن راكعا، ثم اعتدل قائما، ثم اسجد واعتدل ساجدا، ثم اجلس فاطمئن جالسا، ثم قم; فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك، وإن انتقصت منه شيئا انتقصت من صلاتك".

                                                وأخرجه أبو داود أيضا: ثنا عباد بن موسى الختلي، ثنا إسماعيل يعني ابن جعفر، قال: أخبرني يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي ، عن أبيه، عن جده، عن رفاعة بن رافع: "أن رسول الله - عليه السلام - ... " فقص هذا الحديث قال فيه: "فتوضأ كما أمرك الله ثم تشهد فأقم، ثم كبر، فإن كان معك قرآن فاقرأ به وإلا فاحمد الله وكبره وهلله، قال فيه: وإن انتقصت منه شيئا انتقصت من صلاتك".

                                                ويستفاد منه فوائد: أن الشروع في الصلاة لا يكون إلا بتكبير وهو فرض بلا خلاف، وقراءة القرآن وهي أيضا فرض، وفيه دليل صريح على أن الفرض مطلق القراءة، وهو حجة لأبي حنيفة على عدم فرضية قراءة الفاتحة; إذ لو كانت فرضا لأمره - عليه السلام - لأن المقام مقام التعليم، وأن العاجز عن قراءة القرآن يحمد الله ويكبره ويهلله عوض القراءة فإنه يجزئه، ثم العجز عن القراءة أعم من أن يكون لمعنى في طبيعته أو لعذر آخر وأيا ما كان العاجز عن القرآن يجوز له أن يصلي بالأدعية ونحوها.

                                                وفي "المغني" لابن قدامة: فإن لم يحسن القراءة بالعربية لزمه التعلم، فإن لم يفعل مع القدرة عليه لم تصح صلاته، فإن لم يقدر أو خشي فوات الوقت وعرف من [ ص: 237 ] الفاتحة آية كررها سبعا، قال القاضي: لا يجزئه غير ذلك; لأن الآية منها أقرب إليها من غيرها، وكذلك إن أحسن منها أكثر من ذلك كرره بقدره، وإن عرف بعض آية لم يلزمه تكرارها وعدل إلي غيرها، ويجب أن يقرأ بعدد آياتها، وهل يعتبر أن يكون في عدد حروفها؟ فيه وجهان: أحدهما: لا يعتبر، والثاني: يلزمه ذلك، فإن لم يحسن شيئا من القرآن ولا أمكنه التعلم قبل خروج الوقت لزمه أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولا تلزمه الزيادة على هذه، وعن بعض الشافعية: يزيد عليها كلمتين حتى يكون مقام سبع آيات ولا يصح ذلك. انتهى.

                                                قلت: هذا كله على أصلهم أن قراءة الفاتحة فرض عندهم، وأما على أصل الحنفية: أنه يقرأ ما تيسر له من القرآن، فإن عجز عن ذلك بالكلية يدعو بما شابه ألفاظ القرآن فإن فرضنا أنه لا يقدر على إتيان شيء من الأدعية يصلي هكذا ولا يلزمه غير ذلك، وفيه بيان مقدار الركوع الذي لا بد منه، وهو أن يطمئن راكعا.

                                                وفي "مصنف ابن أبي شيبة" : ثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن من سمع محمد بن علي يقول: "يجزئه من الركوع إذا وضع يديه على ركبتيه، ومن السجود إذا وضع جبهته على الأرض".

                                                ثنا ابن علية ، عن ابن عون، عن ابن سيرين قال: "يجزئ من الركوع إذا أمكن يديه من ركبتيه، ومن السجود إذا أمكن جبهته من الأرض".

                                                وفيه بيان مقدار السجود الذي لا بد منه، وهو أن يطمئن جالسا.

                                                فإن قيل: لم يبين في هذا الحديث بعض الواجبات كالنية، والقعدة الأخيرة، وترتيب الأركان، وكذا بعض الأفعال المختلف في وجوبها كالتشهد في الأخير، والصلاة على النبي - عليه السلام -، وإصابة لفظة السلام.

                                                [ ص: 238 ] قلت: لعل هذه الأشياء كانت معلومة عند هذا الرجل فلذلك لم يبينها; فافهم.




                                                الخدمات العلمية