الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1542 1543 ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا صالح بن عبد الرحمن وروح بن الفرج ، قالا: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا أبو الأحوص ، عن عاصم بن كليب الجرمي ، عن أبيه ، عن وائل بن حجر الحضرمي ، قال: " صليت خلف النبي - عليه السلام -، فقلت: لأحفظن صلاة رسول الله - عليه السلام -، قال: فلما قعد للتشهد فرش رجله اليسرى، ثم قعد عليها، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى، ووضع مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم عقد أصابعه، وجعل حلقه بالإبهام والوسطى، ثم جعل يدعو بالأخرى". .

                                                حدثنا فهد، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا خالد بن مخلد ، عن عاصم ... فذكر بإسناده.

                                                قال أبو جعفر -رحمه الله-: فهذا يوافق ما ذهبوا إليه من ذلك.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث وائل بن حجر .

                                                وأخرجه من طريقين صحيحين:

                                                [ ص: 433 ] الأول: عن صالح بن عبد الرحمن الأنصاري ، وروح بن الفرج القطان المصري، كلاهما عن يوسف بن عدي بن زريق شيخ البخاري ، عن أبي الأحوص سلام بن سليم الحنفي الكوفي ، عن عاصم بن كليب الجرمي ، عن أبيه كليب بن شهاب الجرمي ، عن وائل .

                                                وأخرجه الطبراني في "الكبير" بأتم منه: ثنا المقدام بن داود، نا أسد بن موسى، ثنا أبو الأحوص، ثنا عاصم بن كليب ، عن أبيه، عن وائل بن حجر قال: "صليت خلف رسول الله - عليه السلام - فقلت: لأحفظن صلاة رسول الله - عليه السلام - ، فلما افتتح الصلاة كبر ورفع يديه حتى حاذتا بأذنيه، ثم أخذ شماله بيمينه، فلما كبر للركوع رفع يديه أيضا كما رفعهما لتكبير الصلاة، فلما ركع وضع كفيه على ركبتيه، فلما رفع رأسه من الركوع رفع يديه أيضا، فلما قعد يتشهد افترش رجله اليسرى بالأرض، ثم قعد عليها، فوضع كفه الأيسر على فخذه اليسرى، ووضع مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم عقد أصابعه، وجعل حلقه بالإبهام والوسطى، ثم جعل يدعو بالأخرى".

                                                الثاني: عن فهد بن سليمان ، عن يحيى بن عبد الحميد الحماني ، عن خالد بن مخلد القطواني شيخ البخاري ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه، عن وائل .

                                                وأخرجه أبو داود : عن مسدد ، عن بشر بن المفضل ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه، عن وائل بن حجر قال: "قلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله - عليه السلام - كيف يصلي؟ قال: فقام رسول الله - عليه السلام - فاستقبل القبلة فكبر فرفع يديه حتى حاذتا أذنيه، ثم أخذ شماله بيمينه، فلما أراد أن يركع رفعهما مثل ذلك، ثم وضع يديه على ركبتيه، فلما رفع رأسه من الركوع رفعهما مثل ذلك، فلما سجد وضع رأسه بذلك المنزل من يديه، ثم جلس فافترش رجله اليسرى، ووضع يده اليسرى على [ ص: 434 ] فخذه اليسرى، وحد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، وقبض ثنتين، وحلق حلقة، ورأيته يقول: هكذا وحلق بثنتين -الإبهام والوسطى- وأشار بالسبابة".

                                                قوله: "لأحفظن" بفتح اللام; لأنها للتأكيد وبنون التوكيد أيضا.

                                                قوله: "وجعل حلقة" بفتح الحاء وسكون اللام مثل حلقة الدرع، وحلقة الباب، وحلقة القرط، وأما حلقة القوم فيجوز فيها الفتح والسكون.

                                                وقال أبو عمرو الشيباني: ليس في الكلام حلقة بالتحريك إلا في قولهم: هؤلاء قوم حلقة للذين يحلقون الشعر، جمع حالق.

                                                ويستنبط منه أحكام:

                                                الأول: فيه: أن يعقد أصابعه ويجعل حلقة بالإبهام والوسطى، قال الفقيه أبو جعفر: هكذا روي عن أبي حنيفة، وقال صاحب "الهداية": ويبسط أصابعه. وقال صاحب "المحيط": وعن محمد أنه يضع يديه على فخذيه; لأن فيه توجيه الأصابع إلى القبلة أكثر، وعن بعضهم: أنه يفرق أصابعه. وكل هذا مخالف لما في هذا الحديث.

                                                الثاني: فيه: أن يدعو بالمسبحة ويشير بها، وبه قال أبو يوسف، ذكره في "الإملاء" قال: وتروى الإشارة عن النبي - عليه السلام - وبينه، وعن بعض أصحابنا: وتكره الإشارة وهو غير صحيح; لأن أبا يوسف نص عليها في "الإملاء"، وكذلك نص عليها محمد في كتابه، وقال في "المحيط": والإشارة على قول أبي حنيفة -رحمه الله-.

                                                الثالث: فيه: أن السنة أن يفترش المصلي رجله اليسرى ويجلس عليها.

                                                فإن قيل: استدلال الحنفية لا يتم بهذا الحديث; لأنه لم يذكر فيه إلا أنه فرش رجله اليسرى فقط.

                                                قلت: أكبر الخلاف فيه; لأنه اكتفى بهذا المقدار.

                                                [ ص: 435 ] وأما نصب الرجل اليمنى فقد ذكره ابن أبي شيبة في روايته فقال : ثنا ابن إدريس ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه، عن وائل بن حجر: "أن النبي - عليه السلام - جلس فثنى اليسرى، ونصب اليمنى، يعني: في الصلاة".

                                                ثنا يزيد بن هارون ، عن حسين المعلم ، عن بديل ، عن أبي الجوزاء ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان النبي - عليه السلام - إذا سجد فرفع رأسه لم يسجد حتى يستوي جالسا، وكان يفترش رجله اليسرى، وينصب اليمنى".

                                                ثنا وكيع ، عن هشام بن سعد ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط قال: "كان النبي - عليه السلام - يفترش اليسرى، وينصب اليمنى".

                                                ثنا ابن فضيل ، وأبو أسامة ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم ، عن عبد الله بن عبد الله ، عن ابن عمر قال: "إن من سنة الصلاة أن يفترش اليسرى، وينصب اليمنى".

                                                ثنا وكيع والفضل بن دكين ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث، عن علي - رضي الله عنه -: "أنه كان ينصب اليمنى، ويفترش اليسرى".

                                                قوله: "فهذا يوافق" أي حديث وائل بن حجر يوافق مذهب هؤلاء الذين ذهبوا إلى أن القعود في الصلاة كلها سواء، وهو أن ينصب رجله اليمنى، ويفترش رجله اليسرى ويقعد عليها.

                                                وما قيل: إنه لم يذكر فيه إلا افتراش رجله اليسرى فقط فقد ذكرنا جوابه الآن.




                                                الخدمات العلمية