الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1634 ص: حدثنا الحسين بن نصر ، قال: ثنا الفريابي ، قال: ثنا سفيان الثوري ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن محمد بن الحنفية ، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - عليه السلام -: " مفتاح الصلاة الطهور، وإحرامها التكبير، وإحلالها التسليم".

                                                التالي السابق


                                                ش: الفريابي هو محمد بن يوسف شيخ البخاري، وقد تكرر ذكره.

                                                وعبد الله بن عقيل -بفتح العين- ابن أبي طالب القرشي المدني وفيه مقال، فقال ابن سعد: منكر الحديث لا يحتجون بحديثه. وعن يحيى: ليس حديثه بحجة. وعنه: ضعيف الحديث. وعنه: ليس بذاك. وقال النسائي: ضعيف. وقال الترمذي: صدوق. وروى له أبو داود والترمذي .

                                                ومحمد بن الحنفية هو محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية واسمها خولة بنت جعفر بن قيس روى له الجماعة.

                                                وأخرجه أبو داود : ثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن عقيل ، عن محمد بن الحنفية ، عن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - عليه السلام -: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم".

                                                وأخرجه الترمذي : ثنا هناد وقتيبة ومحمود بن غيلان، قالوا: ثنا وكيع ، عن سفيان .

                                                وثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان ... إلى آخره نحوه.

                                                [ ص: 530 ] وأخرجه ابن ماجه أيضا: ثنا علي بن محمد، ثنا وكيع ، عن سفيان ... إلى آخره نحوه.

                                                وأخرجه البيهقي بلفظ الطحاوي .

                                                وأخرجه الحاكم في "مستدركه" وقال: حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه.

                                                وقال الترمذي: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن، وعبد الله بن محمد بن عقيل هو صدوق، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه.

                                                وقال أيضا: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم والحميدي يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل، قال محمد: هو مقارب الحديث.

                                                وقال الترمذي بعد إخراج هذا الحديث: وفي الباب عن جابر وأبي سعيد .

                                                قلت: أما حديث جابر فأخرجه الترمذي أيضا: ثنا أبو بكر محمد بن زنجويه البغدادي وغير واحد، قالوا: أنا حسين بن محمد، قال: ثنا سليمان بن قرم ، عن أبي يحيى القتات ، عن مجاهد ، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - عليه السلام -: "مفتاح الجنة الصلاة، ومفتاح الصلاة الوضوء".

                                                وأما حديث أبي سعيد الخدري فأخرجه ابن ماجه : ثنا سويد بن سعيد، نا علي بن مسهر ، عن أبي سفيان طريف السعدي (ح)

                                                وثنا أبو كريب، نا أبو معاوية ، عن أبي سفيان السعدي ، عن أبي نضرة ، عن [ ص: 531 ] أبي سعيد الخدري ، عن النبي - عليه السلام - قال: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم".

                                                قوله: "مفتاح الصلاة" أي الذي تفتح الصلاة به، والمفتاح مفعال من الفتح، شبه الصلاة بالخزانة المقفولة على طريق الاستعارة بالكناية، وهي التي لا يذكر فيها سوى المشبه، ثم أثبت لها المفتاح على سبيل الاستعارة الترشيحية وهي ما يقارن ما يلائم المستعار منه.

                                                قوله: "الطهور" بفتح الطاء، وهو اسم لما يتطهر به، وهو بعمومه يتناول الماء والتراب، والظاهر أنه بضم الطاء; لأن المراد به الفعل.

                                                قوله: "وإحرامها التكبير" أي إحرام الصلاة بإتيان التكبير، فكأن المصلي بالتكبير والدخول فيها صار ممنوعا من الكلام والأفعال الخارجة عن كلام الصلاة وأفعالها، فقيل للتكبير: إحرام وتحريم; لمنعه المصلي من ذلك.

                                                قوله: "وإحلالها التسليم" أي تحليل الصلاة يكون بالسلام في آخرها، فكأن المصلي يحل له ما حرم عليه فيها بالتكبير من الأقوال والأفعال الخارجة عن كلام الصلاة وأفعالها كما يحل للمحرم بالحج عند الفراغ منه ما كان حراما عليه.

                                                ويستدل به على فرضية الطهارة لأجل الصلاة; لأن الشارع جعل الطهور مفتاحا لها، فتكون الطهارة موقوفا عليها، والصلاة موقوفة، فلما كان الموقوف فرضا كان الموقوف عليه فرضا مثله; لأنه شرط، والمشروط لا يوجد بدونه، واستدل به أصحابنا على فرضية تكبيرة الإحرام.

                                                فإن قيل: هذا خبر آحاد فكيف تثبت به الفرضية؟

                                                قلت: أصل فرضية التكبير في أول الصلاة بالنص، وهو قوله تعالى: وذكر اسم ربه فصلى وقوله: وربك فكبر غاية ما في الباب يكون الحديث [ ص: 532 ] بيانا لما يراد به النص، واستدل به أبو يوسف على أن الشروع في الصلاة لا يصح إلا بألفاظ مشتقة من التكبير، وهي أربعة ألفاظ: الله أكبر، الله الأكبر، الله الكبير، الله كبير.

                                                واستدل الشافعي ومالك أنه لا يصير شارعا إلا بلفظ واحد وهو: الله أكبر.

                                                وقال أبو حنيفة ومحمد: يصح الشروع بكل ذكر هو ثناء خالص لله تعالى يراد به تعظيمه لا غير، مثل: الله أكبر، الله أجل، الله أعظم، الرحمن أكبر، الرحمن الأجل، أو الحمد لله أو سبحان الله، أو لا أكبر إلا الله، لقوله تعالى: وذكر اسم ربه فصلى

                                                والمراد به ذكر اسم الرب لافتتاح الصلاة; لأنه عقب الصلاة الذكر بحرف التعقيب بلا فصل، فلا يجوز تقييده بلفظ مشتق من الكبرياء بأخبار الآحاد.




                                                الخدمات العلمية