الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما العلوم التي لا يحمد منها إلا مقدار مخصوص فهي العلوم التي أوردناها في فروض الكفايات فإن في كل علم منها اقتصارا وهو الأقل واقتصادا وهو الوسط واستقصاء وراء ذلك الاقتصاد لا مرد له إلى آخر العمر فكن أحد رجلين إما مشغولا بنفسك وإما متفرغا لغيرك بعد الفراغ من نفسك وإياك أن تشتغل بما يصلح غيرك قبل إصلاح نفسك فإن كنت المشغول بنفسك فلا تشتغل إلا بالعلم الذي هو فرض عليك بحسب ما يقتضيه حالك وما يتعلق منه بالأعمال الظاهرة من تعلم الصلاة والطهارة والصوم وإنما الأهم الذي أهمله الكل علم صفات القلب وما يحمد منها وما يذم إذ لا ينفك بشر عن الصفات المذمومة مثل الحرص والحسد والرياء والكبر والعجب وأخواتها وجميع ذلك مهلكات وإهمالها من الواجبات مع أن الاشتغال بالأعمال الظاهرة يضاهي الاشتغال بطلاء ظاهر البدن عند التأذي بالجرب والدماميل والتهاون بإخراج المادة بالفصد والإسهال .

وحشوية العلماء يشيرون بالأعمال الظاهرة كما يشير الطرقية من الأطباء بطلاء ظاهر البدن وعلماء الآخرة لا يشيرون إلا بتطهير الباطن وقطع مواد الشر بإفساد منابتها وقلع مغارسها من القلب وإنما فزع الأكثرون إلى الأعمال الظاهرة عن تطهير القلوب لسهولة أعمال الجوارح واستصعاب أعمال القلوب كما يفزع إلى طلاء الظاهر من يستصعب شرب الأدوية المرة فلا يزال يتعب في الطلاء ويزيد في المواد وتتضاعف به الأمراض .

فإن كنت مريدا للآخرة وطالبا للنجاة وهاربا من الهلاك الأبدي فاشتغل بعلم العلل الباطنة وعلاجها على ما فصلناه في ربع المهلكات ثم ينجر بك ذلك إلى المقامات المحمودة المذكورة في ربع المنجيات لا محالة فإن القلب إذا فرغ من المذموم امتلأ بالمحمود والأرض إذا نقيت من الحشيش نبت فيها أصناف الزرع والرياحين وإن لم تفرغ من ذلك لم تنبت ذاك فلا تشتغل بفروض الكفاية لا سيما وفي زمرة الخلق من قد قام بها فإن مهلك نفسه فيما به صلاح غيره سفيه فما أشد حماقة من دخلت الأفاعي والعقارب تحت ثيابه وهمت بقتله وهو يطلب مذبة يدفع بها الذباب عن غيره ممن لا يغنيه ولا ينجيه مما يلاقيه من تلك الحيات والعقارب إذا همت به .

وإن تفرغت من نفسك وتطهيرها وقدرت على ترك ظاهر الإثم وباطنه وصار ذلك ديدنا لك وعادة متيسرة فيك وما أبعد ذلك منك فاشتغل بفروض الكفايات وراع التدريج فيها فابتدئ بكتاب الله تعالى ثم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بعلم التفسير وسائر علوم القرآن من علم الناسخ والمنسوخ والمفصول والموصول والمحكم والمتشابه وكذلك في السنة .

ثم اشتغل بالفروع وهو علم المذهب من علم الفقه دون الخلاف ثم بأصول الفقه وهكذا إلى بقية العلوم على ما يتسع له العمر ويساعد فيه الوقت ولا تستغرق عمرك في فن واحد منها طلبا للاستقصاء فإن العلم كثير والعمر قصير .

وهذه العلوم آلات ومقدمات وليست مطلوبة لعينها بل لغيرها وكل ما يطلب لغيره فلا ينبغي أن ينسى فيه المطلوب ويستكثر منه فاقتصر من شائع علم اللغة على ما تفهم منه كلام العرب وتنطق به ومن غريبه على غريب القرآن وغريب الحديث ودع التعمق فيه واقتصر من النحو على ما يتعلق بالكتاب والسنة

التالي السابق


(وأما العلوم التي لا يحمد منها) للمشتغل (إلا مقدار مخصوص) لا يتجاوز عنه (فهي العلوم التي أوردناها) ببيانها (في فروض الكفايات) في أول الباب (فإن في كل علم) وفي بعض النسخ: فإن لكل علم (منها اقتصارا) على القدر الواجب (هو الأقل) مما يحتاج إليه (واقتصادا هو الوسط) بتحريك السين وهو ما له طرفان متساويا القدور، يقال ذلك في الكمية المتصلة كالجسم الواحد وفي الكمية المنفصلة كشيء يفصل بين جسمين، والطرفان قد يكونان مذمومين فيستعمل استعمال القصد المصون عن الإفراط والتفريط فيمدح به وتارة يقال فيما له طرف محمود وطرف مذموم كالخير والشر (واستقصاء وراء الاقتصاد) وهي المرتبة الثالثة (لا مرد له إلى آخر العمر) أي: شيء لا نهاية له يعجز العمر عن تحصيله (فكن أحد رجلين) وفي نسخة: أحد الرجلين (إما) رجل (مشغول بنفسك) في إصلاحها (وإما) رجل (متفرغ إلى غيرك بعد الفراغ من نفسك) وفي بعض النسخ: إما مشغولا وإما متفرغا بالنصب فيهما (وإياك) ثم إياك (أن تشتغل بما يصلح غيرك قبل إصلاح نفسك) فإن [ ص: 269 ] إصلاح النفس مقدم، ابدأ بنفسك ثم بمن تعول قال صاحب القوت: العبد يسأل غدا فيقال: ماذا عملت فيما علمت، ولا يقال له فيما علم غيرك. اهـ .

فالاشتغال بما يصلح علم الغير قبل الاشتغال بما يصلح النفس مضر مهلك، كيف وقد قال الله تعالى: وقال الذين أوتوا العلم والإيمان ففرق بينهما، فمن أوتي إيمانا ويقينا أوتي علما كما أن من أوتي علما نافعا أوتي إيمانا وهذا لا يحصل إلا بمعرفة خواطر النفس وإزالة ما يهلكها (فإن كنت مشغولا بنفسك) بإصلاحها وفي نسخة: فإن كنت المشغول بنفسك (فلا تشتغل إلا بالعلم الذي هو فرض عينك) ما فرض الله عليك (بحسب ما يقتضيه حالك وما يتعلق منه بالأعمال الظاهرة) المتعلقة بالجوارح (من تعلم الصلاة والطهارة والصوم) وما يصحح كلا من ذلك وما يفسده وقدم الصلاة هنا في الذكر لكونها المقصود الأعظم وإن كانت الطهارة تقدمها تقدم الرسائل، وكذا تعلم الحج إن وجب عليه وغير ذلك (وإنما الأهم الذي أهمله الكل) وأعرضوا عنه (علم صفات القلب وما يحمد منها وما يذم) إذ علم الألسنة والفتيا مردود إلى علم القلوب وقد درس معرفة هذا العلم فصار كل من نطق بكلام غريب على السامعين لا يعرف حقه من باطله سمي عالما وكل كلام مستحسن زخرف رونقه لا أصل له يسمى صاحبه عالما لجهل العالم بالعلم أي شيء هو (إذ لا ينفك بشر عن الصفات المذمومة) التي ركبت فيه (من الحرص والحسد والرياء والكبر والعجب وأخواتها) مما سيأتي بيانها في المهلكات (وجميع ذلك) صفات (مهلكات) للإنسان (وإهمالها) رأسا (مع الاشتغال بالأعمال الظاهرة يضاهي) أي يشابه (الاشتغال بطلاء ظاهر البدن عند التأذي بالجرب) والحكة (والدماميل) جمع دمل وهو الخراج (والتهاون بإخراج المادة) التي نشأ منها ذلك العارض (بالفصد) وهو إخراج الدم وفي معناه الحجامة بحسب اختلاف أمزجة البلاد (والإسهال) بالأدوية المناسبة لإخراج تلك المادة (وحشوية العلماء) وهم الذين يقتنعون بالقشر عن اللباب وينظرون إلى ظاهر الأمور دون الاطلاع على الأسرار الباطنة (يشيرون بالأعمال الظاهرة) ويحثون الناس على تحصيلها (كما يشير الطرقية من الأطباء) وهم الذين يجلسون على الطرق ويداوون الناس على جهل منهم (بطلاء ظاهر البدن) فيما لا يتم النفع به فهؤلاء علماء الدنيا الذين يتأكلون الدين بالدنيا (و) أما (علماء الآخرة) فإنهم (لا يشيرون) على الناس (إلا بتطهير الباطن) كما أن الكمل من الأطباء لا يشيرون على المرضى إلا بمداواة الباطن (وقطع مواد الشر بإفساد مبانيها) وفي نسخة: منابتها (و) هو المناسب لقوله (قلع مغارسها) والضمير فيها راجع إلى مواد الشر (من القلب) ثم اعتذر عنهم فقال: (وإنما فزع الأكثرون) من العلماء والتجئوا (إلى الأعمال الظاهرة عن تطهير القلب) وتزكيته (لسهولة أعمال الجوارح) على كل أحد (واستصعاب أعمال القلوب) لتوقفها على وجود مرشد كامل يريه الطرق (كما يفزع إلى طلاء الظاهر من يستصعب شرب الأدوية المرة) المنفرة (فلا يزال) من حاله كذلك (يتعب في الطلاء) الظاهر (وتزيد المواد) وتجتمع في أعماق البدن (وتتضاعف الأمراض) فيكون سببا لإهلاك البدن بالمرة (فإن كنت مريدا للآخرة وطالبا للنجاة) من الهلاك (وهاربا من هلاك الأبد فاشتغل بعلم العلل الباطنة) وكيف طروها على القلب (و) معرفة (علاجها) في إزالتها (على ما فصلناه في ربع المهلكات ثم ينجر ذلك بك إلى) معرفة (المقامات المحمودة المذكورة في ربع المنجيات) والتحلي بها (لا محالة فإن القلب إذا فرغ) أي خلا (من) الخلق (المذموم امتلأ بالمحمود) كما قالوا: القلب إذا خلا من الكفر دخله الإيمان، وضرب لذلك مثلا لأجل فهم العامة فقال: (فالأرض إذا نقيت) ونظفت (من الحشيش) الذي يضر بالأرض ويأخذ قوتها ولا ينتفع به (نبتت فيها) أي صلحت لأن تنبت فيها (أصناف الزروع) المنتفع بها (و) أنواع (الرياحين) الطيبة (فإن لم يفرغ) أي: إن لم يخل القلب (من ذلك فلا تشتغل بفروض الكفايات) اشتغالا كليا (لا سيما وفي الخلق من قد قام به) [ ص: 270 ] كثيرا وهي فيها صلاح الغير (فإن مهلك نفسه في طلب صلاح غيره سفيه) ناقص العقل والرشد (فما أشد حماقة) أي: فسادا في العقل (من دخلت الأفاعي) وهي الحيات (والعقارب داخل ثيابه وهمت) أي: قصدت (بقتله) بالنهش واللسع (وهو يطلب) لنفسه (مذبة) وهي بكسر الميم المنشة (يدفع بها الذباب عن غيره ممن لا يغنيه ولا ينجيه) ولا يخلصه (مما يلاقيه من) ضرر (تلك الحيات والعقارب إذا هممن) وقصدن إتلافه (فإن تفرغت من) النظر إلى (نفسك وتطهيرها وقدرت) بتوفيق الله تعالى وحسن إعانته (على ترك ظاهر الإثم وباطنه) .

قال السمين: ظاهر الإثم ما يطلع عليه الخلق وباطنه ما يختص بعلمه تعالى (وصار ذلك ديدنا لك وعادة متيسرة) أي: مسهلة (فيك وما أبعد ذلك) عنك إلا أن صادفتك العناية الربانية (فاشتغل بفروض الكفايات) حينئذ (وراع التدريج) والترتيب (فيها) وقدم الأهم فالأهم بحسب الاقتضاء (فابدأ بكتاب الله تعالى) بالترتيل والتدبر في معانيه وحكمه وإشاراته (ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) بتلقيها عن أربابها حفظا في كل منهما وضبطا (ثم بعلم التفسير) بما تيسر لك من الكتب المؤلف فيه كما سيأتي بيانها وإياك ثم إياك من مطالعة مثل الكشاف وتفسير الفخر ففي كل منهما إشكالات وتشكيكات لا ينبغي سماعها فإنها تحير وتمرض وتردي ولا تشفي غليلا، وأقوال السلف في التفسير مليحة لكنها ثلاثة أقوال وأربعة أقوال فيضع الحق بين ذلك فإن الحق لا يكون في جهتين وربما احتمل اللفظ معنيين فأكثر عبر كل منهم عن واحد منها فهذا لا بأس به (وسائر علوم القرآن) المتعلقة به (من علم الناسخ والمنسوخ) .

قال الراغب: النسخ إزالة شيء بشيء يعقبه فتارة يفهم منه الإزالة وتارة يفهم منه الإثبات وتارة الأمران، ونسخ الكتاب إزالة حكم بحكم يعقبه. وقال الأصوليون: النسخ رفع الحكم الشرعي بخطاب، وقد ألف في ناسخ القرآن ومنسوخه مكي بن أبي طالب القيسي وأبو جعفر النحاس وأبو بكر بن العربي وأبو داود السختياني وأبو عبيدة القاسم بن سلام، وأبو سعيد عبد القاهر بن طاهر التميمي، وأبو القاسم هبة الله بن سلامة بن نصر بن علي المفسر، وأبو الحسين بن المناوي، والجلال السيوطي وغيرهم (والمفصول والموصول) وقد ألف فيه مكي بن أبي طالب القيسي وغيره (والمحكم والمتشابه) المحكم ما خلا المراد به عن التبديل والتغيير أي: التخصيص، والتأويل والنسخ كقوله تعالى: إن الله بكل شيء عليم والنصوص الدالة على ذات الله وصفاته؛ لأن ذلك لا يحتمل النسخ فإن اللفظ إذا ظهر منه المراد فإن لم يحتمل النسخ فمحكم، وإلا فإن لم يحتمل التأويل فمفسر وإلا فإن سيق الكلام لأجل ذلك المراد فنص وإلا فظاهر وإذا خفي فإن خفي لعارض أي لغير الصيغة فخفي وإن خفي أي لنفس الصيغة وأدرك عقلا فمشكل أو نقلا فمهمل أو لم يدرك أصلا فمتشابه، وأول من ألف في متشابه القرآن الكسائي كما قاله السيوطي في الإتقان وقد نظمه أبو الحسن السخاوي المقري ومن الكتب المؤلفة فيه البرهان في توجيه متشابه القرآن لما فيه من الحجة والبيان للبرهان أبي القاسم محمود بن حمزة بن نصر الكرماني المقري الشامي المعروف بتاج القراء، ودرة التأويل في متشابه التنزيل لأبي القاسم حسين بن محمد بن الفضل الراغب الأصبهاني، ودرة التنزيل وغرة التأويل للإمام فخر الدين الرازي، وكشف المعاني للبدر بن جماعة وقطف الأزهار للجلال السيوطي وغيرها، وكل ذلك من فروع علم التفسير لكن آكدها وأهمها معرفة علم الناسخ والمنسوخ، (وكذلك في السنة) من الناسخ والمنسوخ والمتشابه فمن ألف في ناسخ الحديث ومنسوخه أبو محمد قاسم بن أصبغ القرطبي وأبو بكر محمد بن عثمان المعروف بالجعد الشيباني أحد أصحاب ابن كيسان وأحمد بن إسحاق الأنباري وأبو جعفر النحاس وأبو بكر الحازمي وأبو القاسم هبة الله بن سلام المفسر وأبو حفص عمر بن شاهين البغدادي والإمام أبو القاسم القشيري ومحمد بن بحر الأصبهاني وبدل بن أبي المعمر التبريزي، وآخرون وممن جمع بين متشابه القرآن والحديث شمس الدين محمد بن اللبان في مجلد صغير نافع في بابه قال بدل بن أبي المعمر في كتابه المذكور: أول من دون في علم ناسخ الحديث [ ص: 271 ] ومنسوخه الزهري ثم لا نعلم أحدا جاء بعده تصدى لهذا الفن ولخصه إلا ما يوجد من بعض الإيماء في عرض الكلام عن آحاد الأئمة حتى جاء الإمام أبو عبد الله الشافعي فإنه كشف أسراره واستفتح بابه ثم ذكر بسنده إلى أبي عبد الرحمن السلمي أنه مر على قاص فقال تعرف الناسخ من المنسوخ قال: لا قال: هلكت وأهلكت، ومثل ذلك قد روي عن ابن عباس أيضا، ثم قال: والآثار في هذا الباب كثيرة، وإنما أوردنا نبذة منها لتعلم شدة اعتناء الصحابة بمعرفة الناسخ والمنسوخ في كتاب الله تعالى وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- إذ شأنهما واحد (ثم اشتغل بالفروع وهو علم المذهب من علم الفقه) مما يتعلق بالعبادات الظاهرة ومما تحتاج إليه (دون) السلم والكفارات والإيمان والنذور والظهار والإجارة ودون (الخلاف) والجدل مع مخالفي المذهب (ثم أصول الفقه) على قدر مسيس الحاجة وهذا إن تطلعت نفسك إلى مرتبة الاجتهاد وأنفت التقليد لأمامك وأما إن زعمت أن الاجتهاد قد انقطع فلا فائدة في تعلم هذا العلم إلا لمن يصير محصله مجتهدا به فإذا عرفه ولم يفك تقليد أمامه لم يصنع شيئا بل أتعب نفسه وركب على نفسه الحجة في مسائل وإن كان تحصيله لأجل الوظائف وليقال فهذا من الوبال وضرب من الخيال والكتب المؤلفة فيه كثيرة تغني شهرتها عن ذكرها، فمن الكتب المتوسطة فيه المنار للنسفي وجمع الجوامع لابن السبكي والمنهاج للبيضاوي (وهكذا إلى بقية العلم علم ما يتسع لك العمر ويساعد فيه الوقت) وتحتاج إليه مع زيادة ونقص حسب اقتضاء الحال (ولا تستغرق عمرك في فن واحد منه) أي: مما ذكر حالة كونك (طالبا الاستقصاء) فيه والبلوغ إلى نهايته (فإن العلم كثير) بأقسامه وأنواعه (والعمر قصير) فخذ من كل شيء أحسنه (وهذه العلوم) التي ذكرناها كلها (آلات) ووسائل (ومقدمات) يصل بها الإنسان إلى المقاصد (وليست) هي (مطلوبة بعينها) أي: لذاتها (بل لغيرها) التي هي المقاصد (وكل ما يطلب لغيره فلا ينبغي أن ينسى فيه المطلوب) الأعظم (ويستكثر منه فاقتصر من علم اللغة على) قدر (ما تفهم به كلام العرب وتنطق به) فعليك بمطالعة مختصر الصحاح للرازي والمصباح للفيومي وإن أردت الزيادة فلا تعدون عيناك عند الصحاح للجوهري أو العباب للصاغاني أو المجمل لابن فارس وإن أردت الزيادة فالقاموس المحيط للفيروزابادي الجامع للغات العرب فصيحة وغريبة، وحواشيه أو التهذيب للأزهري أو المحكم لابن سيده (و) اقتصر (من غريبه) أي: علم اللغة (على غريب القرآن وغريب الحديث) .

قال الخطابي الغريب من الكلام هو الغامض البعيد من الفهم وهو على وجهين: أحدهما أن يراد به إنه بعيد المعنى غامضه لا يتناوله الفهم إلا عن بعد ومعاناة فكر، والثاني: أن يراد به كلام من بعدت به الدار من شواذ قبائل العرب، فإذا وقعت إلينا الكلمة من كلامهم استغربناها. اهـ .

ومن الكتب المؤلفة في غريب القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى والعزيزي وأما غريب الحديث قد اعتنى كثيرون بتأليفه وتهذيبه أشهرهم الحرمي وأبو عبيد، وأبو موسى المديني وممن جمع بينهما أبو سليمان الخطابي وأبو عبيد الهروي وابن الأثير صاحب النهاية والزمخشري في الفائق وغير هؤلاء (ودع التعمق فيه) فإنه لا نهاية له (واقتصر من) علم (النحو على ما يتعلق بالكتاب والسنة) بقراءة كتاب صغير فيه كمقدمة الآجرومية مثلا وإن أردت الزيادة فيه فالكافية لابن الحاجب أو الألفية لابن مالك ثم مراجعة شروح كل من ذلك، وأما الإكثار منه فإنه يورث الجمود في القلب كما نقله صاحب القوت: وقال الذهبي: الإكثار يورث التحامق والتكبر على الناس .




الخدمات العلمية