الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الرابع : أن لا يكون العمل واجبا على الأجير أو لا ، يكون بحيث لا تجري النيابة فيه عن المستأجر .

فلا يجوز أخذ الأجرة على الجهاد ولا ، سائر العبادات التي لا نيابة فيها إذ لا يقع ذلك عن المستأجر .

ويجوز عن الحج وغسل الميت ، وحفر القبور ، ودفن الموتى ، وحمل الجنائز .

وفي أخذ الأجرة على إمامة صلاة التراويح ، وعلى الأذان ، وعلى التصدي للتدريس وإقراء ، القرآن ، خلاف .

التالي السابق


وأشار إلى فروع قوله حاصلا للمستأجر بقوله: (الرابع: أن لا يكون العمل واجبا على الأجير، ولا يكون بحيث لا تجري النيابة فيها عن المستأجر) أي: الشرط في الإجارة أن تكون المنفعة حاصلة للمستأجر (فلا يجوز أخذ الأجرة على الجهاد، وعلى سائر العبادات التي لا نيابة فيها) أي: لا تجري النيابة فيها; (إذ لا يقع ذلك عن المستأجر) بل للأجير .

اعلم أنه يجوز الاستئجار للعبادة التي لا اعتبار بها إلا بالنية، كالصوم، والصلاة; إذ لا تدخل فيها النيابة، فما لا تدخل فيه النيابة لا تصح الإجارة عليها; لأن الاستئجار إنابة خاصة .

ثم ما لا يعتد بالنية فيه إما من فروض الكفايات، وإما من الشعائر، أما فروض الكفايات فأنواع، منها: الجهاد، فمتن المحرر مشعر بأنه قابل للنيابة، ويجوز الاستئجار له، لكن الأصح: أنه لا يصح استئجار المسلم له; لأنه مكلف بالجهاد، والذب عن الملة الحنيفية، فيقع عنه، وهذا هو الذي مشى عليه المصنف هنا، وفي الوجيز: وللإمام استئجار أهل الذمة للجهاد في وجه; إذ لا يقع لهم .

(ويجوز عن الحج) أي: ويستثنى من العبادة التي لا اعتداد بها إلا بالنية أمور، منها: الحج، فإنه يجوز النيابة فيه، والاستئجار، وقد تقدم في بابه .

(وغسل الميت، وحفر القبور، ودفن الموتى، وحمل الجنائز) أي: وكذا يجوز الاستئجار لهذه الأمور، فإنها تجري فيها النيابة، والإجارة; لأنها أولا تتعلق بشخص كالوارث، أو بمحل كالتركة، ثم له أن يأمر غيره إن عجز بنفسه، وكذلك مؤنات هذه المذكورات، تتعلق بمال الميت، فإن لم يكن له مال أصلا، أو له مال ولا وفاء فيه، فحينئذ يجب على الناس القيام بها إن لم يكن في بيت المال شيء، فحينئذ يجوز الاستئجار عليه; لأن الأجير غير مقصود بفعله حتى يقع عنه .

وأما القسم الثاني الذي هو [ ص: 463 ] من الشعائر فقد أشار إليه المصنف بقوله: (وفي أخذ الأجرة على إمامة صلاة التراويح، وعلى الأذان، وعلى التصدير للتدريس، أو إقراء القرآن، خلاف) ونصه في الوجيز: واستئجار الإمام على الأذان جائز، وقيل: إنه ممنوع كالجهاد، وقيل: إنه يجوز لآحاد الناس، وهو الأصح; ليحصل للمستأجر فائدة معرفة الوقت، ولا يجوز الاستئجار على إمامة الصلاة الفريضة، وفي إمامة التراويح خلاف، والأصح: منعه، اهـ .

اعلم أن المذهب: جواز الاستئجار على الأذان، لكن المؤذن في مقابلة أي شيء يأخذ الأجرة؟ فيه وجوه، أحدها: أنه يأخذها على رعاية المواقيت. والثاني: على رفع الصوت. والثالث: على الحيعلتين، فإنهما ليسا من الأذكار، والأصح: أنه يأخذها على المجموع، ولا بعد على استحقاق الأجر على ذكر الله، كما لا يبعد في تعليم القرآن .

وأما الإمامة للصلوات المفروضة، فإن الاستئجار لها ممنوع; إذ لا بد لكل مكلف من إقامة الصلاة .

وفي الاستئجار للتراويح وسائر النوافل وجهان، أصحهما: المنع; لأن الإمام مصل لنفسه، ومهما يصلي يقتدي به من يشاء، وإن لم ينو الإمامة، ومن جوزه ألحقه بالأذان; ليتأدى الشعار .

ومن ذلك: أن الاستئجار للقضاء لا يصح; لأن المتصدي للقضاء يتعلق بعمله أمر الناس عامة; ولأن عمله غير مضبوط .

وأما الاستئجار للتدريس فقد أطلقوا المنع فيه، ولكن الظاهر: أن إطلاقهم في التدريس العام، لأن عمله غير عام، وهو من فروض الكفاية .




الخدمات العلمية