الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وقد كانت الغنيمة محرمة على من تقدم من الأنبياء وكانت تجمع فتنزل نار من السماء فتحرقها إلى أن أحلها الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي إلى أن قال : وأحلت لي الغنائم الحديث . فجعلها الله تعالى في صدر الإسلام ملكا لرسوله - صلى الله عليه وسلم - خالصا دون غيره بقوله تعالى : يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله [ الأنفال : 1 ] . والأنفال هي : الغنائم ؛ لأن النفل في كلامهم هو الزيادة من الخير ومنه صلاة النافلة ، وقاللبيد بن ربيعة :


                                                                                                                                            إن تقوى ربنا خير نفل وبإذن الله ريثي وعجل



                                                                                                                                            فسميت الغنائم أنفالا لأنها زيادة مال مستفاد وفي السبب الذي نزلت هذه الآية من أجله ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                            أحدها : أن أهل بدر شكوا في غنائمها فأنزل الله تعالى : يسألونك عن الأنفال [ الأنفال : 1 ] . ولم يعلموا حكم إباحتها وحظرها حتى سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها فأنزل الله تعالى : يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول [ الأنفال : 1 ] .

                                                                                                                                            والثاني : أن شبان المقاتلة يوم بدر تسارعوا إلى القتال وثبت الشيوخ تحت الرايات ، فلما فتح الله عليهم قال الشبان : نحن أحق بالغنائم لقتالنا ، وقال الشيوخ : لا تستأثروا علينا فإنا كنا رداء لكم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية فيهم .

                                                                                                                                            والثالث : أن من شهد بدرا من المهاجرين والأنصار اختلفوا وكانوا أثلاثا في الغنائم أيهم أحق بها ، فنزلت هذه الآية فيهم وجعلها الله لرسوله دونهم حسما لتنازعهم ، فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم على رأيه واجتهاده وأدخل منهم ثمانية لم يشهدوا بدرا ، منهم [ ص: 388 ] عثمان بن عفان وطلحة - رضي الله عنهما - ، أما عثمان فلتشاغله بتمريض زوجته رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأما طلحة فلأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد كان أنفذه ليتعرف خبر العير وأبي سفيان ، ثم أن الله تعالى نسخ هذه الآية بقوله سبحانه : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل [ الأنفال : 41 ] الآية ، فلما أضاف الله تعالى مال الغنيمة إلى الغانمين ، ثم استثنى من خمسه لرسوله - صلى الله عليه وسلم - ومن سمي معه أهل الخمس بقوله تعالى : فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل دل على أن الباقي من أربعة أخماسه ملك للغانمين كما قال تعالى : وورثه أبواه فلأمه الثلث [ النساء : 11 ] فدل إضافة المال إليهما على استثناء الثلث منه للأم يوجب أن يكون الباقي للأب ، ثم يدل على ذلك ما روي عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - تارة موقوفا عليه ، وتارة مسندا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " الغنيمة لمن شهد الوقعة " ، فصار مال الغنيمة مقسوما على خمسة وعشرين سهما ، خمسة منها لأهل الخمس وهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذوو القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، وفيه خلاف يذكر من بعد وأربعة أخماسه وهو عشرون سهما تقسم بين الغانمين لا يجوز أن يشاركهم فيه غيرهم ولا يفضل ذو غنى على غيره ، فهذا حكم مال الغنيمة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية