الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال الرازي: الوجه الخامس: "نقدر أن الأدوار الماضية من اليوم لا إلى أول جملة، ومن الأمس كذلك، ثم نطبق الطرف المتناهي من إحدى الجملتين في الوهم على الطرف المتناهي من [ ص: 366 ] الأخرى، ونقابل كل فرد إحداهما بنظيره من الأخرى، فإن لم تقصر إحداهما عن الأخرى في الطرف الآخر كان الشيء مع غيره كهو لا مع غيره، وإن قصرت كانت متناهية، والأخرى زائدة بقدر متناه فهي متناهية أيضا".

قال الأرموي: "ولقائل أن يقول: الجملة الناقصة لا تنقطع من طرف المبدأ، وإنما يكون الشيء مع غيره كهو لا مع غيره، إذا كان أفراد الزائد مثل أفراد الناقص كما في مراتب الأعداد من الواحد إلى ما لا يتناهى ومن العشرة إلى ما لا يتناهى، إذا طبقنا إحدى الجملتين على الأخرى".

قلت: المعترض لم يبين فساد الحجة، بل عارضها معارضة، وغيره قد يمنع كلتا المقدمتين أو إحداهما، فالمعترض يقول: "وإن قصرت كانت متناهية" فنقول: إنما تكون متناهية لو كانت منقطعة [ ص: 367 ] من طرف المبدأ، فأما مع عدم انقطاعها فلا نسلم تناهيها، كما أن المستقبل وتضعيف العدد لما لم يكن منقطعا من جهة المنتهى لم يكن متناهيا، وإن أمكن فيه مثل هذه المقابلة.

وأما غيره فيجيب بثلاثة أجوبة:

أحدها: قوله: "فإن لم تقصر إحداهما عن الأخرى في الطرف الآخر كان الشيء مع غيره كهو لا مع غيره" فنقول: هذا إنما يلزم إذا طبقنا إحدى الجملتين على الأخرى" والتطبيق في المعدوم ممتنع، كما في تطبيق مراتب الأعداد من الواحد إلى ما لا يتناهى، ومن العشرة إلى ما لا يتناهى، ومن المائة إلى ما لا يتناهى فإنا نعلم أن عدد تضعيف الواحد أقل من عدد تضعيف العشرة، وعدد تضعيف العشرة أقل من عدد تضعيف المائة، وعدد تضعيف المائة أقل من تضعيف الألف، والجميع لا يتناهى، وهذه الحجة من جنس حجة مقابلة دورات أحد الكوكبين بدورات الآخر، لكن هناك الدورات وجدت وعدمت، وهنا قدرت الأزمنة والحركات الماضية ناقصة وزائدة.

ومما يجاب به عن هذه الحجة - وهي أشهر حججهم - أن يقال: لا نسلم إمكان التطبيق، فإنه إذا كان كلاهما لا بداية له، وأحدهما [ ص: 368 ] انتهى أمس، والآخر انتهى اليوم: كان تطبيق الحوادث إلى اليوم على الحوادث إلى الأمس ممتنعا لذاته، فإن الحوادث إلى اليوم أكثر، فكيف تكون إحداهما مطابقة للأخرى؟ فلما كان التطبيق ممتنعا جاز أن يلزمه حكم ممتنع.

أيضا فيقال: نحن نسلم أنها متناهية من الجانب المتناهي، لكن لم قلت: إذا كانا متناهيين من أحد الجانبين كانا متناهيين من الجانب [ ص: 369 ] الآخر؟ وهذا أول المسألة، والتفاضل وقع من الجانب المتناهي، لا من الجانب الذي ليس بمتناه، فلم يقع فيما لا يتناهى تفاضل.

التالي السابق


الخدمات العلمية