الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مسألة : ( ثم قد حل له كل شيء إلا النساء ) .

لا يختلف المذهب أنه إذا رمى الجمرة ونحر وحلق أو قصر : فقد حل له اللباس والطيب والصيد ، وعقد النكاح ، ولا يحل له النساء ، وهذا يسمى التحلل الأول ، وذلك لما روي عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا رميتم [ ص: 536 ] الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء ، فقال رجل : والطيب ؟ فقال ابن عباس أما أنا فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضمخ رأسه بالمسك أفطيب ذلك أم لا ؟ " هكذا رواه أحمد ، واحتج به في رواية ابنه عبد الله ، قال ابن عباس : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء " وساق الحديث ، وكذلك رواه أبو بكر في الشافي من حديث أحمد ، ومحمد بن إسماعيل الترمذي عن وكيع ، ثنا سفيان ، عن سلمة ، عن الحسن العرني ، ورواه النسائي من حديث يحيى بن سعيد ، وابن ماجه من رواية ابن أبي شيبة والطنافسي عن وكيع ، ومن رواية محمد بن خلاد الباهلي عن [ ص: 537 ] يحيى عن وكيع وابن مهدي ، ثلاثتهم عن سفيان عن سلمة عن الحسن عن ابن عباس قال : " إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء " جعلوا أوله موقوفا على ابن عباس ، ولذلك قيل إنه في المسند .

وعن الحجاج بن أرطاة عن الزهري عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب والثياب ، وكل شيء إلا النساء " رواه أحمد والد ... ، وأبو داود ، ولفظه : " إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء " وقال : هذا حديث ضعيف ، الحجاج لم ير الزهري ولم يسمع منه .

وعن عائشة قالت : " كنت أطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه قبل أن يحرم ، ولحله قبل أن يطوف بالبيت " متفق عليه ، ولفظ مسلم وغيره : " ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك " .

وفي رواية للنسائي : " ولحله بعد ما يرمي جمرة العقبة قبل أن يطوف بالبيت " .

فإذا ثبت بهذه السنة حل الطيب ، وهو من مقدمات النكاح ودواعيه ، فعقد [ ص: 538 ] النكاح أولى ; ولأن الله سبحانه قال : ( قم الليل ) ولم يقيده بالحل من جميع المحظورات ، بل هو مطلق ونكرة في سياق الشرط ، فيدخل فيه كل حل سواء كان حلا من جميع المحظورات ، أم من أكثرها ، أم من بعضها .

وقال في الآية الأخرى : ( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ) وإذا رمى الجمرة فليس بحرام ; ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لا ينكح المحرم ولا ينكح " وبعد الجمرة ليس بمحرم ; بدليل أنه إذا نذر ... .

وفي المحرم من النساء روايتان :

إحداهما : يحرم عليه جميع وجوه الاستمتاع من الوطء والمس والقبلة وغير ذلك ، وعلى هذا فيحرم عليه ... ، وهذا اختيار عامة أصحابنا ; مثل الخرقي وأبي بكر وابن حامد والقاضي وأصحابه .

والرواية الثانية : قال في رواية أبي طالب وقد سأله عن القبلة بعد رمي جمرة العقبة قبل أن يزور البيت ؟ فقال : ليس عليه شيء قد حل له كل شيء إلا النساء .

[ ص: 539 ] فمن أصحابنا من قال : هذا يدل على أنه يباح له كل شيء إلا الوطء في الفرج ; لأنه أباح له القبلة ، وحكوا هذه الرواية لذلك .

ومنهم من قال : ظاهر هذا أنه أباح له القبلة بعد التحلل الأول .

وقال القاضي : عندي أن قوله : ليس عليه شيء أي ليس عليه دم ، لا أنها مباحة ، وهذا من القاضي يقتضي أنها محرمة ولا دم فيها .

التالي السابق


الخدمات العلمية