الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                التمهيد

                تاريخ ضمان الودائع المصرفية

                ظهرت مؤسسات ضمان الودائع في معظم الدول إثر مصاعب مالية تعرضت لها المصارف الصغيرة والكبيرة، وفقدت بسببها أموالا طائلة. وكان الغرض من هذه المؤسسات هو تأكيد وزيادة الثقة بالنظام المالي والمصرفي عموما، وتشجيع الادخار وإضفاء مرونة على السياسات النقدية في محيط التطبيق. والبنوك الإسلامية ليست استثناء من ذلك، فهي أحوج ما تكون لمثل هذا النوع من مؤسسات ضمان الودائع، أولا: لأنها الأحدث في محيط العمل المصرفي. وثانيا: لأنها تفتقد السند الذي تقدمه المصارف المركزية للمصارف التي تحت إشرافها. [1]

                ومع أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت أول دولة تقيم نظاما لضمان الودائع المصرفية في ولاية نيويورك على مستوى الولاية، إلا أن تشيكوسلوفاكيا تعد أول دولة أنشأت نظاما متطورا لحماية الودائع والقروض على المستوى القومي، وذلك عام 1924م [2] . [ ص: 16 ]

                وعدا هاتين الدولتين (تشيكوسلوفاكيا، وأمريكا) نجد الدول الأخرى أنشأت نظم ضمان الودائع المصرفية في عقود متأخرة، ففي عقدي الستينيات والسبعينيات بدأت الدول الأخرى بمشروع حماية الودائع وذلك عقب أزمات مصرفية في هذه الدول.

                ففي ألمانيا أنشئ صندوق خاص لحماية أموال المودعين بعد انهيار بنك "هيرشتات" عام 1974م، وفي بريطانيا أدى حدوث أزمات مصرفية حادة مع بداية السبعينيات إلى إنشاء نظام حماية المودعين، عام 1979م. وأنشأت إيطاليا في الثمانينيات نظاما لحماية الودائع، تلتها فرنسا في العام 1985م، عقب انهيار البنك السعودي الفرنسي [3] .

                وعربيا تعد لبنان أول دولة اهتمت بإنشاء نظام حماية المودعين، حيث أنشأت عام 1967م، مؤسسة وطنية لضمان الودائع، تلتها مملكة البحرين بإنشاء مجلس حماية الودائع عام 1993م، ثم السودان بإنشاء صندوق الودائع المصرفية عام 1996م، كما قام الأردن بإنشاء مؤسسة ضمان الودائع المصرفية عام 2000م، وقامت جمهورية مصر العربية بتقديم قانون لإنشاء صندوق التأمين على الودائع المصرفية [4] . [ ص: 17 ]

                ويـتـمركز ضـمـان الـودائـع المـصـرفيـة في العـالـم على ثـلاثـة أسـاليـب هي: الضمـان الضـمـنـي غـير المـقـنن، والضـمان المقنـن الجـزئي، والضمان المقنن الكامل

                [5] .

                فالضمان الضمني غير المقنن يتمثل بالتزام سياسي عام، غير محدد المعالم من قبل الدولة في حالة إفلاس أحد المصارف المحلية. ومن ثم لا توجد في هذا النظام قواعد محددة لضمان الودائع، حيث لا يعرف المودعون مقدار الضمان ولا حتى وجوده نفسه إلا بعد حدوث أزمة مصرفية، وعندها يمكن أن تتقدم الحكومة بالالتزام بالتعويض الجزئي أو الكلي عن الودائع الهالكة [6] .

                أما الضمان المقنن الكامل فقد طبقته عدة دول منها اليابان والمكسيك وتركيا وغيرها. ففي ظل هذا النظام تقوم الحكومة بضمان الودائع المصرفية بكاملها في حالة انهيار أي من المصارف المحلية [7] .

                في حين يتبنى معظم الدول نظام الضمان الجزئي المقنن؛ لأنه أقل كلفه وأبعد عن احتمالات إساءة الاستعمال الناتجة عن ضعف الرقابة والإشراف [ ص: 18 ] وعن المخاطر الأخلاقية "Hazard Moral" ذات العلاقة بإدارة الشركات "Corporate Governing". ومع ذلك يلاحظ أن الدول تتفاوت كثيرا في حجم الضمان الذي تقدمه، ففي حين لا تقدم المملكة المتحدة وسويسرا وشيلي ضمانا يزيد عن مستوى دخل الفرد السنوي في كل منها، نجد أن الولايات المتحدة تقدم ما يقارب أربعة أضعاف دخل الفرد

                [8] .

                وفي ضوء ما سبق من أساليب الضمان الثلاثة يرى الباحث أن الضمان الجزئي هو الأولى من غيره، ولعل ذلك يرجع إلى مشاركة ومساهمة المودعين والعاملين في الخسارة، بحيث يخسر رب الأموال بعض ماله، بينما يخسر العامل جهده، وهذا الاختيار مبني على مراعاة مزايا كل أسلوب من أساليب الضمان الثلاثة: بعيدا عن مشروعيته، أو عدم مشروعيته، الذي سيأتي الكلام عنه عند الحديث عن ضمان الفريق الثالث (الحكومة أو غيرها). [ ص: 19 ]

                التالي السابق


                الخدمات العلمية