الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                المطلب الثاني

                ضمان الطرف الثالث

                يراد بضمان الطرف الثالث: أن يتقدم طرف أو هيئة، مستقلة عن علاقة عقد المضاربة بين أصحاب الأموال من المودعين وبين المصرف الإسلامي، بضمان رأسمال المضاربة [1] . وقـد يكون الـطـرف الثـالث هـذا فردا أو شـركة أو مؤسسة أو حكومة [2] .

                ومن المعلوم أن وجود مؤسسة أو مؤسسات متخصصة لضمان الودائع، خارجة عن البنك الوديع نفسه، يزيد من ثقة المودعين ويخفف عن قلقهم عند اشتداد العاصفة [3] .

                أما الأساس الشرعي لضمان الطرف الثالث، فهو يقوم على التبرع المحـض، إذ للمـتـبـرع أن يـتـبرع بـما يشـاء بـمـاله لمـن يشاء وكيفـمـا يشاء؛ [ ص: 145 ] لأن "الناس مسلطون على أموالهـم، يفعـلون بـها ما يشـاؤون، لا يـقـيـدهم في ذلك إلا قيد الشرع" [4] .

                هذا، وإن ضمـان الطرف الثالث يـقـتـصر على ما حصـل مـن نـقـص في رأسمـال؛ نظرا لعنـاية المضـاربين بالمحافظة على أموال الاستثمار، ولتشجيعهم عليه [5] .

                والحقيقة أنه لما كان ضمان الطرف الثالث يقوم على التبرع، فلا يقتصر على رأس المال فقط، بل يشـتـمـل على عـائد أيضا. إذ للمتـبرع أن يتبرع بما يشاء، ولكن مثل هذا الضمان يحتاج إلى مبررات حقيقية قائمة على تحقيق مصلحة عامة إذا ما كانت الدولة هي الطرف الثالث، الذي سيقدم الضمان؛ لأن الدولة وكيلة عن الأمة في تصرفاتها. أما إذا كان الضمان مقدما من جمعية - تكون هي الطرف الثالث الخارجي عن عقد المضاربة - يؤسسها أرباب الأموال أو تؤسس لهم من قبل البنك الإسلامي أو من قبل الدولة فإن التبرع مفتوح عندئذ ولا يحده إلا اتفاق فيما بينهم [6] . [ ص: 146 ]

                وذلك لأن في مقاصد الشريعة العامة وقواعدها الكلية لا يوجد ما يمنع من صحة تبرع شخص أو مؤسسة، حكومية كانت أو غير حكومية، بتحديد مبلغ من المال للتبرع [7] .

                ومن أمثلة ضمان الطرف الثالث، الذي يمكن أن يفعل في ضمان الودائع المصرفية، صندوق لضمان رأس مال الودائع المصرفية يؤسسه البنك الإسلامي، أو مؤسسة لضمان الودائع تؤسسها الدولة. ولدينا مثالان جديران بالدراسة في هذه المسألة هما تجربة السودان وتجربة ماليزيا مع ملاحظة أن معظم البلدان الإسلامية الأخرى ليس لديها نظم لضمان الودائع [8] .

                وقد أجاز مجمع الفقه الإسلامي ضمان رأس مال المضاربة من طرف ثالث على سبيل التبرع، كما ورد في القرار رقم (5) من الدورة الرابعة: "ليس هناك ما يمنع شرعا من النص في نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على وعد طرف ثالث منفصل في شخصيته وذمته المالية عن طرفي العقد بالتبرع بدون مقابل بمبلغ مخصص لجبر الخسران في مشروع معين، على أن يكون التزاما مستقلا عن عقد المضاربة، بمعنى أن قيامه بالوفاء بالتزامه ليس شرطا في نفاذ العقد وترتب أحكامه عليه بين أطرافه، ومن ثم فليس لحملة الصكوك أو عامل [ ص: 147 ] المضاربة الدفع ببطلان المضاربة أو الامتناع عن الوفاء بالتزاماتهم بها بسبب عـدم قـيام المـتـبرع بالـوفاء بـما تـبرع به، بحجة أن هذا الالتزام كان محل اعتبار في العقد".

                والمتأمل في هذا القرار يرى أنه اشترط لصحة ضمان الجهة الثالثة عددا من الشروط، وهي كالآتي:

                1- استـقلال وعد الـطرف الثـالث في شخصيتـه وذمته المالية عن طرفي العقد.

                2- أن يكون الضمان تبرعا دون مقابل.

                3- أن يكون التزام الضمان التزاما مستقلا عن عقد المضاربة [9] .

                "والمقصود من النص على هذه الشروط في القرار هو ضمان عدم التلاعب بقضية الضمان حتى لا ينقطع الخيط الرفيع بين البنوك الإسلامية وغيرها وهو الغرم بالغنم أو الخراج بالضمان" [10] .

                وعلى هذا، يمكن القول: إن تبرع طرف ثالث مستقل تماما عن معاملة المضاربة بالضمان جائز، بمراعاة الضوابط المذكورة أعلاه، سواء كان هذا الطرف شخصا طبيعيا أو اعتباريا كالحكومة أو مؤسسة خاصة. [ ص: 148 ]

                التالي السابق


                الخدمات العلمية