الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                المطلب الأول

                في مفهوم الودائع المصرفية

                لكي نتصور مفهوم الودائع المصرفية، يجدر بنا أن نتعرض أولا لمعنى الوديعة، من حيث اللغة والشرع، ثم نتعرف على مفهوم الوديعة المصرفية، وهذا يقتضي تقسيم هذا المطلب إلى فرعين: مفهوم الوديعة، ومفهوم الوديعة المصرفية.

                وبيان ذلك فيما يأتي:

                الفرع الأول: مفهوم الوديعة:

                أ- تعريف الوديعة لغة:

                الوديعة: مصدر من (ودع)، الواو والدال والعين: أصل واحد يدل على معنى الترك والتخلية [1] .

                وقيل هي: من ودع يدع إذا سكن؛ لأنها ساكنة عند الوديع، وقيل هي: من الدعة أي الراحة؛ لأنها تحت راحته ومراعاته [2] .

                والوديعة فعيلـة بمعنى مفعولة، تقول: أودعت زيدا مالا: دفعته إليه؛ ليكون عنده وديعة، وجمعـها ودائـع؛ وأودعـه مـالا: قبلـه منه وديعة، وهو من الأضداد [3] . [ ص: 35 ]

                ب- الوديعة في الاصطلاح الفقهي:

                أما الوديعة في الاصطلاح الفقهي فهي: المال الموضوع عند (الغير) ليحفظه، وزاد الحنابلة بلا عوض [4] .

                أو هي التي يضعها مالكها عند آخر ليحفظها [5] .

                أمـا الإيداع فـهو: تـوكيل صـاحب المـال شخصا لحفظ المال تبرعا بلا تصرف فيه [6] .

                الفرع الثاني: مفهوم الوديعة المصرفية:

                من المعلوم أن الودائع المصرفية في العرف المصرفي نوعان: "ودائع عينية حقيقية كإيداع أشياء معينة من ذهب أو مستندات لدى البنك، حيث توضع في خزائن حديدية بالأجرة، وودائع نقدية" [7] . والمقصود في دراستنا هذه هو تلكم الودائع المصرفية النقدية، التي توضع لدى البنوك.

                أ- تعريف الوديعة المصرفية النقدية:

                تعرف الـوديعة المصـرفية عـلى أنـهـا: الأمـوال، التـي يعـهـد بـهـا الأفراد أو الهيئات إلى المصرف، على أن يتعهد برد مساو لها أو نفسها لدى الطلب أو بالشروط المتفق عليها [8] . [ ص: 36 ]

                وعرفها الصدر بقوله: "تعبر الوديعة بمختلف أشكالها في مفهوم البنوك الربوية عن مبلغ من النقود يودع لدى البنوك بوسيلة من وسائل الإيداع، فينشئ وديعة تحت الطلب أو لأجل محدد اتفاقا، ويترتب عليه من ناحية البنك الالتزام بدفع مبلغ معين من وحدات النقد القانونية للمودع أو لأمره أو لدى الطلب أو بعد أجل" [9] .

                يقول محمد تقي العثماني: إن كلمة الوديعة المصرفية مترجمة من الكلمة الإنجليزية: "Bank Deposit"، ويقصد بها: المال الذي أودعه صاحبه في مصرف من المصارف المالية، إما لمدة محددة، أو بتعاهد من الفريقين بأن للمالك أن يستعيده كله أو جزءا منه متى شاء [10] .

                ب - أهم الفروق بين مفـهـوم الوديـعـة الفـقـهـيـة وبين الـوديـعـة المصرفية النقدية:

                وفي ضوء ما سبق، يتبين أن مفهوم الوديعة المصرفية النقدية إنما هو مفهوم مغاير لعقد الإيداع بالنظر الفقهي؛ ذلك أن الوديعة (فقهيا) هي في الأصل: المال الذي يوضع عند آخر لأجل الحفظ. بينما الوديعة المصرفية النقدية بصورتها الحسابية ليست توكيلا للمصرف على حفظ المال؛ بل المعمول به في [ ص: 37 ] البنوك أن هذه الودائع لا تبقى عند المصرف كما هي؛ وإنما يخلط بعضها ببعض، ويستثمر بعضها في تمويلات يقدمها إلى عملائه، ويلتزم بإعادتها إلى المالك حسب الشروط المتفق عليها.

                وبهذا، يبدو أن "مصطلح الوديعة" المستعمل في عمليات البنوك، ليس هو بالمعنى الفقهي المصطلح عليه.

                وبالتالي، فإن استخدام لفظ "ودائع" بدلا من "قروض" إنما كان صحيحا في مرحلة تاريخية من مراحل التطور المصرفي، حيث كان الناس يودعون نقودهم عند الصائغ أو الصيرفي مقابل أجر يتقاضاه، لكن عندما بدأ هؤلاء الصيارفة باستغلال هذه الأموال وبإقراضها إلى غيرهم، لم تعد هذه العمليات ودائع، وكان ينبغي منذ ذلك الوقت ترك هذه التسمية والانتقال إلى التسمية الحقيقية وهي قروض [11] . وعليه فكان الأولى أن يتم تغيير المصطلح نفسه؛ لأن المضمون الفقهي قد فقد عن "مصطلح الوديعة".

                ومما سبق، يلاحظ أن مصطلح "الوديعة المصرفية" نقل إلينا من القانون الغربي، كغيره من المصطلحات المنقولة، فالوديعة المصرفية لا ينطبق عليها اصطلاح الوديعة الشرعية؛ لأن البنوك والمصارف لا تأخذها كأمانة وتردها إلى أصحابها بعينها، وإنما تتصرف فيها وتلتزم برد المثل، وأحيانا تدفع فوائد على الأموال، التي تودع عندها. [ ص: 38 ]

                التالي السابق


                الخدمات العلمية