الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                المطلب الأول

                مفهوم المخاطر

                أولا: تعريف المخاطر فـي اللغة:

                المخاطرة من الخطر -بفتحتين- ويشتمل على عدة معان، منها:

                1- الخطر: بمعنى الشرف والمنزلة وارتفاع القدر، يقال: للرجل الشريف: هو عظيم الخطر [1] .

                2- الإشراف على الهلاك [2] .

                3- اضطراب الحركة، والاهتزاز، وسميت الرماح الخواطر لاهتزازها واضطرابها [3] . [ ص: 56 ]

                ثانيا: الخطر فـي اصطلاح الفقهاء:

                الخطر هو: "بالخاء المعجمة والطاء المهملة: الإشراف على الهلاك، والمراد به هنا ما احتمل الوجود والعدم" [4] . وبهذا المعنى جاء عن ابن عباس، رضى الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ما العمل في أيام أفضل منها في هذه".. قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء ) [5] . ومعنى خرج يخاطر بنفسه أي: يلقيها في الهلكة بالجهاد [6] .

                وعرفه ابن القيم، فقال: " والمخاطرة مخاطرتان: مخاطرة التجارة. وهو أن يشتري السلعة بقصد أن يبيعها ويربح ويتوكل على الله في ذلك". ويعنى بالتوكل على الله في ذلك: احتمال الربح أو الخسارة، ولا خلاف أن أعمال التجارة لا تخلو منها [7] .

                "والخطر الثاني : الميسر - المراهنة- الذي يتضمن أكل المال بالباطل، فهذا الذي حرمه الله تعالى ورسوله مثل بيع الملامسة والمنابذة" [8] . [ ص: 57 ]

                فالمخاطرة تعنى التعرض لاحتمال الهلاك أو الخسارة في التجارة والمشاريع الاستثمارية.

                ثالثا: المعنى الاقتصادي للمخاطرة:

                للمخاطرة في المجال الاقتصادي عدة معان، أبرزها:

                1- احتمال الفشل في تحقيق العائد المتوقع [9] .

                2- حالة عدم التأكد، التي يمكن قياس درجتها [10] .

                والتعـريفان متقـاربان في المعنى، وهو الاحتمالية، وعدم التأكد من حصول العائد.

                3- تلك العوامل، التي تؤدي إلى الخلل في الأوضاع الاقتصادية نتيجة تغير المناخ الاقتصادي... [11] ، كالانخفاض في سعر السلعة يؤدي إلى الإضرار بالبائع وربما إلى إفلاسه، وكذلك الارتفاع الشديد لسعر السلعة يؤدي إلى الإضرار بالمشتري، وربما إلى عدم القدرة على الوفاء بالتزاماته إذا كان ملتزما بتوريد سلعة مثلا [12] . [ ص: 58 ]

                4- وقد عرفتها لجنة التنظيم المصرفي وإدارة المخاطر المنبثقة عن هيئة قطاع المصارف في الولايات المتحدة الأمريكية, بأنها: "احتمالية حصول الخسارة, إما بشكل مباشر من خلال خسائر في نتائج الأعمال, أو خسائر في رأس المال, أو بشكل غير مباشر من خلال وجود قيود تحد من قدرة المصرف على الاستمرار في تقديم أعماله وممارسة نشاطاته من جهة, وتحد من قدرته على استغلال الفرص المتاحة في بيئة العمل المصرفي من جهة أخرى" [13] .

                فمخاطر الاستثمار قد تدخل عليه من أوجه مختلفة، فهي لا تقتصر على عدم التأكد من حصول العائد فقط، [ ص: 59 ] وإنما من حجمه أيضا، فقد يتحقق العائد ولكن بنسب غير مغرية، وقد يتحقق العائد ولكن لا يكون بشكل مستمر, فقد يكون لفترات متقطعة، أو يتحقق لفترة ثم ينقطع، أو قد يتحقق بعد فترة غير مرغوب فيها [14] .

                مما سبق من تعريف المخاطر يتجلى أن المعنى الاصطلاحي للخطر عند الاقتصاديين والفقهاء لا يخرج عن المعنى اللغوي؛ لأن هذه التعريفات كلها متقاربة في معانيها، وهي الاضطراب واحتمالية الفشل من حصول العائد المخطط له، أي عدم التأكد من حصول العائد.

                التالي السابق


                الخدمات العلمية