الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                المطلب الأول

                الضمان المصرفي الإسلامي

                في هذا المطلب سأقوم بتعريف كل من الضمان والمصرف من حيث اللغة والاصطلاح باعتبارهما من المصطلحات الخاصة، ثم أعرف مفهوم الضمان المصرفي باعتباره مركبا إضافيا وذلك من خلال النقاط الآتية:

                أولا: مفهوم الضمان.

                ثانيا: مفهوم المصرف الإسلامي.

                ثالثا: مفهوم الضمان المصرفي.

                أولا: مفهوم الضمان:

                أ- مفهوم الضمان لغة:

                الضمان مصدر (ضمن)، وقد ذكر علماء اللغة للضمان عدة معان، منها:

                1- الاحتواء: "الضاد والميم والنون أصل صحيح، وهو جعل الشيء في شيء يحويه. ومن ذلك قولهم: ضمنت الشيء: إذا جعلته في وعائه" [1] . [ ص: 20 ]

                2- الحفظ والرعاية: وبهذا المعنى جاء في الحديث: ( الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن ) [2] .

                3- الكفالة: الضمين: الكفيل. ضمن الشيء وبه ضمنا وضمانا: كفل به. وضمنه إياه: كفله" [3] .

                وبهذا المعنى جاء حديث النبي صلى الله عليه وسلم يقول أبو هريرة رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تضمن الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا جهادا في سبيلي وإيمانا بي وتصديقا برسلي، فهو علي ضامن أن أدخله الجنة... ) [4] .

                4- الالتزام بالشيء: تقول: "ضمنت المال وبه ضمانا فأنا ضمين: التزمته، ويتعدى بالتضعيف، فيقال: ضمنته المال ألزمته إياه" [5] . [ ص: 21 ]

                5- التغريـم: تـقـول: "وضمنته الـشـيء تضمينا، فتضمنه عـني: غرمته فالتزمه" [6] .

                ولعل أقرب هذه المعاني لدراستنا هذه هو الالتزام والتغريم.

                ب- تعريف الضمان في اصطلاح الفقهاء:

                المتتبع لأقوال الفقهاء يلاحظ أنهم لم يستخدموا الضمان بمعنى الكفالة فقط، بل استخدموه بالمعنى الأعم من ذلك، ليدل على معان أخرى، كالتزام بالتعويض، وتحمل تبعة الهلاك أو التلف أو الخسارة أو غير ذلك.

                فمن عبـارات الفـقهاء، التي تشير إلى أن الضمان يراد به معنى الكفالة ما يلي:

                عـرفـه الحنـفـيـة بأنه: "ضم ذمة إلى ذمة في حق المطالبة، أو في حق أصل الدين" [7] .

                وعرفه المالكية بأنه: "شغل ذمة أخرى بالحق" [8] . [ ص: 22 ]

                وعرفه الشافعية بأنه: "التزام حق ثابت في ذمة الغير، أو إحضار عين مضمونة، أو بدن من يستحق حضوره" [9] .

                وعـرفـه الحـنـابـلـة بأنـه: "ضم ذمـة الضامن إلى ذمـة المـضـمـون عنه في التزام الحق" [10] .

                فهذه التعريفات جميعها متقاربة، فهي تعطي معنى واحدا للضمان وهو الالتزام بحق ثابت في ذمة (الغير)، مالي كان أو بدني.

                أما استخدامهم الضمان بمعنى التلف أو الهلاك أو النقص في رأس مال الاستثمار فيرد في باب المضاربة والوكالة والغصب.. وللفقهاء أقوال في ذلك:

                فقد عرفه أبو العباس الحموي، قائلا: "الضمان عبارة عن رد مثل الهالك إن كان مثليا، أو قيمته إن كان قيميا" [11] .

                وجاء في مجلة الأحكام، المادة (416): "هو إعطاء مثل الشيء إذا كان من المثليات، وقيمته إذا كان من القيميات" [12] . [ ص: 23 ]

                وعرفه الشوكاني بأنه: "عبارة عن غرامة التالف" [13] .

                وعـرفـه علي الخـفيـف بأنـه: "شغل الـذمـة بـما يجب الوفاء به من مال أو عمل" [14] .

                وعرفه الزحيلي بأنه: "هو الالتزام بتعويض الغير عما لحقه من تلف المال أو ضياع المنافع، أو عن الضرر الجزئي أو الكلي الحادث بالنفس الإنسانية" [15] .

                وعرفه القرة داغي، فقال: إن الضمان يطلق ويراد به الكفالة، كأن يضمن شخص آخر، كما يطلق على ضمان الاستثمارات من الخسائر والنقص والتلف من قبل المضارب، أو الشريك، أو الوكيل... [16] .

                - التعريف المختار:

                ومما سبق من التعريفات للضمان، يبدو لي، والله أعلم، أن تعريف الأستاذ الدكتور علي محيي الدين القرة داغي، هو الراجح، وذلك لسببين: [ ص: 24 ]

                أن هذا التعريف مشتمل على الالتزام بحق في ذمة أخرى.

                أن هذا التعريف تناول ضمان التلف والخسارة في رأس مال الاستثمار.

                ومما تجدر الإشارة إليه أن الضمان عرف في اصطلاح الفقهاء بتعريفات متعددة، والسبب في ذلك كما يقول الدكتور عمر إسماعيل: "كان استعمال الفقهاء لمصطلح الضمان في المحاور التالية:

                أولا: الضمان في المجال الجنائي، وفي هذا المعنى يدخل الحديث عن ضمان النفس والأرش...

                ثانيا: الضمان في المجال المدني والذي يقسم بدوره إلى الضمان المالي والضمان غير المالي، أما الأول فيدخل فيه كل ما يتعلق أو يؤول إليه مما يجب على المكلف ضمانه مما ألزمه به الشارع كضمان الزكاة وما يجب من الكفارات والنفقات..، أو مما التزم به وألزم به نفسه كالكفالة المالية، أو ترتب عليه إضرار غير مشروع بالغير يقتضي التعويض المالي.

                والثاني غير المالي: فيدخل فيه كل ما يتعلق بالالتزام غير المالي من الكفالة الشخصية وغيرها" [17] . [ ص: 25 ]

                ثانيا: مفهوم المصرف الإسلامي:

                فقد عرف المصرف [18] الإسلامي بأنه: مؤسسة مالية تقوم بدور الوساطة المالية بين فئتي المدخرين والمستثمرين مستخدما صيغ وأدوات التمويل الإسلامي المبني على مبدأ المشاركة في الربح والخسارة، تبعا لقاعدة شرعية هي: "الغنم بالغرم" [19] ، فضلا عن أدائه للخدمات المصرفية في إطار العقود الشرعية.

                ولقد نص في قانون إنشائه ونظامه الأساسي صراحة، على أن يلتزم بمبادئ الشريعة، وعلى عدم التعامل بالربا، أخذا وعطاء [20] . [ ص: 26 ]

                كما عرفه الدكتور جمال الدين عطية، بأنه: "البنك، الذي يلتزم بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في جميع معاملاته المصرفية والاستثمارية، من خلال تطبيق مفهوم الوساطة المالية القائم على مبدأ المشاركة في الربح والخسارة، ومن خلال إطار الوكالة بنوعيها، العامة والخاصة" [21] .

                أما النبوك التجارية الربوية فقد عرفت في عبارة واحدة هي: "التعامل في الائتمان والاتجار في الديون" [22] .

                من خلال التعاريف السابقة للبنوك الإسلامية يمكن القول: إنها تختلف في طبيعتها وأهدافها وغاياتها ومقاصدها عن المصارف الربوية. فهي تستقبل الودائع على أساس عقد المضاربة الشرعية، أو القرض بدون فائدة، بخلاف البنوك التجارية الربوية، التي تقوم باستخدام القرض بفائدة في جانبي الجذب والتوظيف.

                ثالثا: مفهوم الضمان المصرفي:

                بعد أن عرفنا كلا من الضمان والمصرف، من الناحيتين اللغوية والاصطلاحية، باعتبارهما من المصطلحات الخاصة، يجدر بنا أن نتعرض لمفهوم الضمان المصرفي باعتباره مركبا إضافيا. [ ص: 27 ]

                ولقد عرف الدكتور القرة داغي، مفهوم ضمان البنك بأنه: "التزام المضارب، أو الشريك، أو الوكيل بدفع تعويض عن أي خسارة تصيب المال المستثمر عنده" [23] .

                هذا يعني، أن البنك يتحمل مسؤولية رد رأس المال النقدي إلى رب المال في كل حال، سلم رأس المال أو لم يسـلم. ينطبق هذا على البنك الربوي؛ لأنه يأخذ جميع الودائع قروضا من أصحابها، والأمر ليس كذلك في البنك الإسلامي؛ لأن أموال المودعين في المصـرف الإسلامي على نوعين: قروض في الحسابات الجارية، ومضاربة في الحسابات الاستثمارية، فيد البنك الإسلامي في النوع الأول يد ضمـان، أما في النوع الثاني يد أمانة، والأمين لا يضمن إلا في حالات استثنائية [24] .

                وفي ضوء ما سبق، يتبين أن البنك الإسلامي يتحمل تبعة هلاك المال ونقصانه، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يضمن البنك الإسلامي في كل الأحوال أم لا؟ هذا مما تتم دراسته في المباحث الآتية. [ ص: 28 ]

                التالي السابق


                الخدمات العلمية