الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                المطلب الثاني

                مفهوم التفريط، صوره، وحكمه

                أولا: تعريف التفريط:

                التفريط في اللغة: التقصير، يقال: فرط في الأمر يفرط تفريطا، أي قصر فيه وضيعه حتى فات [1] . ويطلق أيضا على ترك الحيطة وهي من الاحتياط بمعنى الحفظ [2] ، أو إهمال الشيء المؤتمن عليه بترك ما يجب للمحافظة عليه، ونحو ذلك مما يعد تفريطا عرفا [3] .

                التفريط في الاصطلاح:

                لا يخرج المعنى الاصطلاحي للتفريط عن معناه اللغوي، ولذلك عرفه شيخ الإسلام ابن تيمية, بأنه: "ترك ما يجب عليه من غير عذر" [4] . [ ص: 133 ]

                ومما لا شك فيه أن ما ورد هنا من التعريف الاصطلاحي للتفريط يعد من باب المقاربة، وإلا فتعيينه إلى العرف.

                ثانيا: الفرق بين الإفراط والتفريط:

                يقال: فرط في الأمر تفريطا: قصر فيه وضيعه، وأفرط إفراطا: أسرف وجاوز الحد [5] .

                يقول الشريف الجرجاني: "إن الإفراط يستعمل في تجاوز الحد من جانب الزيادة والكمال، والتفريط يستعمل في تجاوز الحد من جانب النقصان والتقصير" [6] .

                ثالثا: الفرق بين التعدي والتفريط:

                مما سبق من تعريف التعدي، والتفريط يتبين أن التعدي يكون غالبا في صورة فعل، كإتلاف الأمانة، أو استعمالها بغير إذن صاحبها، أو مخالفة الشرط فيها، أو العرف، ونحو ذلك. أما التفريط فيكون غالبا في صورة ترك فعل، كترك الحفظ، أو التقصير فيه، أو عدم الإيصاء بالأمانة عند الموت، ونحو ذلك [7] .

                وتجدر الإشارة هنا إلى أن الشرع واللغة لم يحددا معنى التفريط الموجب للضمان. ومعلوم أن كل ما كان كذلك، فمرجع تحديده إلى العرف والعادة، وعلى هذا فإن كل ما عده الناس تفريطا، أنيط به الحكم ولزم به الضمان [8] . [ ص: 134 ]

                وهنا القاعدة المشهورة أن: "كل ما ورد به الشرع مطلقا، ولا ضابط له فيه، ولا في اللغة، يرجع فيه إلى العرف" [9] .

                رابعا: بعض الأمثلة لتفريط المصرف نحو أموال الاستثمار:

                - فلو باع المصرف بالدين أو بالتقسيط وهو مأذون فيه لكنه لم يأخذ الاحتياطات الكافية لحماية أموال المستثمرين كأن لم يقم بدراسة هذا العميل وقدرته على الأداء، أو لم يأخذ بالضمانات اللازمة حسب عرف البنك، فإنه يكون مقصرا وضامنا للأموال عند وقوع أية خسارة، مهما بلغت [10] .

                - وكذلك عدم توثيق المعاملة، سواء في صورة رهن أو كفيل، وكذا عدم تحرير العقود بدقة وتسجيلها لدى الجهات المختصة، ففي هذه الحالة يكون المصرف مفرطا، وضامنا للخسائر، إن وقعت [11] .

                - وأيضا عدم المتابعة الفعالة والتعرف على سير النشاط في المضاربات، وإهماله في اكتشاف المخاطر، التي يمكن أن تتعرض لها [12] . [ ص: 135 ]

                خامسا: حكم التفريط:

                اتفقت كلمة الفقهاء [13] ، على أن يد المضارب تنقلب وتتحول بالتفريط من يد الأمانة إلى يد ضمان. وعلى ذلك فإذا فرط المضارب في أموال المضاربة، فإنه يضمن بتفريطه، حيث إنه متسبب في تلفها بترك ما وجب عليه في حفظها [14] .

                وقـد سبـق تناول أقوال الفقهاء حـول ضـمـان الـمضارب بالتفريط حينما تـحدثت عن التعدي؛ لأن الفقهاء غالبا يقرنون التفريط بالتعدي ومن ثم فلا داعي لتكرار ذلك.

                وقد نص مجمع الفقه الإسلامي، كما صدر في القرار رقم: 122 ( 5 / 13 ) على أن: "المضارب أمـين، ولا يضـمن ما يقع من خسارة أو تلف إلا بالتعدي أو التقصير، بما يشمل مخالفة الشروط الشرعية أو قيود الاستثمار المحـددة، التي تـم الدخول على أساسها، ويستوي في هذا الحكم المضاربة الفردية والمشتركة". [ ص: 136 ]

                التالي السابق


                الخدمات العلمية