الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                معلومات الكتاب

                تضمين البنك الإسلامي للودائع الاستثمارية (دراسة فقهية مقارنة)

                الأستاذ / محمد عبد الأول بن محمد مصلح الدين

                المطلب الثالث

                الأثر المترتب على اشتراط

                تضمين البنك الإسلامي للودائع الاستثمارية

                بما أن جمهور الفقهاء, قد اتفقوا على أن اشتراط الضمان على المضارب باطل، فقد اختلفوا حول العقد المقترن به هذا الشرط، بين الصحة والفساد، على قولين: فمنهم من رأى أنه يبطل به العقد، ومنهم من رأى أنه لا أثر لهذا الشرط على العقد، فيبطل الشرط وحده دون العقد، وفيما يأتي تفصيل ذلك:

                القول الأول: يرى أن هذا الشرط لاغ وباطل، وتبقى المضاربة صحيحة، فيقسم الربح الناتج عن المضاربة بين صاحب المال والمضارب حسب النسب المتفق عليها بينهما، وتقع الخسارة على صاحب المال وحده. وإليه ذهب الحنفية [1] ، والحنابلة [2] ، وهو أظهر الروايتين عن أحمد [3] . [ ص: 120 ]

                القول الثاني: يرى أن هذا الشرط مفسد للعقد، فالربح كله لصاحب المال، كما أن الخسارة عليه وحده، وللمضارب قراض المثل. وهذا عند المالكية [4] ، والشافعية [5] ، وهو رواية عن أحمد [6] .

                الأدلة:

                أولا: أدلة القول الأول:

                استدل القائلون بصحة العقد مع فساد الشرط بما يأتي:

                1- أن اشتراط الضمان على المضارب لا يؤثر في جهالة الربح، فيبطل الشرط وحده لمنافاته مقتضى العقد، ويبقى العقد صحيحا. وهذا مما يفهم من كلام الفقهاء الحنفية والحنابلة، ومن ذلك ما يأتي:

                يقول السمرقندي الحنفي: "... أن الربح هو المقصود فجهالته توجب فسـاد العقد، فكل شرط يؤدي إلى جهـالة الربح يفسـد المضاربة، وإن كان لا يؤدي إلى جهالة الربح يبطل الشرط ويصح العقد، مثل أن يشترط أن تكون الوضيعة على المضارب، أو عليهما، فالشرط يبطل ويبقى العقد صحيحا، والوضيعة في مال المضاربة" [7] . [ ص: 121 ]

                ويقول صاحب "كشاف القناع": "وإن اشترط الشريك أو رب المال على شريكه أو المضارب ضمان المال إن تلف، أو شرط أن عليه من الوضيعة أكثر من قدر ماله فسد الشرط وحده، لمنافاته مقتضى العقد" [8] .

                قال ابن قدامة: "وجمـلـتـه أنه متى شرط على المضارب ضمان المال، أو سهما من الوضيعة فالشرط باطل، لا نعلم فيه خلافا، والعقد صحيح. نص عليه أحمد" [9] .

                ثانيا: استدل الرحيباني بأن المضاربة عقد على مجهول، فلم تبطله الشروط الفاسدة كالنكاح [10] .

                ثانيا: أدلة القول الثاني:

                استدل القائلون بفساد العقد بهذا الشرط بالآتي:

                1- أن ضمان أموال الاستثمار بالشرط فيه زيادة غرر في العقد، فيؤدي إلى فساده، كما بين ذلك الإمام مالك [11] . [ ص: 122 ]

                وقال الإمام الشافعي: "إذا ضاربه على أن المضارب ضامن فالمضاربة فاسدة غير مضمونة" [12] . وروي عن أحمد أن العقد يفسد به؛ لأنه شرط فاسد، فتفسد به المضاربة [13] .

                2- أن اشتراط الضمان على المضارب يخالف مقتضى العقد في المضاربة، الذي هو الأمانة، كما فصل ذلك الباجي [14] .

                الترجيح:

                وبالـنـظر في القـولـين وما استدل به كل فريق، يبدو لي - والله أعلم- أن الرأي الثانـي وهـو بـطـلان الـعـقـد بـهـذا الشرط الفاسد هو الراجح، وذلك لسببين:

                1- اتفـاق الفقهـاء على أن شرط الضمان على المضارب باطل، فهذا مما يدل على أن العقد المقترن بهذا فاسد.

                2- الأصل أن خسارة المال يتحملها رب المال، فإذا شرط الضمان على العامل، ونقل عن محله، يقتضى ذلك فساد الشرط والعقد. [ ص: 123 ]

                التالي السابق


                الخدمات العلمية