الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                معلومات الكتاب

                تضمين البنك الإسلامي للودائع الاستثمارية (دراسة فقهية مقارنة)

                الأستاذ / محمد عبد الأول بن محمد مصلح الدين

                المطلب الثاني

                أنواع المخاطر التي تواجهها الودائع

                في البنوك الإسلامية

                إن المتتبع لمخاطر الودائع المصرفية الإسلامية يلاحظ أنها تواجه جملة من المخاطر، فهي تتنوع باعتبارات شتى، ومن ثم قسمها البعض إلى قسمين:

                القسم الأول: مخاطر خارجية.

                القسم الثاني: مخاطر داخلية.

                فالمخاطر الخارجية: هي تلك المخاطر، التي تطرأ بسبب ظروف خارجة عن سياسات المصارف الإسلامية وقراراتها كالتغيرات الاقتصادية العالمية، والأحوال السياسية والأوضاع الأمنية. فهذه العوامل قد تؤثر على قدرة البنـك في تـحـقـيـق الأربـاح، كما تـؤثـر على قـدرته على أداء الالتزامات نحو العملاء [1] .

                أما المخاطر الداخلية: فهي تلك المخاطر، التي تتعلق بأعمال البنك وعامليه ونظامه واستثماراته، ومن ثم يمكن أن تؤثر على حسابات المودعين [2] . [ ص: 60 ]

                بينما قسمها البعض الآخر, إلى مخاطر مالية وغير مالية, فالمخاطر المالية تشمل مخاطر السوق (بما فيها مخاطر أسعار الأسهم وسعر الفائدة ومخاطر الصرف ومخاطر السلع), ومخاطر الائتمان, ومخاطر السيولة. أما المخاطر غير المالية: فهي تتضمن المخاطر التشغيلية والرقابية والقانونية [3] .

                وعلى الرغم من وجود أكثر من مصدر للمخاطر إلا أنه يمكن تقسيمها إلى خمسة أنواع, كما يلي:

                أولا: مخاطر الائتمان.

                ثانيا: مخاطر السوق.

                ثالثا: مخاطر عدم الالتزام.

                رابعا: مخاطر التشغيل.

                خامسا: مخاطر السيولة.

                وعرض ذلك فيما يلي:

                أولا: مخاطر الائتمان (التمويل) (Credit Risk):

                الائتمان كلمة عربية، يستخدمها الاقتصاديون ترجمة للكلمة الأجنبية "Credit". ويعرف الائتمان في مجال العمل المصرفي بأنه: "التزام يقطعه المصرف لمن يطلب منه أن يجيز له استعمال مال معين نظرا للثقة، التي يشعر بها نحوه" [4] . [ ص: 61 ]

                ومخاطره [5] : هي المخاطر التي تتعلق بالمدين في قدرته على الوفاء بالتزاماته التعاقدية في الموعد المحدد طبقا لما هو منصوص عليه في العقد [6] . فهذا يشمل تخلف العملاء عن الدفع، والعجز عن سداد الديون، فيتولد بذلك الخسارة الكلية أو الجزئية للممول.

                ومعلوم أن المرابحة والاستصناع وبيع التقسيط والسلم هي بيوع آجال، يتولد عنها ديون في دفاتر البنك. والمخاطر الأساسية فيها هي مخاطر ائتمان [7] .

                وعلى هـذا؛ فإن البنوك الإسلامية تواجه المخاطر الائتمانية في أكثر صيغ التمـويـل، التي تـتـعـامل بـها مـع (الغير)، وإن اختلفت التسميات للعقود والمعاملات. [ ص: 62 ]

                ومن ثم يمكن للبنوك الإسلامية أن تتخذ جملة من الإجراءات للتخفيف من مخاطر الائتمان, منها:

                1- توثيق الدين بالرهون والضمانات: وهذا ما تقوم به أغلب البنوك الإسلامية حاليا, كالحجوزات النقدية وما يشبهها مثل الذهب, أو رهن الأوراق المالية, أو السندات الصادرة عن الدولة والقطاع العام، التي تغطي المخاطر كليا أو جزئيا.

                2- الكفالات: تشكل الكفالة التزاما على الكفيل وترتبط بدين معين تجاه البنك حال عجز المدين عن الوفاء [8] .

                ثانيا: مخاطر السوق:

                تعرف مخاطر السوق بأنها: المخاطر الناشئة عن التعامل في الأسواق نتيجة التغير في السياسات الاقتصادية [9] .

                ونظرا لأهمية مخاطر السوق, فإن لجنة الرقابة المصرفية أدخلت تعديلا على اتفاق بازل, في عام 1988م, حيث إنها تعد من أكبر أنواع المخاطر الرئيسة، التي تواجهها البنوك. فمخاطر السوق قد يتعرض لها المصرف بشكل يومي, وقد تكون بشكل متكرر أو منفرد [10] . [ ص: 63 ]

                ومن هنا فقد قسمها الدكتور طارق الله خان, وأحمد حبيب, إلى مخاطر عامة وخاصة. "فالمخاطر العامة: هي التي تكون نتيجة التغير العام في الأسعار والسياسات على مستوى الاقتصاد ككل. أما مخاطر السوق الخاصة: فتنشأ عندما يكون هناك تغير في أسعار أصول أو أدوات متداولة بعينها نتيجة ظروف خاصة بها" [11] .

                ومما لاشك فيه أن أبرز مخاطر السوق في البنوك الإسلامية هي مخاطر سعر الصرف: وهي المخاطر الناتجة عن التعامل بالعملات الأجنبية وحـدوث تذبذب في أسعار العملات، ذلك أنها تؤثر على كافة الاستثمارات، مهما كان نوعها؛ لأن معاملات البنوك الإسلامية عادة ما تكون في استثمارات مباشرة أو بعقود تمويل وتوريد مرتبطة بآجال. كما أنها تشتري البضائع والسلع على دفعات بحسب الحاجة إليها. ذلك أنه لو اشترى البنك هذه المواد دفعة واحدة بسعر السوق الحالي، يمكن أن يتعرض للمخاطر من تلفها أو هلاكها أو تعرضها للسرقة، هذا من جانب, ومن جانب آخر فيظهر خـطر سعر الصرف عند استـيراد البضـائع أو تصديرها بصرف عملات دول أخرى مقابل العملة الوطنية [12] .

                هذا وإن المصارف الإسلامية القائمة على المشاركة تتعرض لمخاطر السوق من خـلال التـعرض للتقـلبات في أسـعار المعـدات أو المبـاني التي تؤجرها, أو الأسعار في السوق من خلال التغير في الصرف الأجنبي وفي الأوراق المالية [13] . [ ص: 64 ]

                ومن هنا يمكن للبنوك الإسلامية أن تتعرض لمخاطر الصرف من خلال معاملاتها في التجارة الخارجية.

                ثالثا: مخاطر عدم الالتزام:

                وهي تلك المخاطر، التي تنشأ عن عدم التزام المصرف بالضوابط الشرعية أو المعايير الدولية أو تعليمات البنوك المركزية أو قرارات مؤسسات النقد [14] .

                ومن هنا تتنوع مخاطر عدم الالتزام إلى عدة أنواع:

                أ- مخاطر عدم الالتزام بالضوابط الشرعية:

                لاشك أن مراعـاة الضوابط الشرعية في المعـامـلات المالية الإسلامية تعد الميـزة الرئيسة للمصارف الإسلامية، ذلك أن المتعاملين معها يهتمون بالـتـزام المـصرف بتلك الضـوابط الشـرعـيـة. ومن ثـم فإن الإهمال في تطبيق تلك الضـوابـط يمكن أن يقلل إقبال الجمهور نحو الإيداع والاستثمار في البنوك الإسلامية.

                ب- مخاطر عدم الالتزام بالمعايير الدولية:

                تأتي أهمية التزام المصارف الإسـلامية بالمعايير الدوليـة من طبيعة معـامـلاتـها الـدولية، التي تتوقف على مـدى التزام البنك والوفاء بتلك المعايير الدولية [15] . [ ص: 65 ]

                ج- مخاطر عدم الالتزام بتعليمات مؤسسة النقد (البنك المركزي):

                وذلك يؤدي إلى فرض عقوبات مادية ومعنوية على البنك عند مخالفة تعليماتها، فيضطر بذلك إلى تجميد بعض أنشطته [16] .

                د- مخاطر العمليات:

                وهي المخاطر، التي تنجم عن أعمال موظفي البنك ونظمه الداخلية وسياساته، فتشمل هذه المخاطر جميع ما يعرف في الفقه الإسلامي بحالات الإهمـال والتقصـير والتـعدي، سواء أكان ذلك من إدارة البنك أو من العاملين فيه... [17] .

                ولا شك أن مخاطر العمليات تعد من أخطرها، الأمر الذي أدى ببعض البنوك الإسلامية إلى إعلان إفلاسها وتصفيتها بصورة قانونية، كما حصل لبنـك الـبـركة في بنغـلاديش، وبـنك فيـصـل قبرص في ثمانينيات القرن الماضي. ولعل هذا النوع من المخاطر هو ما أصاب بنك التقوى في أواخر القرن الماضي [ ص: 66 ] [18] .

                رابعا: مخاطر التشغيل:

                عرفت مقررات "لجنة بازل II" [19] ، مخاطر التشغيل بأنها: "مخاطر الخسارة المباشرة وغير المباشرة الناشئة عن العمليات الداخلية وأداء الأفراد والنظم غير السليمة أو الفاشلة أو عند الحوادث الخارجية" [20] .

                ولقد اكتسبت المخاطر التشغيلية أهمية خاصة بعد سقوط بنك الاعتماد والتجارة الدولي, وبنك (بارينغز) عام 1995م, وذلك إثر انكشاف عمليات الاحتيال، التي قام بها أحد موظفي الخزينة لديها, هذا بالإضافة إلى التطور السريع في الخدمات المصرفية والاعتماد المتزايد على التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة، مما أدى إلى تزايد الاهتمام بالمخاطر التشغيلية [21] . [ ص: 67 ]

                وتتضمن مخاطر التشغيل العديد من الأنواع، تأتي في مقدمتها:

                أ- مخاطر الموارد البشرية:

                تعد كفاءة الموارد البشرية المؤهلة الضمان الأساس لنجاح المصرفية الإسلامية، فيتطلب رفع كفاءة العاملين بالمصارف الإسلامية تأهيلا مزدوجا، من الناحـيـة المصـرفية والشـرعية، حيث إن النظام التعليمي في غالبية الدول لا يوفر هذا النوع من التأهيل، ومن ثم يتطلب أن يكون هناك تدريب مستمر [22] .

                ب- مخاطر إدارية:

                للتغلب على المخاطر الإدارية فإن الأمر يقتضي وجود قيادة إدارية قادرة في إطار هيكل تنظيمي قوي.

                خامسا: مخاطر السيولة النقدية:

                وهي المخاطر الناشئة عن عدم قدرة المصرف الإسلامي لمتطلبات السحب، التي تأتي من المودعين. فتتمثل مخاطر السيولة بسبب عدم كفاية الاحتـياطـي النـقـدي للمـصرف، وعـدم القـدرة عـلى تسيـيـل المـوجـودات أو الحصول على النقدية اللازمة من البنك المركزي أو من البنوك الأخرى [23] .

                ومن هنا تعد مخاطر السيولة من أهم المخاطر، التي تواجه البنوك الإسلامية، وذلك للتحديات، التي تواجه سوق الصناعة المصرفية الإسلامية. [ ص: 68 ]

                ومن أهم تحديات السيولة ما يأتي:

                1- عدم وجود سوق اقتراض داخلي بين البنوك الإسلامية على المستوى العالمي, وعدم وجود مخطط لإدارة السيولة الزائدة.

                2- عدم وجود المقرض الأخير بدون فائدة من جانب المصرف المركزي للبنوك الإسلامية [24] ، بينما نجد "البنوك التقليدية تلجأ في إدارة السيولة في حالة الوفر أو العجز إلى الوسائل، التي تعتمد على الربا" [25] .

                فالبنوك الإسلامية تحتاج إلى السيولة الدائمة نظرا لأهمية دورها، وحفاظا على سمعتها، التي إذا اهتزت قد تؤدي إلى انهيارها وإفلاسها، حيث يجب على المصرف الاستجابة, وتوفير السيولة المطلوبة للجهة المضمون لها في الحالات التالية: في حالة الودائع تحت الطلب, وفي حالة حساب التوفير وغيرهما حسب بنود الاتفاقية. هذا بالإضافة إلى التزامه نحو البنوك أو الدول الأخرى، أي التزام كان [26] .

                وقد حصلت أزمات سيولة في عدد من البنوك الإسلامية كانت جميعها لأسباب خارجة عن البنك نفسه وقراراته، منها: أزمة بنك فيصل الإسلامي [ ص: 69 ] المصري في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، وأزمة بنك إخلاص التركي في منتصف التسعينيات، التي أدت بالبنك إلى الإفلاس والتصفية [27] .

                ومن هنا يجب على البنوك الإسلامية القيام بدراسات فنية وتقنية وقانونية دقيقة للمشاريع قبل تمويلها, بجانب اعتمادها على سياسات استثمارية قائمة على مبدأ التوزيع المتزن[28] .

                كما يمكن للمصارف الإسلامية أن تتخذ إجراءات وقائية بتكوين حسابات احتياطية, ومن هذه الاحتياطيات:

                أ - "احتياطي معدل الأرباح: يتكون احتياطي معدل الأرباح من مبالغ مجـنـبـة من إجمـالي دخـل أمـوال المضاربة بغرض إتاحتها لتعديل العوائد المدفوعة لأصحاب حسابات الاستثمار وللمساهمين, وتضم حصة من أرباح كل منهما.

                ب- "احتياطي مخاطر الاستثمار: يتكون احتياطي مخاطر الاستثمار من مبالغ مجنبة من دخل أصحاب حسابات بعد اقتطاع نصيب المضارب من الدخل لغرض تغطية أية خسائر مستقبلية في الاستثمارات الممولة من حسابات الاستثمار" [29] . [ ص: 70 ]

                كما يمكن للبنوك الإسلامية أن تقوم بإنشاء صندوق أو مؤسسة مالية كبرى متخصصة في توفير السيولة وإدارتها على مستوى كبير [30] .

                فالمخاطر قد تؤثر في ثقة المودعين بالمصارف، وبالتالي؛ قد يسحب أصحاب الأموال مدخراتهم من البنوك نتيجة هذه الكوارث.

                لذلك لا بد من تطبيق بعض الأدوات لتقليل هذه المخاطر، وتوفير الثقة والاطمئنان للمدخرين في المصارف الإسلامية، منها:

                1- دراسات الجدوى الاقتصادية، التي تتوافر فيها جميع الشروط المطلوبة، وكذا دراسة جميـع الاحتمـالات، وفرض الضمانات الكافية لحالات التعدي أو التقصير أو مخالفة الشروط والنظم واللوائح [31] .

                2- وجود هيئة شرعية لمساعدة الإدارة والعاملين على الالتزام الشرعي، ووجود نماذج للعقود منضبطة من الناحية الشرعية من خلال نشر تقارير دورية بذلك. بالإضافة إلى أهمية الإفصاح والشفافية عن معاملات المصرف الإسلامي، حيث يتأكد العملاء من التزام المصرف بالضوابط الشرعية [32]

                3- الالتزام بكفاية رأس المال (معيار بازل II)، ووجود نظام لإدارة السيولة [33] . [ ص: 71 ]

                4- وجود معايير لاختيار العاملين، وتدريبهم من حين إلى حين لتطوير مهاراتهم للعمل المصرفي [34] .

                5- الاعتماد في عقود المشاركة والمضاربة على المشروعات الناجحة، واختيار الإداريين من أهل الثقة المؤتمنين، الذين تكونت لهم خبرات ونجاحات متكررة من خلال دراسات دقيقة [35] .

                ولذا؛ سعت اتفاقيتا (بازل 2) و (بازل 3) إلى التخفيف من المخاطر، والتحوط لها، سواء بالمطالبة بوجود كفاية رأسمال، أم بالبحث في وسائل الضمانات والرهونات، التي يمكن أن تدعم القدرة على تحصيل الديون في مواعيدها لتقلل بذلك من مخاطر الائتمان [36] . [ ص: 72 ]

                التالي السابق


                الخدمات العلمية