الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3915 - أخبرنا أبو عبد الله قال: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: وحفظ عن جعفر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "القنوت في الصلاة كلها عند قتل أهل بئر معونة".

3916 - وحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قنت في المغرب.

3917 - قال الشيخ أحمد وقد روينا عن عكرمة، عن عبد الله بن عباس قال : [ ص: 114 ] قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهرا متتابعا في: الظهر، والعصر، والمغرب والعشاء، والصبح، وإذا قال: "سمع الله لمن حمده" من الركعة الآخرة، يدعو على أحياء من بني سليم، على رعل، وذكوان، وعصية، ويؤمن من خلفه، وكان أرسل إليهم يدعوهم إلى الإسلام، فقتلوهم.

3918 - وروينا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب: أن النبي صلى الله عليه وسلم "قنت في المغرب، والصبح".

3919 - قال الشافعي: وكل ما روي عنه في القنوت في غير الصبح عند قتل أهل بئر معونة، والله أعلم.

3920 - قال أحمد: وقد روى يحيى بن كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "قنوته في العشاء، حين دعا للوليد بن الوليد وأصحابه بالنجاة، ودعا على مضر" .

[ ص: 115 ] 3921 - وخالفه الزهري، فروى عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم "قنوته في الفجر في هذه القصة".

3922 - والذي روى يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: "والله لأقربن بكم، صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أبو هريرة ، يقنت في الظهر، والعشاء، والصبح، ويدعو للمؤمنين، ويلعن الكفار".

3923 - ليس فيه بيان الوقت الذي حمله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيحتمل أن يكون حمله عنه في قصة أهل بئر معونة، ويجوز أن يكون يحيى بن أبي كثير، من هذا الحديث غلط إلى ذكر العشاء في الحديث الأول، والزهري أحفظ منه، ومع روايته عن أبي سلمة روايته، عن ابن المسيب في ذكر الفجر دون العشاء، والله أعلم.

3924 - قال الشافعي: وروى أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه "قنت، وترك القنوت جملة"، ومن روى مثل حديثه، روى أنه قنت عند قتل أهل بئر معونة، ثم ترك القنوت.

3925 - قال الشيخ أحمد قد روى هشام الدستوائي، عن قتادة، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، "قنت شهرا، يدعو على أحياء من أحياء العرب، ثم تركه" .

[ ص: 116 ] 3926 - هكذا مطلقا كما قال الشافعي: ثم في رواية إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وأبي مجلز، وأنس بن سيرين، وعاصم الأحول: ما دل على أن ذلك كان عند قتل أهل بئر معونة.

3927 - وروي في رواية غير قوية، عن علقمة، عن ابن مسعود قال: "قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا، يدعو على عصية، وذكوان، فلما ظهر عليهم، ترك القنوت".

3928 - قال الشافعي: فأما القنوت في الصبح، فمحفوظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل أهل بئر معونة، وبعده، ولم يحفظ أحد عنه تركه.

3929 - واحتج بما أخبرنا أبو عبد الله، وأبو زكريا، وأبو بكر، قالوا: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما رفع رأسه من الركعة الثانية من الصبح قال: "اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين بمكة، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين، كسني يوسف".

3930 - قال الشافعي في رواية أبي عبد الله: وأما ما روى أنس بن مالك، من ترك القنوت فالله أعلم، فإنه ترك القنوت في أربع صلوات دون الصبح، كما قالت [ ص: 117 ] عائشة: "فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فأقرت صلاة الصبح، وزيد في صلاة الحضر"، يعني ثلاث صلوات، دون المغرب، والصبح.

3931 - قال في القديم: أخبرنا رجل، وحاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم، حين رفع رأسه من الركعة الأخيرة من الظهر قال: "اللهم العن فلانا، وفلانا وسمى قبائل".

3932 - قال الشافعي: فهذا الذي ترك، فأما القنوت في الصبح، فلم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم، تركه.

3933 - قال الشيخ أحمد: وإلى هذا المعنى، كان يذهب عبد الرحمن بن مهدي، ومحله من علم الحديث، لا يخفى.

3934 - قال الشيخ أحمد: فأما حديث أبي هريرة، الذي احتج الشافعي به في قنوت النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أهل بئر معونة، فقد أخرجه البخاري، ومسلم في الصحيح، من حديث سفيان بن عيينة.

3935 - وأخرج مسلم حديث يونس بن يزيد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوته في صلاة الفجر، بعد ما يرفع رأسه، ويقول: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد"، بنحو من حديث ابن عيينة، ثم قال في آخره : [ ص: 118 ] "اللهم العن لحيان، ورعلا، وذكوان، وعصية، عصت الله ورسوله"، ثم بلغنا أنه ترك ذلك، لما نزلت: ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ) .

3936 - ولعل هذا الكلام في آخر الحديث من قول من دون أبي هريرة.

3937 - فقد روينا في الحديث الثابت، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر، يقول: "اللهم العن فلانا، وفلانا"، بعدما يقول: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد"، فأنزل الله: ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم ) الآية.

3938 - وعن حنظلة بن أبي سفيان، عن سالم بن عبد الله: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدعو على صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام، فنزلت: ( ليس لك من الأمر شيء ) وهذا مخرج في كتاب البخاري.

3939 - وكان هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد.

3940 - ففي رواية عمر بن حمزة، عن سالم، عن ابن عمر قال : [ ص: 119 ] صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلاة الصبح يوم أحد، فلما رفع رأسه من الركعة الثانية، فقال: "سمع الله لمن حمده" قال: "اللهم العن"، فذكرهم إلا أنه ذكر أبا سفيان بدل سهيل، فنزلت: ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم ) ، فتاب الله عليهم، فأسلموا، فحسن إسلامهم.

3941 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثني أبو قتيبة سلم بن الفضل الأدمي بمكة قال: حدثنا الحسن بن علي بن شبيب المعمري قال: حدثنا سلم بن جنادة القرشي قال: حدثنا أحمد بن بشر قال: حدثنا عمر بن حمزة، فذكره.

3942 - والذي يدل على أن هذه الآية نزلت يوم أحد، رواية حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كسرت رباعيته يوم أحد، وشج، فجعل يسلت الدم عن وجهه، ويقول: "كيف يفلح قوم شجوا نبيهم، وكسروا رباعيته، وهو يدعوهم إلى الله" قال: فأنزل الله عز وجل: ( ليس لك من الأمر شيء ) .

3943 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان قال: أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار قال: حدثنا تمتام قال: حدثنا عبد الله يعني ابن مسلمة القعنبي قال: حدثنا حماد بن سلمة، فذكره. أخرجه مسلم في الصحيح، عن عبد الله بن مسلمة.

3944 - فكان هذا بأحد، وقتل أهل بئر معونة، كان بعد أحد، وقد قنت النبي صلى الله عليه وسلم بعده، ودعا على من قتلهم، دل أن هذه الآية، لم تحمل على نسخ القنوت جملة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت بعد نزول هذه الآية، إلا أنه كان يلعن من قتلهم بأعيانهم شهرا، ثم ترك اللعن عليهم، ويدعو للمستضعفين بمكة بأسمائهم، ثم لما قدموا ترك الدعاء لهم.

[ ص: 120 ] 3945 - وروينا عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوته، ودعائه للمستضعفين قال أبو هريرة : "ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ترك الدعاء بعد"، فقلت: "أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد ترك الدعاء لهم" قال: فقيل: "وما نراهم قد قدموا".

3946 - وهذا كان قبل الفتح بيسير، وإنما أسلم أبو هريرة في غزوة خيبر، وهو بعد نزول الآية بكثير، دل أن الآية لم تحمل على نسخ القنوت.

3947 - ومما يدل على أن هذه الآية، لم تحمل على النسخ وإن ثبت أن سبب نزولها، كان على ما روينا في حديث ابن المسيب، وأبي سلمة، عن أبي هريرة: أن أبا هريرة "كان يقنت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سائر الصلوات" ولو كانت الآية محمولة عندهم على نسخ القنوت، لم يقنت بعد.

3948 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: حدثنا يحيى بن أبي طالب قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء قال: حدثنا هشام ح.

3949 - قال: وأخبرنا أبو الفضل بن إبراهيم، واللفظ له، قال: حدثنا أحمد بن سلمة قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي، عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة قال: "لأقربن بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم" فكان أبو هريرة ، يقنت في الركعة الآخرة من الظهر، وفي العشاء الآخرة، وفي صلاة الصبح، بعد قوله: "سمع الله لمن حمده"، يدعو للمؤمنين، ويلعن الكافرين رواه البخاري في الصحيح، عن معاذ بن فضالة، عن هشام [ ص: 121 ] ، ورواه مسلم عن محمد بن مثنى، عن معاذ بن هشام.

التالي السابق


الخدمات العلمية