الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
4500 - (الرؤيا الصالحة جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة) (ابن النجار) عن ابن عمر - (ض) .

التالي السابق


(الرؤيا الصالحة جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة) عبر بالنبوة دون الرسالة؛ لأنها تزيد على النبوة بالتبليغ، قال القاضي : والرؤيا الصالحة إعلام وتنبيه من الله تعالى بتوسط الملك فلذلك عدها من أجزاء النبوة، وتحقيقه أن النفوس البشرية خلقت بحيث لها بالذات تعلق واتصال بالملك الموكل على عالمنا هذا الموكول إليه تدبير أمره وهو المسمى في هذا الباب بملك الرؤيا لكنها ما دامت مستغرقة في أمر البدن وتدبير معاشها وتدبر أحوالها معوقة عن ذلك، فإذا نام وحصل لها أدنى فراغ اتصلت بطباعها فينطبع فيها من المعاني والعلوم الحاصلة من مطالعة اللوح المحفوظ والإلهامات الفائضة عليه من جناب القدس ما هو أليق بها من أحوالها وأحوال ما يقرب من الأهل والولد والمال والتلد وغير ذلك، فتحاكيه المخيلة بصورة جزئية مناسبة إلى الحس المشترك فتنطبع فيه فتصير محسوسة مشاهدة ثم إن كانت تلك المناسبة ظاهرة كانت غنية عن التعبير وإلا افتقرت إليه وهو تحليل تلك المناسبة بالرجوع قهقرى إلى المعنى المتلقى من الملك فأما الرؤيا الكاذبة فسببها الأكثري تخيل فاسد تركبه المخيلة بسبب أفكار فاسدة اتفقت لها حال اليقظة أو سوء مزاج أو امتلاء ونحو ذلك مما تلفته عن الحس المشترك، وقد يكون بسبب استعراض الحس والتفاته إلى بعض المخزونات الخيالية المرتسمة في الخيال من مشاهدة المحسوسات حال اليقظة، ولما كان للشيطان دخل في هذه الأقسام لتولدها من الاستغراق في أمر البدن والانهماك في الشهوات والإعراض الكلي عن عالم الملكوت والاعتناء بأمره، أضاف الحكم إلى الشيطان في الحديث المتقدم، وذكر في هذا الحديث خمسة وعشرين، وقبله سبعين وقبله ستة وأربعين، وأشار الغزالي إلى أن الاختلاف يرجع إلى اختلاف درجات الرؤية والرائي، قال: ولا تظن أن تقدير النبي - صلى الله عليه وسلم - جرى على لسانه جزافا واتفاقا بل لا ينطق إلا بحقيقة الحق، فإنه لا ينطق عن الهوى، فهو تقدير تحقيق، لكن ليس في قوة غيره معرفة علة تلك النسبة إلا بتخمين؛ إذ يعلم أن النبوة عبارة عما يختص به [ ص: 49 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - ويفارق به غيره، وهو يختص بأنواع من الخواص: إحداها أنه يعرف حقائق الأمور المتعلقة بالله وصفاته وملائكته والدار الآخرة علما مخالفا لعلم غيره، بكثرة المعلومات، وزيادة الكشف والتحقيق، والثاني: أن له في نفسه صفة تتم له بها الأفعال الخارقة للعادة كما أن له صفة تتم بها الحركات المقرونة بإرادتنا، وهي القدرة، الثالث: أن له صفة بها يبصر الملائكة ويشاهدهم كما أن للبصير صفة يفارق بها الأعمى، الرابع: أن له صفة بها يدرك ما سيكون في الغيب، فهذه كمالات وصفات ينقسم كل منها إلى أربعة وخمسين، وسبعين، ويمكننا تكلف قسمتها إلى ستة وأربعين بحيث تقع الرؤيا جزءا من جملتها لكن تعين طريق واحد للقسمة لا يمكن إلا بظن اهـ. وقال ابن حجر : يمكن الجواب عن اختلاف الأعداد بأنه بحسب الوقت الذي حدث فيه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بذلك، كأن يكون لما أكمل ثلاث عشرة سنة بعد مجيء الوحي إليه حدث بأن الرؤيا من ستة وعشرين إن ثبت الخبر به، وذلك وقت الهجرة، ولما أكمل عشرين حدث بأربعين، واثنين وعشرين حدث بأربعة وأربعين، ثم بخمسة وأربعين، ثم بستة وأربعين في آخر حياته، وما عدا ذلك من الروايات بعد الأربعين فضعيف، ورواية الخمسين يحتمل جبر الكسر ورواية السبعين للمبالغة، وما عدا ذلك لم يثبت، وقد مر ذلك مبينا

(ابن النجار) في التاريخ (عن ابن عمر) بن الخطاب .



الخدمات العلمية