الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - الأول : في السند والمتن والمدلول وفي خارج .

            الأول : بكثرة الرواة لقوة الظن ، خلافا للكرخي ، وبزيادة الثقة ، وبالفطنة والورع والعلم والضبط والنحو ، وبأنه اشتهر بأحدها باعتماده على حفظه لا نسخته وعلى ذكر لا خط ، وبموافقته عمله ، وبأنه عرف أنه لا يرسل إلا عن عدل في المرسلين ، وبأن يكون المباشر كراوية أبي رافع : " نكح ميمونة وهو حلال " ، وكان السفير بينهما على رواية ابن عباس - رضي الله عنهما : " نكح ميمونة وهو حرام " ، وبأن يكون صاحب القصة كرواية ميمونة : " تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن حلالان " ، وبأن يكون مشافها كرواية القاسم عن عائشة - رضي الله عنها - أن بريرة عتقت وكان زوجها عبدا ، على من روى أنه كان حرا ; لأنها عمة القاسم ، وأن يكون أقرب عند سماعه كرواية ابن عمر : أفرد عليه السلام وكان تحت ناقته حين لبى ، وبكونه من أكابر الصحابة لقربه غالبا ، أو متقدم الإسلام ، أو مشهور النسب ، أو غير ملتبس بمضعف ، وبتحملها بالغا ، وبكثرة [ ص: 375 ] المزكين أو أعدليتهم أو أوثقيتهم . وبالصريح على الحكم والحكم على العمل . وبالمتواتر على المسند والمسند على المرسل ، ومرسل التابعي على غيره ، وبالأعلى إسنادا ، والمسند على كتاب معروف ، وعلى المشهور ، والكتاب على المشهور ، وبمثل البخاري ومسلم على غيره ، والمستند باتفاق على مختلف فيه ، وبقراءة الشيخ وبكونه غير مختلف ، وبالسماع على محتمل ، وبسكوته مع الحضور على الغيبة ، وبورود صيغة فيه على ما فهم ، وبما لا تعم به البلوى على الآخر في الآحاد ، وبما لم يثبت إنكار لرواته على الآخر .

            التالي السابق


            ش - القسم الأول : التعارض بين المنقولين ، وهو إما في السند أو في المتن أو في مدلول اللفظ أو في أمر [ ص: 376 ] خارج .

            الأول : وهو التعارض في السند ، والترجيح فيه إما بأمور تتعلق بحال الراوي ، أو بحال الرواية ، أو بحال المروي عنه .

            الأول : ما يتعلق بحال الراوي ، وهو الترجيح بكثرة الرواة ، فإن كثرة الرواة مرجحة لقوة الظن بها ، خلافا للكرخي .

            وبزيادة الثقة والعدالة ، وبزيادة الفطنة ، وبزيادة الورع ، وبزيادة العلم ، وبزيادة الضبط ، وبزيادة علم النحو ، وبأن يكون أشهر بأحد هذه الأمور الستة ، وباعتماد الراوي على حفظه لا على نسخة سمع منها .

            وباعتماده على ذكر لا على خط ، وذلك بأن يكون الراوي حال الراوية ذاكرا للرواية غير معتمد في ذلك على خطه أو خط آخر ، وبموافقة الخبر عمل الراوي ; لأن خبر من عمل بموافقته أبعد من الكذب من خبر من لم يوافق عمله خبره ، وبأنه عرف من حال الراوي أنه لا يرسل إلا عن عدل في المرسلين .

            وبأن يكون الراوي مباشرا لما روى ، كراوية أبي رافع أن النبي [ ص: 377 ] - عليه السلام - نكح ميمونة وهو - عليه السلام - حلال ، أي غير محرم ، وكان أبو رافع سفيرا بين الرسول عليه السلام وبين ميمونة ، فإنه رجح على رواية ابن عباس : نكح ميمونة وهو محرم .

            وبأن يكون الراوي صاحب القصة ، كراوية ميمونة : [ ص: 378 ] تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن حلالان . فإنها تقدم على رواية ابن عباس ; لكون صاحب القصة أعرف بها من غيره ، وبأن يكون الراوي مشافها فيما سمع ، ليس بينه وبين من يروي عنه حجاب ، كرواية القاسم بن محمد بن أبي بكر - رضي الله عنهم - عن عائشة - رضي الله عنها : أن بريرة عتقت وكان زوجها عبدا .

            [ ص: 379 ] فإنه يقدم على رواية من روى أن زوجها كان حرا ; لأن القاسم سمع من عائشة - رضي الله عنها - مشافهة ; لأن عائشة عمته ، بخلاف من روى أنه كان حرا ، فإنه سمع منها من وراء الحجاب .

            وبأن يكون الراوي أقرب ممن يروي عنه عند سماع ما يرويه ، كراوية ابن عمر - رضي الله عنهما - أفرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم . وكان ابن عمر تحت ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين لبى - عليه السلام . فإنها تقدم على رواية من [ ص: 380 ] روى أنه - عليه السلام - قرن .

            وبكون الراوي من أكابر الصحابة لقرب الأكبر غالبا من النبي دون الأصغر .

            وبكون الراوي متقدم الإسلام ، فإن الكذب عنه أبعد ، أو بكونه مشهور النسب ، أو بكونه غير ملتبس في الاسم بضعيف طعن فيه ، وبتحمل الراوي الرواية حالة البلوغ لزيادة ضبط البالغ واحتياطه ، وبكثرة مزكي الراوي ، أو بأعدليتهم أو أوثقيتهم بالبحث عن حاله ، وبتصريح المزكين بالتعديل ، فإنه يقدم على الحكم ، وذلك بأن يكون تزكية أحدهما بصريح القول وتزكية الآخر بالحكم بشهادته .

            والتزكية بالحكم يقدم على التزكية بالعمل ، وذلك بأن يكون تزكية أحدهما بالحكم بشهادته ، وتزكية الآخر بالعمل بروايته .

            [ ص: 381 ] الثاني : ما يتعلق بحال الرواية ، وهو الترجيح بالمتواتر ، فإن المتواتر يرجح على المسند ; لأن المتواتر مقطوع المتن ، والمسند مظنونه .

            والمسند يقدم على المرسل ، إن قبل الخلاف في قبول المرسل ، ومرسل التابعي يرجح على مرسل غيره ; لأن مرسل التابعي قد ترك فيه ذكر الصحابي ; لأن الظاهر رواية التابعي عن الصحابي ، والظاهر في الصحابي العدالة ; لقيام الدليل عليها ، بخلاف غير الصحابي .

            وبالأعلى إسنادا ، فإنه يقدم على غيره لقلة الوسائط ، فإنها أبعد عن الكذب .

            المسند عنعنة إلى الرسول - عليه السلام - يرجح على الذي أحيل إلى كتاب معروف ، ويرجح أيضا على حديث مشهور بين العلماء ، ويرجح ما في كتاب معروف معتبر على الحديث المشهور بين العلماء ; لأن العادة تمنع التغيير في الكتاب المعروف .

            ويرجح ما في صحيحي البخاري ومسلم على غيره ; فإن المسند إلى كتاب مشهور بالصحة أولى من المسند إلى كتاب غير مشهور بالصحة .

            [ ص: 382 ] ويرجح المسند باتفاق على الذي اختلف في كونه مسندا ، ويرجح بقراءة الشيخ ، فإن قراءة الشيخ على الحاضرين أولى من قراءتهم على الشيخ ; لإمكان ذهول الشيخ في الثاني ، ويرجح بكونه غير مختلف روايته ، فإن اختلاف الرواية يدل على أنه مضطرب الحال ، بخلاف ما يكون على طريقة واحدة .

            الثالث : يتعلق بحال المروي ، ويرجح بالسماع ، فإن المسموع عن النبي - عليه السلام - يقدم على ما احتمل أن يكون مسموعا .

            ويرجح بكونه مع الحضور ، فإن المروي الذي جرى في حضرته - عليه السلام - ولم ينكر عليه راجح على ما جرى في غيبته وعلم به ولم ينكره .

            ويرجح بورود صيغة فيه ، فإن الذي ورد فيه صيغة لفظ النبي - عليه السلام - يقدم على ما فهم من فعله ، مثل : سها فسجد .

            ويرجح بما لا تعم به البلوى في الآحاد ، فإن ما لا تعم به البلوى راجح على ما تعم به البلوى ، إذا كانا من الآحاد ; لكونه أبعد من الكذب مما تعم به البلوى ; لأن تفرد الواحد بنقل ما تتوفر الدواعي على نقله يوهم الكذب .

            [ ص: 383 ] ويرجح بما لم يثبت إنكار لرواته ، فإن ما لم يثبت إنكار لرواته يقدم على ما ثبت إنكار لرواته ، سواء كان الإنكار إنكار جحود أو إنكار نسيان .




            الخدمات العلمية