( حدثنا حدثنا محمد بن بشار محمد بن عبد الله الأسود ) بتكرار محمد على الصواب ( عن عامر بن سعد ) أي : ابن أبي وقاص الزهري القرشي سمع أباه ، وعثمان وغيره ، وعنه [ ص: 27 ] وغيره مات سنة أربع ومائة ، ذكره صاحب المشكاة في التابعين ( قال : قال الزهري سعد ) هو أحد العشرة المبشرة بالجنة أسلم قديما ، وهو ابن سبع عشرة ، وقال : كنت ثالث الإسلام ، وأنا أول من رمى بسهم في سبيل الله ، وسيأتي بقية ترجمة له رضي الله عنه ( لقد رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحك يوم الخندق ) كجعفر حفير حول أسوار المدينة معرب كندة على ما في القاموس ( حتى بدت نواجذه قال ) أي : عامر على ما ذهب إليه الحنفي ، والعصام ، ، وقال وابن حجر ميرك : فاعله محمد بن محمد بن الأسود ، والأول أظهر لكونه أقرب ، وأنسب ( قلت ) لسعد أو لعامر ( كيف ) وفي بعض النسخ كيف كان أي : على أي حال كان ضحكه في ذلك اليوم ( قال ) أي : سعد أو عامر بن سعد .
وقال ميرك : وكأنه نقل كلام أبيه بالمعنى ، وبعده لا يخفى كما سنبينه بعد ( كان رجل معه ترس ) الجملة خبر كان ( وكان سعد راميا ) إن كان الضمير في قال الثاني لعامر ; فلا إشكال غير أنه عبر عنه باسمه ، ولم يقل أبي ، ومثله كثير في أسانيد الصحابة ، وإن كان لسعد ; فهو من النقل بالمعنى أو من قبيل الالتفات من التكلم إلى الغيبة ( وكان ) قيل هذا من كلام سعد على كل تقدير أي : وكان الرجل المذكور ( يقول ) أي : يفعل ( كذا وكذا بالترس ) أي : يشير يمينا ، وشمالا ( يغطي جبهته ) أي : حذرا عن السهم ، وهو استئناف بيانا للإشارة ذكره ميرك ، والأظهر أنه حال من فاعل يقول قال صاحب النهاية : والعرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال ، وتطلقه على غير الكلام واللسان ، فتقول : قال بيده أي : أخذه ، وقال : برجله أي : مشى وقالت به العينان سمعا وطاعة أي : أومأت به وقال بالماء على يده أي : قلبه ، وقال : بثوبه أي : رفعه وقال : بالترس أي : أشار وقلب ، وقس على هذه المذكورات غيرها انتهى .
وقد غفل الحنفي عن هذا المعنى ، وقال : في قوله يقول كذا وكذا أي : ما لا يناسب لجناب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا لأصحابه ، وبالترس متعلق بيغطي ( فنزع له سعد ) سبق بحثه ( بسهم ) الباء زائدة أي : أخرج ، ومد له سعد سهما منتظرا كشف جبهته .
( فلما رفع ) .
أي : الرجل ( رأسه ) أي : من تحت الترس ; فظهرت جبهته ؛ ( رماه فلم يخطئ ) بضم فسكون ، فهمز وفي نسخة بفتح أوله وضم طائه من غير همز ، وقال العصام : وفي بعض النسخ بصيغة المعلوم من الخطاء على أنه بمعنى الإخطاء أي : لم يتجاوز ، ولم يتعد ( هذه ) أي : جبهته ( منه ) أي : من السهم بل أصابها ، وفيه نوع من قلب نحو عرضت الناقة على الحوض .
وقوله ( يعني جبهته ) كلام عامر أو من قبله ، والمعنى أن سعدا يعني أي : يريد بقوله هذه الجبهة هذا خلاصة المرام في هذا المقام ، وقد أطنب الحنفي ، وجمع بين السمين ، والهزال من الكلام ، فتأمل لئلا تقع في الظلام حيث قال : وفي النهاية أخطأ يخطئ إذا سلك سبيل الخطاء عمدا أو سهوا ، ويقال خطأ يعني أخطأ أيضا ، وقيل خطأ إذا تعمد ، وأخطأ إذا لم يتعمد ويقال لمن أراد شيئا ، ففعل غيره أو فعل غير الصواب أخطأ انتهى . كلامه إذا عرفت هذا فنقول ; فلم يخطئ على صيغة [ ص: 28 ] المعلوم من الإخطاء أي : لم تخطئ هذه الرمية منه أي : من الرجل على حذف المضاف كما أشار إليه بقوله يعني جبهته ، وفي بعض النسخ فلم يخطئ على صيغة المجهول ، ويمكن أن يكون من الخطاء والإخطاء ، ويجوز أن يكون فلم يخطأ على صيغة المعلوم لكونه بمعنى الإخطاء كما مر ، وفي بعض النسخ ، فلم يخط على صيغة المعلوم من الخطو . والخطوات : بالضم بعد ما بين القدمين في المشي ، وبالفتح المرة ، وجمع الخطوة في الكثرة خطى ، وفي القلة خطوات بسكون الطاء ، وضمها وفتحها ، ولا بد هنا من اعتبار التجوز أي : لم تتجاوز هذه الرمية من الرجل المذكور انتهى . ( وانقلب ) أي : سقط الرجل على عقبه ( وشال برجله ) الباء للتعدية أي : رفعها يقال شالت الناقة بذنبها ، وأشالته أي : رفعته ، وفي بعض نسخة ، وأشال فالباء زائدة لتأكيد التعدية قال الحنفي : وفي بعض النسخ ، فشال بالفاء بدل الواو ، وفي بعضها ، وأشاد من الإشادة ، ويقرب معناه مما مر وتعدى بالباء قلت : الظاهر أنه تصحيف لما في القاموس من أن الإشادة رفع الصوت بالشيء ، وتعريف الضالة ، والإهلاك .
( ) فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه أي : من قتل سعد إياه ، وغرابة إصابة سهمه لعدوه ، والانقلاب الناشئ عنه مع رفع الرجل لا من انكشاف عورته لأن كشف عورة الحربي ، والنظر إليه قصدا يحرم .
( قلت ) وفي نسخة صحيحة فقلت ، والقائل : هو عامر كما هو ظاهر ، وقال ميرك : قائله محمد الراوي عن عامر . ( من أي شيء ضحك ) . أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( قال ) أي : سعد أو عامر . ( من فعله ) أي : من فعل سعد ، وهو على الأول التفات . ( بالرجل ) . قال ميرك : أي : ضحك من قتله عدوه لا من الانكشاف كذا قيل ، وفيه تأمل . انتهى
وفيه أن من الواضح الجلي أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يضحك من كشف العورة فإنه ليس من مكارم أخلاقه بل إنما ضحك فرحا بما فعله سعد بعدوه - صلى الله عليه وسلم - من القتل العجيب ، والانقلاب الغريب ، وسرورا بما يترتب عليه من إطفاء نار الكفر ، وإبداء نور الإيمان ، وقوة الإسلام ونحو ذلك مما يليق بجنابه عليه السلام على أن في نفس السؤال ، والجواب إشارة على رد ذلك ، فكأن السائل تردد أنه - صلى الله عليه وسلم - ضحك من كشف عورة الرجل كما يتبادر إلى فهم بعضهم أو من فعل سعد به ، فقال : من فعله بالرجل أي : قتله ; فإن كشف عورته ليس من فعل سعد على الحقيقة والله أعلم بالصواب .