الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا محمد بن بشار حدثنا صفوان بن عيسى حدثنا عمرو بن عيسى أبو نعامة ) بفتح النون في الأصل ، وفي نسخة بضمها والأول هو الصحيح ، ففي المغني : يزيد بن نعامة بضم النون وأبو نعامة بفتح النون اسمه عيسى بن سوادة ثقة ( العدوي ) بفتحتين ( قال سمعت خالد بن عمير ) بالتصغير وكذا قوله ( وشويسا ) بمعجمة ، ثم مهملة ( أبا الرقاد ) بضم فقاف مخففة ( قالا ) أي : كلاهما ( بعث عمر بن الخطاب ) أي : في أواخر خلافته ( عتبة بن غزوان ) بفتح معجمة وسكون زاي صحابي جليل مهاجري بدري ( وقال ) أي : عمر ( انطلق أنت ومن معك ) أي : من العسكر ( حتى إذا كنتم في أقصى أرض العرب ) أي : أبعدها ( وأدنى بلاد أرض العجم ) أي : أقربها إلى أرض العرب ، والمعنى أن هذا غاية سيركم ( فأقبلوا ) فعل ماض من الإقبال أي : توجهوا ( حتى إذا كانوا بالمربد ) بكسر ميم فسكون ففتح موحدة من ربد بالمكان إذا أقام فيه ، وربده إذا حبسه ، وهو الموضع الذي يحبس فيه الإبل والغنم ، أو يجمع فيه الرطب حتى تجف ، وبه سمي مربد البصرة ( وجدوا هذا الكذان ) بفتح كاف وتشديد ذال معجمة حجارة رخوة بيض كأنها مدر ونونه أصلية أو زائدة ، والبصرة أيضا حجارة رخوة مائلة إلى البياض ( فقالوا ) أي : فقال بعضهم لبعض ( ما هذه ) [ ص: 245 ] أي : اسم هذه الأرض ( هذه البصرة ) أي : قالوا كما في نسخة ، ولا يبعد أن يكون همزة الاستفهام مقدرة ، فلا يحتاج إلى تقدير القول ، ثم البصرة بناها عتبة بن غزوان في خلافة عمر - رضي الله عنه - سنة سبع عشر وسكنها الناس سنة ثمان عشر ، قيل ولم يعبد بأرضها صنم ، ويقال لها قبة الإسلام وخزانة العرب ، والنسبة بصري على القياس ، وأكثر السماع بالكسر ، وروى أبو زيد ضمها ، والبصرتان الكوفة والبصرة ( فساروا ) أي : فتعدوا عنها وساروا ( حتى إذا بلغوا أحيال الجسر الصغير ) بكسر الحاء المهملة فتحتية أي : تلقاءه ، ومقابله والجسر بكسر الجيم ما يبنى على وجه الماء ، ويركب عليه من الألواح والحشيان ليعبروا عليه ( فقالوا ) أي : بعضهم لبعض ( هاهنا ) أي : في هذا المكان ( أمرتم ) أي : بالنزول والإقامة حفظا له عن عد ويجري لأخذه ( فنزلوا فذكروا ) المراد بالجمع ما فوق الواحد ، وفي نسخة فذكرا بصيغة التثنية ، وهو الظاهر ؛ لأن الضمير راجع إلى خالد وشويس ، وفي نسخة فذكر بصيغة الواحد المعلوم أي : محمد بن بشار على ما ذكره ابن حجر أو أبو نعامة ، وهو الأقرب ، أو ذكر كل واحد من الروايتين ( الحديث بطوله ) ولم يستكمله ؛ لأن الشاهد للباب هو ما سيأتي من كلام عتبة مما يدل على ضيق عيش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ( قال ) أي : كل واحد ، وهو يرجح مثله مما سبق من أنواع التأويل ، وفي نسخة صحيحة قالا ، أي : كلاهما ( فقال عتبة بن غزوان لقد رأيتني ) أي : أبصرت نفسي ( وإني ) بكسر الهمزة ، أي : والحال إني ( لسابع سبعة ) أي : في الإسلام ( مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) ؛ لأنه أسلم بعد ستة نفر ، قال ابن حجر : أي : واحد من سبعة جعل نفسه سابعا ؛ لأنه سبع الستة ، لكن قضية قوله الآتي بيني وبين سبعة أنه ثامن ، لكن قوله أولئك السبعة بدل الأول ، وأن المراد بقوله هناك بقية سبعة ، قلت وسيأتي أن رواية الأصل بين سعد ، وأن في نسخة بين سبعة ، وهي تصحيف وتحريف فالمدار عليه ضعيف ( ما لنا طعام إلا ورق الشجر ) بالرفع على البدلية ( حتى تقرحت ) بالقاف وتشديد الراء ، وفي نسخة قرحت على زنة فرحت ، وفي أخرى بصيغة المجهول ، أي : جرحت ( أشداقنا ) جمع شدق بالكسر ، وهو جانب الفم ، أي : صارت فيها أقراح وجراح من خشونة الورق الذي نأكله وحرارته ( فالتقطت ) أي : أخذت من الأرض على ما في الصحاح ( بردة ) بضم موحدة وسكون راء شملة مخططة ، وقيل كساء أسود مربع ، فيه خطوط صفر ، يلبسه الأعراب ، وقال ميرك : الالتقاط أن يعثر على الشيء من غير [ ص: 246 ] قصد وطلب ( فقسمتها ) بتخفيف السين ، ويجوز تشديدها ( بيني وبين سبعة ) أي : ابن أبي وقاص على ما في الأصول المصححة والنسخ المعتمدة ، قال ميرك : وفي بعض النسخ سبعة بدل سعد ، وهو سهو لما في رواية مسلم فقسمتها بيني وبين سعد بن مالك فاتزرت بنصفها واتزر سعد بنصفها ( فما منا من أولئك السبعة أحد إلا وهو أمير مصر من الأمصار ) أي : وهذا جزاء الأبرار في هذه الدار ، وهو خير وأبقى في دار القرار ( وستجربون الأمراء بعدنا ) إخبار بأن من بعدهم من الأمراء ليسوا مثل الصحابة في العدالة والديانة والإعراض عن الدنيا الدنية والأغراض النفسية ، وكان الأمر كذلك ، فهو من الكرامات بالخبر عن الأمور الغيبية ، وأشار إلى الفرق بأنهم رأوا منه - صلى الله عليه وسلم - ما كان سببا لرياضتهم ومجاهدتهم وتقللهم في أمر معيشتهم ، فمضوا بعده على ذلك واستمروا على ما هنالك ، وأما غيرهم ممن بعدهم فليسوا كذلك ، فلا يكونون على قضية طباعهم المجبولة على الأخلاق القبيحة ، فلا يستقيموا مع الحق على الصدق ، ولا مع الخلق على حسن الخلق .

التالي السابق


الخدمات العلمية