( حدثنا ، عن قتيبة بن سعيد ) إشارة إلى تحويل السند ، ولذا عطف بقوله ( وحدثنا مالك بن أنس ، حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري معن ، عن مالك ، عن ) عن مخرمة بن سليمان كريب مصغرا ( عن أنه ) أي : ابن عباس ( أخبره ) أي : ابن عباس ( أنه ) وأغرب شارح فقال : أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( بات ) أي : رقد في الليل ( عند كريبا ميمونة ) أي : إحدى أمهات المؤمنين ( وهي خالته ) أي : فهو محرم لها ; فإنها بنت الحارث الهلالية العامرية قيل كان اسمها برة فسماها النبي - صلى الله عليه وسلم - ميمونة ، كانت تحت مسعود بن عمرو الثقفي في الجاهلية ففارقها فتزوجها أبو رهم بن عبد العزى ، وتوفي عنها فتزوجها - صلى الله عليه وسلم - لما كان بمكة معتمرا في ذي القعدة سنة سبع بعد خيبر في عمرة القضاء ، وكانت أختها تحت أم الفضل لبابة العباس ، وأختها لأمها تحت أسماء بنت عميس جعفر ، وسلمى بنت عميس تحت حمزة رضي الله عنهم ، قيل وهي الواهبة نفسها له - صلى الله عليه وسلم - ; لأنها لما جاءتها خطبته [ ص: 84 ] وهي على بعير لها قالت : هو وما عليه لله ولرسوله ، وجعلت أمرها للعباس فأنكحها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم فلما رجع بنى بها بسرف حلالا ، وعند مسلم أنه تزوجها حلالا ، قال ابن حجر : فرواية : وهو محرم ، محمولة على أن المعنى ، وهو داخل الحرم قلت إنها محمولة على أنه تزوجها وهي حلال ، وحيث جاز الاحتمال سقط الاستدلال ، فالمعول هو الحديث الأول ; فإنه للمقصود مفصل ثم قال على أن من خصوصيته - صلى الله عليه وسلم - أن له النكاح ، وهو محرم ، أقول : لا بد من مخصص ، وإلا فالأصل أن الحكم عام مع أن الأصل في الأشياء هو الإباحة ، ومن غريب التاريخ أنها ماتت بسرف في المحل الذي تزوجها فيه ، وهو على عشرة أميال من مكة بين التنعيم والوادي في طريق المدينة سنة إحدى وستين ، وقيل غير ذلك ، وصلى عليها ، ودخل قبرها وهي آخر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ( قال ) أي : ابن عباس ( فاضطجعت في عرض الوسادة ) بفتح العين على الأصح الأشهر ، وفي رواية بضمها وهو بمعنى مفتوح العين أي : جانبها ، والوسادة بكسر الواو المخدة المعروفة الموضوعة تحت الخد أو الرأس ، ونقل ابن عباس ، وغيره أن المراد بها هنا الفراش لقوله ( واضطجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) أي : وأهله كما في رواية القاضي عياض مسلم ( في طولها ) وكان رضي الله عنه نام تحت رجليه تأدبا ، وتبركا وقد زل قدم ابن حجر هنا فتدبر ، وفيه دليل لحل نوم الرجل وأهله من غير مباشرة بحضرة محرم لها مميز ، قال القاضي : وقد جاء في بعض روايات الحديث قال : بت عند خالتي في ليلة كانت فيها حائضا قال : وهذه اللفظة وإن لم يصح طريقها ، فهي حسنة المعنى جدا إذ لم يكن ابن عباس يطلب المبيت في ليلة له - صلى الله عليه وسلم - فيها حاجة إلى أهله سيما ، وهو كان في تلك الليلة مراقبا لأفعاله - صلى الله عليه وسلم - ولعله لم ينم أو نام قليلا جدا كذا في شرح ابن عباس مسلم ونومه - صلى الله عليه وسلم - مع أهله في فراش واحد من عادته السنية ، وحسن معاشرته البهية واعتزالها في النوم كما هو عادة بعض الأعاجم ، والمتكبرين مذموم إلا إذا اختارت المرأة وأراد الرجل هجرانها تأديبا كما قال سبحانه واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ( فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) وفي رواية الصحيحين : فتحدث مع أهله ساعة ثم رقد ( حتى إذا انتصف الليل ) أي : تخمينا وتقريبا ( أو قبله ) أي : أو كان قبل انتصاف الليل ( بقليل [ ص: 85 ] أو بعده ) أي أو كان بعده ( بقليل فاستيقظ رسول - صلى الله عليه وسلم - فجعل يمسح النوم ) أي : أثره مما يعتري النفس من الفتور ( عن وجهه ) والظاهر أن الترديد المذكور من بناء على تردده بأن غاية النوم نصف الليل أو قبل النصف أو بعده ، ويحتمل أن يكون الشك من الراوي عن ابن عباس أو لغيره ، وفي رواية الشيخين : فلما كان ثلث الليل الأخير أو نصفه قعد فنظر إلى السماء ( ثم قرأ العشر الآيات ) أي : من قوله سبحانه ابن عباس إن في خلق السماوات والأرض قال ابن حجر : فيه حل القراءة للمحدثين حدثا أصغر ، وهذا إجماع بل ندبها له انتهى . وفيه أن هذا الاستدلال مع وجود الاحتمال غير صحيح ، إذ نومه - صلى الله عليه وسلم - ليس بناقض إجماعا فكيف يعلم أنه قرأ الآيات محدثا مع أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يكره أن يذكر الله على غير طهارة كما ورد في حديث التيمم لرد السلام فكيف لكلام الملك العلام على أنه لو ثبت قراءته محدثا لدل على جوازه ، فقوله بل ندبها له في غير محله ، ولا دلالة لقوله : " فتوضأ " على أنه كان محدثا لاحتمال كونه مجردا ( الخواتيم ) جمع الخاتمة ، وفي بعض النسخ بدون الياء ، وفيه ندب قراءة خصوص هذه الآيات عقب الاستيقاظ لما اشتمل على الفوائد التي يحصل بها الإيقاظ ( من سورة آل عمران ) فيه إباحة قول ذلك ، وكرهه بعض السلف ، وقال : بل يقال السورة التي تذكر فيها آل عمران وكذا البقرة وأمثالها كراهة ظاهر الإضافة ، فقول ابن حجر : ليس لهم أصل . ليس على الأصل ، فإن كراهة السلف لا تخلو عن أصل ، وهو ما ذكرناه أو غيره من فصل ( ثم قام ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( إلى شن ) بفتح الشين المعجمة ، وبالنون المشددة ، وهو القربة الخلقة ( معلق ) أي : لتبريد الماء أو لحفظه ( فتوضأ منها ) أي : من الشن وتأنيثه باعتبار معنى القربة ، وفي نسخة صحيحة منه بتذكير الضمير وهو ظاهر ( فأحسن الوضوء ) أي : وضوءه كما في نسخة والمعنى أسبغه وأكمله ، وهو معنى رواية الصحيحين وضوءا حسنا بين الوضوأين لم يكثر ، وقد أبلغ أي : لم يكثر صب الماء ، ولم يسرف في الكيفية أو الكمية ، وقد أبلغ الوضوء أماكنه ، واستوفى عدده المسنون ( ثم قام يصلي ) حال وفي رواية الشيخين : فأطلق شناقها ثم صب في الجفنة ثم توضأ . وفي رواية : فتوضأ واستاك ، ثم صلى ركعتين ، ثم نام ، ثم قام فتوضأ واستاك ، وصلى ركعتين ، وأوتر بثلاث . للنسائي ولمسلم : فاستيقظ ، فتسوك وتوضأ وهو يقول : " إن في خلق السماوات والأرض " حتى ختم السورة ، فصلى ركعتين أطال فيهما القيام والركوع والسجود ، ثم انصرف ; فنام حتى نفخ ثم فعل ذلك ثلاث مرات بست ركعات كل ذلك يستاك ويتوضأ ، ويقرأ هؤلاء الآيات ثم أوتر بثلاث ركعات . قيل ولا تنافي بين هذه الروايات ; لأن في بعضها زيادة فيعمل بها وإن سكتت الرواية الأخرى عنها لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ ، وليست الواقعة متعددة حتى يحمل الاختلاف عليها وإنما هي واحدة ، فيجب عند عدم التعارض العمل بالأصح من تلك الروايات ، وهو رواية الشيخين ثم إحداهما ( قال : فقمت إلى جنبه ) أي : فقمت وتوضأت فقمت عن يساره [ ص: 86 ] كما في رواية الشيخين ( فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده اليمنى على رأسي ثم أخذ بأذني اليمنى ) قيل وضعها عليه أولا ليتمكن من أخذ الأذن أو ; لأنها لم تقع إلا عليه ، أو لينزل بركتها به ليحفظ جميع أفعاله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك المقام وغيره ( ففتلها ) بالفاء العاطفة على صيغة الماضي ، وفي نسخة يفتلها على صيغة المضارع من باب ضرب ، فحينئذ هذه الجملة حال من فاعل أخذ وفي رواية الشيخين فأخذ بأذني ، فأدارني عن يمينه قيل ، وفتلها إما لينبهه على مخالفة السنة أو ليزداد تيقظه لحفظ تلك الأفعال أو ليزيل ما عنده من النعاس لرواية : فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني ( فصلى ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين . قال معن : ست مرات ) أي : قوله ركعتين ست مرات فتكون صلاته ثنتي عشرة ركعة ( ثم أوتر ) قال عبد الله بن عباس ابن حجر : ورواية الشيخين فتتامت صلاته ثلاث عشرة ركعة يعني فالوتر واحدة ، ويدفع بأن المعنى ثم أوتر الشفع الأخير بركعة منضمة إليه لرواية أنه أوتر بثلاث ، قيل في الحديث دليل على أن العمل القليل لا يبطل الصلاة ، وأن صلاة الصبي صحيحة ، وأن له موقفا من الإمام كالبالغ ، وأن الجماعة في غير المكتوبات جائزة ، أقول : وقد صرح في الفروع اتفاق الفقهاء بكراهية الجماعة في النوافل إذا كان سوى الإمام أربعة ، قال في الكافي : أن التطوع بالجماعة إنما يكره إذا كان على سبيل التداعي ، وأما لو اقتدى واحد بواحد أو اثنان بواحد لا يكره ، وإن اقتدى ثلاثة بواحد اختلف فيه وإن اقتدى أربعة بواحد كره اتفاقا ، وأما ما ذكره في شرح النقاية من جواز نقلا عن المحيط ، وكذا ما ذكره في الفتاوى الصوفية ، ونحوهما فمحمول على أن المراد بالجواز الصحة ، وهي لا تنافي الكراهة والله أعلم ( ثم اضطجع ) قال الجماعة في النوافل مطلقا ميرك : المراد بالاضطجاع منه - صلى الله عليه وسلم - بعد التهجد للاستراحة ليزول عنه تعب قيام الليل ، فيصلي فريضة الصبح بنشاط ، ولم يكن به ملالة . قال النووي : ويستحب أيضا يعني لحديث ورد بذلك ، والظاهر عدم تكرار الاضطجاع ; فإن لم يحصل قبل يستدرك فيما بعد ( ثم جاءه المؤذن ) أي : بلال أو غيره للإعلام بدخول الوقت ( فقام فصلى ركعتين خفيفتين ) أي : سنة الصبح ، وفي الحديث دليل على استحباب تخفيفها لا على جوازه كما توهم بعضهم ، وسيأتي تحققه ( ثم خرج فصلى الصبح ) أي : فرضه ، ورواية الشيخين : ثم اضطجع ; فنام حتى نفخ ، وكان إذا نام نفخ فأذن الاضطجاع بعد ركعتي الفجر بلال بالصلاة فصلى ولم يتوضأ . هذا ووتره - صلى الله عليه وسلم - آخر الليل هو الأغلب بناء على أنه الأفضل الأكمل ، وإلا ففي الصحيحين وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ، والمراد بأوله بعد صلاة العشاء ، ولعل اختلاف هذه الأوقات على ما دونت به الروايات لاختلاف الأحوال ، والأعذار [ ص: 87 ] فإيتاره أوله لعله كان لمرض ، وأوسطه لعله كان لسفر . أوتر من كل الليل من أوله وأوسطه وآخره ، وانتهى وتره إلى السحر