( حدثنا ، حدثنا محمد بن المثنى ، أنبأنا ) وفي نسخة أخبرنا ( محمد بن جعفر شعبة بن عمرو بن مرة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ) اسمه ، وقيل : بلال ، وقيل : داود بن بلال ( قال : أم هانئ ) بالرفع ؛ فإنه بدل من قوله أحد قال ما أخبرني أحد ) أي : من الصحابة ( أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى إلا ميرك : وفي رواية من وجه آخر عن ابن شيبة قال : ابن أبي ليلى أم هانئ ، أدركت الناس ، وهم متوافرون ، فلم يخبرني أحد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الضحى إلا ولمسلم من طريق قال : عبد الله بن الحارث الهاشمي أم هانئ بنت أبي طالب حدثتني فذكر الحديث ، سألت وحرصت على أن أحدا من الناس يخبرني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سبح سبحة الضحى ، فلم يخبرني أحد غير وعبد الله بن الحارث هذا هو ابن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب مذكور في الصحابة لكونه ولد على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين في روايته وقت سؤال ابن ماجه عبد الله بن الحارث عن ذلك ، ولفظه : سألت ، في زمن عثمان ، والناس متوافرون أن أحدا يخبرني أنه - صلى الله عليه وسلم - سبح سبحة الضحى ، فلم أجد غير أم هانئ ( فإنها حدثت ) وفيه أنه إنما نفى علمه ، فلا ينافي ما حفظه غيره على أنه يكفي إخبار أم هانئ ( مكة فاغتسل ) ، ورواه عنها كذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل بيتها يوم فتح ، وفي رواية ، وذلك ضحى لكنه بظاهره يخالف رواية الشيخين عنها قالت : " البخاري وفاطمة ابنته تستره بثوب " الحديث ، اللهم إلا أن يقدر ويقال : فوجدته يغتسل في بيتي ، أو يقال كان لها بيتان أحدهما كان - صلى الله عليه وسلم - سكنه فيه والآخر سكناها ، فالإضافة باعتبار مالكيتها أو يحمل على تعدد الواقعة ، فمرة كان في بيتها ، وأخرى ذهبت إليه ويحتمل أنه كان في بيتها في ناحية عنها وعنده ذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح ، فوجدته يغتسل ، فاطمة فذهبت إليه وكان ذهابها إليه لشكوى أخيها علي إذ أراد أن يقتل من أجارته فقال - صلى الله عليه وسلم - أم هانئ ، وقال قد أجرنا من أجرت يا ميرك : ظاهره أن الاغتسال وقع في بيتها . ووقع في الموطأ ومسلم من طريق أبي مرة عن أم هانئ أنها ذهبت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بأعلى مكة فوجدته يغتسل ، ويجمع بينهما بأن ذلك تكرار منه ، ويؤيده ما رواه من طريق ابن خزيمة مجاهد عن أم هانئ ، وفيه أن أبا ذر ستره لما اغتسل ، وإن في رواية أبي مرة عنها أن فاطمة الزهراء سترته ، ويحتمل أن يكون نزل في بيتها بأعلى مكة ، وكانت هي في بيت آخر بمكة ، فجاءت إليه فوجدته يغتسل فيصح القولان ، وأما الستر فيحتمل أن يكون أحدهما ستره في ابتداء الغسل ، والآخر في أثنائه على ما أشار إليه العسقلاني لكنه لا يخلو عن بعد والله أعلم . [ ص: 109 ] قال ابن حجر : أخذ منه أئمتنا أنه مكة أن يغتسل أول يوم لصلاة الضحى اقتداء به - صلى الله عليه وسلم - انتهى ، وفيه أن الأولى أن يقال ندب لعدم تكرر فعله ، وتأكيد قوله - صلى الله عليه وسلم - ( فسبح ) أي : صلى ، من باب تسمية الكل باسم البعض لاشتمال الصلاة على التسبيح ، وقد يطلق التسبيح على صلاة التطوع على أن رواية الصحيحين : فصلى ( ثماني ركعات ) يسن لمن دخل ولمسلم وروى أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى في بيتها عام الفتح ثماني ركعات في ثوب واحد ، قد خالف بين طرفيه أن النسائي أم هانئ ذهبت إليه - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة تستره بثوب ، فسلمت فقال من هذا قلت أم هانئ فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات ملتحفا في ثوب واحد ، والثماني في الأصل منسوب إلى الثمن لأنه الجزء الذي صير السبعة ثمانية فهو ثمنها ، ثم فتحوا أوله لأنهم يغيرون في النسب ، وحذفوا منها إحدى يائي النسبة ، وعوضوا منها الألف ، وقد يحذف منه الياء ، ويكتفى بكسر النون أو يفتح تخفيفا كذا حققه العلامة الكرماني ، وزاد كريب عن أم هانئ فسلم من كل ركعتين ، وفي من حديث الطبراني ابن أبي أوفى ، فسألته امرأته فقال : أنه صلى الضحى ركعتين ، وهو محمول على أنه رأى من صلاته - صلى الله عليه وسلم - ركعتين ، وأن إن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى يوم الفتح ركعتين أم هانئ رأت بقية الثمان ، وهذا يقوي أنه صلاها مفصولة كذا إفادة الحافظ العسقلاني ، وقال ميرك : كونه مقويا ليس بظاهر لاحتمال أنه رأى الركعتين الأخيرتين تأمل . قلت : كلام العسقلاني هو الظاهر ، وإلا فينافي روايته عنها ، فسلم من كل ركعتين ، تدبر ، وقد روى أبو داود عنها أنه - ، صلى الله عليه وسلم - صلى يوم الفتح سبحة الضحى ثماني ركعات يسلم من كل ركعتين ولمسلم في كتاب الطهارة ثم صلى ثماني ركعات سبحة الضحى ، قال ابن حجر : وبهذين الحديثين يبطل قول عياض وغيره : حديثها ليس بظاهر في قصده - صلى الله عليه وسلم - سنة الضحى ، قلت بل الصواب قول عياض ومن تبعه ؛ لأنه لا يلزم من رواية الراوي أنه - صلى سبحة الضحى لما دل عليه اقتران وقت الضحى أنه - صلى الله عليه وسلم - قصد صلاة الضحى وبه يندفع قوله أيضا ، وأما قول من قال : لا تفعل صلاة الضحى إلا لسبب أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما صلاها يوم الفتح من أجل الفتح ، فيبطله ما مر من الأحاديث انتهى .
وبيانه أنه ليس في الحديث ما يدل على أن الفتح ليس سببا لهذه الصلاة ، لكن يمكن أن يكون سببا لإنشائها ثم المواظبة على أدائها من غير احتياج إلى سبب في كل مرة من فضائلها لما رواه أنها قالت : له - صلى الله عليه وسلم - ابن عبد البر ما هذه الصلاة ؟ قال : " صلاة الضحى " ، ولما صح عن : " أبي هريرة " ، وذكر منهن الضحى ، وأما الجواب بأنه روي عنه أنه كان يختار درس الحديث بالليل على الصلاة فأمر بالضحى بدلا عن قيام الليل ولهذا أمره دون بقية الصحابة أن لا ينام إلا على وتر فمع كمال بعده يرده أن هذه الوصية غير خاصة به بل رواها أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت مسلم عن ، أبي الدرداء عن والنسائي أبي ذر والله سبحانه أعلم . ( ما رأيته ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( صلى صلاة ) أي : [ ص: 110 ] فريضة ولا نافلة ( قط ) أي : أبدا ( أخف منها ) أي : من تلك الصلاة التي صلاها - صلى الله عليه وسلم - ( غير أنه كان يتم الركوع والسجود ) نصب على الاستئناف ، وفيه إشعار بأن الاعتناء بشأن الطمأنينة في الركوع والسجود ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - خفف سائر الأركان من القيام ، والقراءة والتشهد ، ولم يخفف من الطمأنينة في الركوع والسجود ، كذا ذكره الطيبي ، وفيه أنه لا يتصور التخفيف في حصول أصل طمأنينتهما بخلاف بقية أحوال الصلاة ، فالصحيح أن الاستثناء لدفع توهم نشأ من قولها : ما رأيته إلى آخره ، وهو أنه لا يتم الركوع ، والسجود فالتخصيص بهما ؛ لأنه كثيرا ما يقع التساهل فيهما ثم لا يؤخذ منه ندب التخفيف في صلاة الضحى ؛ لأنه لم يعلم منه المواظبة على ذلك فيها بخلاف سنة الفجر بل الثابت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى الضحى فطول فيها وإنما خفف يوم الفتح لاحتمال أنه قصد التفرغ لمهمات الفتح لكثرة شغله به ، قال ميرك : واستدل بهذا الحديث على إثبات سنة الضحى وحكى عياض عن أقوام أنهم قالوا : ليس في حديث أم هانئ دلالة على ذلك قالوا : وإنما هي صلاة الفتح وقد صلى في بعض فتوحه لذلك ، وقيل أنها كانت قضاء عما شغل عنه تلك الليلة من حزبه فيها لكن جاء في حديث خالد بن الوليد أنس مرفوعا : " من صلى الضحى ركعتين لم يكتب من الغافلين ، ومن صلى أربع ركعات كتب من القانتين ، ومن صلى ستا كفي ذلك اليوم ، ومن صلى ثمانيا كتب من العابدين ، ومن صلى اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتا في الجنة " ، وفي إسناده ضعف ، لكن له شاهد من حديث أبي الدرداء وأبي ذر لكن في إسناده ضعف أيضا قلت لكن يتقوى بعضه ببعض مع أن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال اتفاقا ونقل الترمذي عن أحمد : أنه أصح شيء ورد في الباب حديث أم هانئ ، ولذا قال النووي : وفي الروضة أفضلها ثمان ، وأكثرها عشرة ، وذهب قوم منهم ، وبه جزم أبو جعفر الطبري الحليمي ، من الشافعية إلى أنه لا حد لأكثرها ، فروي عن طريق والروياني قال : سأل رجل إبراهيم النخعي كم أصلي الضحى ؟ قال : ما شئت ويؤيده . ما تقدم من حديث الأسود بن يزيد عائشة أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي أربعا ، ويزيد ما شاء الله .