( حدثنا واصل بن عبد الأعلى الكوفي ، حدثنا عن محمد بن فضيل الأعمش عن قال : كان النبي ) وفي نسخة رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - يدعى إلى خبز الشعير والإهالة أنس بن مالك ) بكسر الهمزة وهو كل شيء من الأدهان مما يؤتدم ، وقيل ما أذيب من الألية والشحم ، وقيل الدسم الجامد وقوله ( السنخة ) بفتح السين وكسر النون فالخاء المعجمة أي المتغيرة الريح من طول المكث ( فيجيبه ولقد كانت له درع ) زاد من حديد أي مرهونة في ثلاثين صاعا من شعير على ما رواه البخاري البخاري وأحمد وابن ماجه وغيرهم ، وفي عشرين صاعا من طعام أخذه لأهله على ما رواه والطبراني المص في الجامع في سنته ، وجمع بينهما بأنه أخذ أولا عشرين ثم عشرة والله أعلم ، وقيل لعله كان دون الثلاثين فجبر إلى الكسر تارة وأوفي أخرى ، ووقع والنسائي عن لابن حبان أنس أن قيمة الطعام كانت دينارا ، وفي حديث عائشة عند البخاري وروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى من يهودي إلى أجل عنها أن الأجل سنة وفي بعض النسخ كان بدون تاء التأنيث ، وذلك لما ذكره ابن حبان الجوهري وغيره من أن درع الحديد مؤنث ودرع المرأة مذكر ، كذا حرره الحنفي ، والوجه أن يقال : لما لم يكن المؤنث حقيقيا وقد تأخر لا سيما مع الفصل جاز تذكيره وتأنيثه كما قرئ بهما قوله تعالى ولا يقبل منها شفاعة وأما وجه الفرق بينهما في اللغة أن درع الحديد بمعنى اللأمة بالهمزة ، ودرع المرأة بمعنى القميص ، مع أن درع الحديد قد يذكر كما ذكره في القاموس ( عند يهودي ) هو أبو الشحم بن الأرس ، واسمه كنيته ، وفيه إيماء إلى أن القرض من الأباعد أولى [ ص: 166 ] ( فما وجد ما يفكها ) بضم الفاء وتشديد الكاف أي شيئا يخلص الدرع ، ( حتى مات ) أي مسكينا كما طلبه من الله تعالى ، وفيه إيماء إلى أن ، قيل ذكر هذه القصة لإتمام الحديث لا لبيان التواضع ورد بأن فيها غاية التواضع لأنه - صلى الله عليه وسلم - لو سأل مياسير أصحابه في رهن درعه لرهنوها على أكثر من ذلك ، لما كان لهم من العطاء في مرضاته ما لا يحصى ، فإذا ترك سؤالهم وسأل يهوديا لم يبال بأن منصبه الشريف يأبى أن يسأل مثل يهودي في ذلك ، دل على غاية تواضعه وعدم نظره لفوت مرتبته ورفعة شأنه مع ما فيه من الحجة على اليهود ، حيث إنه اختار العقبى وأعرض عن الدنيا مع عرض الجبال ذهبا له من عند المولى ، وردا على مقالهم في قوله تعالى الفقير الصابر أفضل من الغني الشاكر من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا حيث أخبر سبحانه عنهم بقوله لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ومع ما فيه من الإشعار ببراءته من الطمع وطلب الأجر من المسلمين حتى تنزه عن القرض الذي أداؤه من الفرض ، ولذا تبعه الإمام الأعظم حيث لم يقف في ظل جدار من كان له عليه دين تنزها من كل قرض جر منفعة فهو ربا ، هذا وفيه دليل على أن المراد بقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث : أبي هريرة ، وهو حديث مشهور وصححه نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه وغيره من لم يترك عند صاحب الدين ما يحصل به الوفاء فاندفع به ما قاله ابن حبان ابن حجر ولا ينافي ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - لأنه في غير الأنبياء ، على أن محله في من استدان لمعصية وإلا لم يطالب قيل إجماعا انتهى نفس المؤمن مرتهنة أي محبوسة عن مقامه الكريم حتى يقضى عنه دينه
وأنت تعلم أن [ ص: 167 ] التخصيص لم يثبت بمجرد احتمال من غير إبراز استدلال ، إذ الأصل عموم الحكم ، وأما عدم المطالبة على الإطلاق فمحل بحث ، وكذا من استدان لمعصية خارج عما نحن بصدده ، ثم قال ميرك شاه : ذكر في الأقضية النبوية أن أبا بكر افتكها بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن قضى ديونه ، وروى علي بن أبي طالب في مسنده عن إسحاق ابن راهويه مرسلا أن الشعبي أبا بكر افتك الدرع وسلمها إلى علي وأما من أجاب بأنه - صلى الله عليه وسلم - افتكها قبل موته فمعارض بحديث أنس هذا .
وفي الحديث جواز معاملة الكفار فيما لم يتحقق تحريم عين المتعامل فيه ، وعدم الاعتبار بفساد معتقداتهم ومعاملتهم فيما بينهم ، واستنبط منه جواز معاملة من أكثر ماله حرام يعني لقوله تعالى أكالون للسحت وفيه جواز بيع السلاح ورهنه وإجارته وغير ذلك من الكافر ما لم يكن حربيا ، وفيه ثبوت المال لأهل الذمة في أيديهم وجواز الشراء بالثمن المؤجل ، وفيه ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من التواضع والزهد في الدنيا والتقلل فيها مع قدرته عليها ، والكرم الذي أفضى إلى عدم الادخار حتى رهن درعه ، والصبر على ضيق العيش ، والقناعة باليسير وفضيلته لآله وأزواجه حيث يصبرون معه على ذلك ، قال العلماء : والحكمة في إما لبيان الجواز ، أو لأنهم لم يكن عندهم إذ ذاك طعام فاضل عن حاجتهم ، أو خشي أنهم لا يأخذون منه ثمنا ، أو عوضا فلم يرد التضييق عليهم ، ولعله لم يطلع على ذلك من كان يقدر ، أو أطلع عليه من لم يكن موسرا . عدوله - صلى الله عليه وسلم - عن معاملة مياسير الصحابة إلى معاملة اليهود