( حدثنا  عبد الله بن عبد الرحمن  ، أخبرنا  عفان  ، أخبرنا   حماد بن سلمة  ، عن  حميد  ، عن  أنس ) أي ابن مالك  كما في نسخة ( قال لم يكن شخص أحب ) أي أكثر محبوبية ( إليهم ) أي إلى الصحابة ( من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أي  أنس     ( وكانوا ) أي : والحال أنهم مع تلك الأحبية المقتضية لمزيد الإجلال والتعظيم بالمزية ، ومنه القيام على العادة العرفية ، كانوا ( إذا رأوه ) أي مقبلا ( لم يقوموا ) أي له ( لما يعلمون ) ما موصولة ، أو موصوفة وأبعد  الحنفي  في تجويزه      [ ص: 169 ] المصدرية ، أي : لأجل الأمر المعلوم المستقر عندهم ( من كراهيته ) بيان لما ، وفي نسخة من كراهته وهو مصدر كره كعلم ( لذلك ) أي للقيام تواضعا لهم ، ورحمة عليهم فاختاروا إرادته على إرادتهم ؛ لعلمهم بكمال تواضعه وحسن خلقه ، قيل في قوله ( أحب ) هذا مشكل لأن الأحبية لا تقتضي القيام لأن الولد أحب إلى الوالد ، ولا يقوم له ، ورد بأن هذا ليس على إطلاقه ؛ فإن الولد حيث كان له فضيلة تقتضي القيام له سن للأب القيام له كما صرح به كلام أئمة هذا القائل فبطل إشكاله المبني على وهم فيه ؛ لأن الأحبية من حيث الدين تقتضي القيام انتهى ؟ والتحقيق أن إشكاله وارد ، والجواب ما ذكره بطريق الرد لا أن الإشكال مندفع من أصله ، وحاصله أن المحبة إذا كانت ناشئة عن الفضيلة تقتضي القيام على وجه الكرامة لا المحبة الطبيعية على مقتضى السجية ، فإن الإنسان قد يحب فرسه أكثر من صاحبه ، والله أعلم ، ثم الظاهر من إيراد  أنس  هذا الحديث إرادة أن القيام المتعارف غير معروف في أصل السنة وفعل الصحابة ، وإن استحبه بعض المتأخرين ، وليس معناه أنهم كانوا يقومون بعضهم لبعض ولا يقومون له - صلى الله عليه وسلم - كما يتوهم فإنه عليه السلام قال :  لا تقوموا كما يقوم الأعاجم بعضهم لبعض  ، وأغرب  ابن حجر  في قوله ولا يعارض ذلك  قوله - صلى الله عليه وسلم - للأنصار قوموا لسيدكم  أي   سعد بن معاذ  سيد  الأوس   لما جاء على حمار لإصابة أكحله بسهم في وقعة  الخندق   كان منه موته بعد ؛ لأن هذا حق للغير فأعطاه - صلى الله عليه وسلم - له وأمرهم بفعله بخلاف قيامهم له - صلى الله عليه وسلم - فإنه حق لنفسه وتركه تواضعا انتهى ، ووجه غرابته أن الحديث بعينه يرد عليه ، ؛ لأنه يدل على أن القيام لم يكن متعارفا فيما بينهم وعلى التنزل ، فلو أراد قيام التعظيم لما خص قومه به ، بل كان يعمهم وغيرهم ، فالصواب أن المراد بالقيام الذي أمرهم به هو إعانته حتى ينزل من حماره لكونه مجروحا مريضا ، ولا يدفعه ما قال بعضهم : لو أراد هذا المعنى لعدى بـ ( إلى ) لأن اللام تأتي كثيرا للعلة ، فالتقدير : قوموا لأجل معاونة سيدكم ، مع أنه في كثير من الروايات (  قوموا إلى سيدكم     ) حتى قال بعضهم : لو أريد به التوقير لقال : قوموا لسيدكم ، وأما قول  ابن حجر     : ويؤيد مذهبنا من ندب  القيام لكل قادم   به فضيلة ، نحو نسب ، أو علم ، أو صلاح ، أو صداقة حديث أنه - صلى الله عليه وسلم - قام   لعكرمة بن أبي جهل  لما قدم عليه   ولعدي بن حاتم  كلما دخل عليه ، وضعفهما لا يمنع الاستدلال بهما هنا خلافا لمن وهم فيه ؛ لأن  الحديث الضعيف   يعمل به في فضائل الأعمال اتفاقا بل إجماعا كما قاله  النووي  فمدفوع ؛ لأن الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال المعروفة في الكتاب والسنة لكن لا يستدل به على إثبات الخصلة المستحبة على أن القادم له حكم آخر فهو خارج عما نحن فيه ، مع أن المروي بطريق الضعف  عن  عدي     ( ما دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا قام لي أو تحرك     ) والمشهور إلا أوسع لي ، ولو ثبت فالوجه فيه : أن يحمل على الترخيص حيث يقتضيه الحال ، وقد كان  عدي  سيد  بني طي   على حسبه فرأى تأليفه بذلك . على الإسلام لما عرف من جانبه ميلا إليه على      [ ص: 170 ] حسب ما يقتضيه الرياسة ولا يبعد على أن يحمل على قيام القدوم ، وقد قام   لجعفر بن أبي طالب  أيضا لما قدم من  الحبشة   ، وإنما الكلام في القيام المتعارف فيما بين الأنام ، مع أن القيام إنما استحبه العلماء الكرام لمجرد الإكرام لا للرياء والإعظام ، فإنه مكروه ، لكنه صار من البلوى العامة ، بحيث لو تركه عالم لظالم اختل عليه النظام ، ثم قال : ويفرق بينه وبين حرمة نحو الركوع للغير إعظاما بأن صورة نحو الركوع لم تعهد إلا عبادة بخلاف صورة القيام انتهى ، وفيه أن القيام بطريق التمثل كما هو شأن أكابر الزمان حرام لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (  من أحب أن يتمثل له الرجال فليتبوأ مقعده من النار     ) رواه  أحمد  وأبو داود   والترمذي  عن  معاوية  ، قال  النووي     : هذا الحديث أقوى ما يحتج به لكراهة  قيام بعض المسلمين لبعضهم   ، لكن المختار عند أكثر العلماء جواز ذلك من وجهين : أحدهما : أنه خاف عليهم الفتنة إذا أفرطوا في تعظيمه فكره قيامهم له لهذا المعنى كما قال : (  لا تطروني     ) ، ولم يكره قيام بعضهم لبعض ، أقول : هذا التقرير يحتاج إلى نقل فيه تحرير ولا يتم بقوله ، فإنه قد قام هو لبعضهم أيضا مثل  عكرمة   وعدي بن حاتم   وزيد بن ثابت   وجعفر بن أبي طالب  ، وقام المغيرة بحضرته فلم ينكر عليه بل أقره وأمر به ، قلت : قد عرفت أن هذا القيام كان للقادم وليس فيه الكلام ، قال : وثانيهما أنه كان بينه وبين أصحابه من الأنس وكمال الود والصفاء لا يحتمل زيادة الإكرام بالقيام ، فلم يكن في القيام مقصود ، وإن فرض الإنسان صار بهذه الحالة لم يحتج إلى القيام ، أقول : من اتصف بهذه الحالة لم يحتج إلى القيام ، لكن ينبغي له القيام لمزيد الإكرام ، ومن أراد القيام ولم يتصف بحال الكرام فينبغي أن يكره له القيام .  
ثم الأصحاب أيضا - رضي الله عنهم - فيما بينهم كان لهم غاية الصفا ونهاية الضياء فيدل على أنهم مع ما كانوا يقوم بعضهم لبعض قيام المتعارف ، وقال  ميرك     : لكن يشكل هذا الحديث بما أخرجه  أبو داود  من حديث   أبي هريرة  قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحدثنا فإذا قام قمنا قياما حتى نراه قد دخل  ، وأجاب بعضهم عن هذا الإشكال بأن قيامهم كان لضرورة الفراغ ليتوجهوا إلى أشغالهم وليس للتعظيم ، ولأن بيته كان بابه في المسجد ، والمسجد لم يكن واسعا إذ ذاك ، فلا يتأتى أن يستووا قياما إلا وهو قد دخل ، قال  الحافظ العسقلاني     : والذي يظهر لي في الجواب أن يقال : لعل سبب تأخيرهم حتى دخل أن يحتمل عندهم أمر يحدث له حتى لا يحتاج إذا تفرقوا أن يتكلف استدعاءهم ، ثم راجعت سنن  أبي داود  فوجدت في آخر الحديث ما يؤيده وهو قصة الأعرابي الذي جبذ رداءه - صلى الله عليه وسلم - فدعا رجلا فأمره أن يحمل له على بعيره تمرا وشعيرا ، وفي آخره ثم التفت إلينا فقال : انصرفوا رحمكم الله انتهى ، وقال   الإمام الغزالي     : القيام مكروه على سبيل الإعظام لا على سبيل الإكرام ، وقال  الإمام النووي     : هذا القيام للقادم من أهل الفضل من علم وإصلاح ، أو شرف مستحب ، وقد جاءت فيه أحاديث ، ولم يثبت في النهي عنه شيء صريح وقد جمعت كل ذلك مع كلام العلماء عليه في جزء وأجبت فيه عما توهم النهي عنه ، وقال   القاضي عياض     : ليس هذا من القيام المنهي عنه إنما ذاك      [ ص: 171 ] فيمن يقومون عليه وهو جالس ويمكثون قياما طول جلوسه .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					