المسألة الثانية : اختلفوا في رمضان على وجوه :
أحدها : قال : إنه اسم الله تعالى ، ومعنى قول القائل : شهر رمضان أي شهر الله ، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " مجاهد " . لا تقولوا جاء رمضان وذهب رمضان ولكن قولوا : جاء شهر رمضان وذهب شهر رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى
القول الثاني : أنه اسم للشهر كشهر رجب وشعبان ، ثم اختلفوا في اشتقاقه على وجوه ، الأول : ما نقل عن الخليل أنه من الرمضاء بسكون الميم ، وهو مطر يأتي قبل الخريف يطهر وجه الأرض عن الغبار ، والمعنى فيه أنه كما يغسل ذلك المطر وجه الأرض ويطهرها فكذلك شهر رمضان يغسل أبدان هذه الأمة من الذنوب ويطهر قلوبهم .
الثاني : أنه مأخوذ من الرمض وهو حر الحجارة من شدة حر الشمس ، والاسم الرمضاء ، فسمي هذا الشهر بهذا الاسم إما لارتماضهم في هذا الشهر من حر الجوع أو مقاساة شدته ، كما سموه تابعا لأنه كان يتبعهم ، أي يزعجهم لشدته عليهم ، وقيل : لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها فوافق هذا الشهر أيام رمض الحر ، وقيل : سمي بهذا الاسم لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها ، وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إنما سمي رمضان لأنه يرمض ذنوب عباد الله " .
الثالث : أن هذا الاسم مأخوذ من قولهم : رمضت النصل أرمضه رمضا إذا دفعته بين حجرين ليرق ، ونصل رميض ومرموض ، فسمي هذا الشهر رمضان ، لأنهم كانوا يرمضون فيه أسلحتهم ليقضوا منها أوطارهم ، وهذا القول يحكى عن الأزهري .
الرابع : لو صح قولهم : إن ، وهذا الشهر أيضا سمي بهذا الاسم ، فالمعنى أن الذنوب تتلاشى في جنب رحمة الله حتى كأنها احترقت ، وهذا الشهر أيضا رمضان بمعنى أن الذنوب تحترق في جنب بركته . رمضان اسم الله تعالى
المسألة الثالثة : قرئ ( شهر ) بالرفع وبالنصب ، أما الرفع ففيه وجوه :
أحدها : وهو قول الكسائي أنه ارتفع على البدل من الصيام ، والمعنى : كتب عليكم شهر رمضان .
والثاني : وهو قول الفراء والأخفش أنه [ ص: 72 ] خبر مبتدأ محذوف بدل من قوله : ( أياما ) كأنه قيل : هي شهر رمضان ، لأن قوله : ( شهر رمضان ) تفسير للأيام المعدودات وتبيين لها .
الثالث : قال أبو علي : إن شئت جعلته مبتدأ محذوف الخبر ، كأنه لما تقدم ( كتب عليكم الصيام ) قيل : فيما كتب عليكم من الصيام شهر رمضان ، أي صيامه .
الرابع : قال بعضهم : يجوز أن يكون مبتدأ وخبره ( الذي ) مع صلته ، كقوله زيد الذي في الدار . قال أبو علي : والأشبه أن يكون ( الذي ) وصفا ليكون لفظ القرآن نصا في الأمر بصوم الشهر ، لأنك إن جعلته خبرا لم يكن شهر رمضان منصوصا على صومه بهذا اللفظ ، إنما يكون مخبرا عنه بإنزال القرآن فيه ، وأيضا إذا جعلت ( الذي ) وصفا كان حق النظم أن يكنى عن الشهر لا أن يظهر ، كقولك : شهر رمضان المبارك من شهده فليصمه .
وأما قراءة النصب ففيها وجوه :
أحدها : التقدير : صوموا شهر رمضان .
وثانيها : على الإبدال من أيام معدودات .
وثالثها : أنه مفعول ( وأن تصوموا ) ، وهذا الوجه ذكره صاحب " الكشاف " واعترض عليه بأن قيل : فعلى هذا التقدير يصير النظم : وأن تصوموا رمضان الذي أنزل فيه القرآن خير لكم ، وهذا يقتضي وقوع الفصل بين المبتدأ والخبر بهذا الكلام الكثير ، وهو غير جائز لأن المبتدأ والخبر جاريان مجرى الشيء الواحد وإيقاع الفصل بين الشيء وبين نفسه غير جائز .