تقديم بقلم: عمر عبيد حسنة
إن الحمد لله؛ نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله الذي أرسله للناس كافة بشيرا ونذيرا، وجعل ميزان الكرامة فيما دعا إليه: التقوى والعمل الصالح، فكانت المساواة وإلغاء الفوارق والتمييز العنصري [ ص: 7 ] واللوني روح الحضارة الإسلامية، التي جاءت نسيجا متشابك العطاء من حيث المساهمات البشرية؛ إلى درجة لا يمكن معها أن تصطبغ بغير اللون الإسلامي والعطاء الإنساني ( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ) .
وبعد:
فهذا كتاب الأمة الثاني عشر (المسلمون في السنغال: معالم الحاضر وآفاق المستقبل ) للأستاذ عبد القادر سيلا ، في سلسلة الكتب التي تصدرها رئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الدينية بدولة قطر ، مساهمة منها في تحقيق الوعي الحضاري، والتحصين الثقافي، إلى جانب العطاء الصحفي والدور الإعلامي الإسلامي الذي تضطلع به مجلة " الأمة " ... يأتي لونا جديدا، ويشكل إضافة نوعية نرجو الله تعالى أن تكون باكورة لمجموعة من الدراسات الميدانية لحاضر العالم الإسلامي وواقع المسلمين في العالم، ولعل مجموعة الاستطلاعات المصورة التي قدمتها " الأمة " في هـذا المجال قد حققت قدرا لا بد منه من المعرفة بأحوال المسلمين ومشكلاتهم والتحديات التي تواجههم؛ والتي نأمل أن نتمكن من جمعها وترتيبها وتقديمها في سلسلة كتاب الأمة مستقبلا إن شاء الله، إلا أن البحث المتخصص في كتاب يبقى له من الشمول والإحاطة والاستقراء الكامل ما يجعله ذا عطاء متميز، خاصة إذا كان المؤلف من أبناء المنطقة، و " أهل مكة أدرى بشعابها " ...
ولا بد لنا من الاعتراف بالتخلف المخجل في مجال الدراسات [ ص: 8 ] الاجتماعية، وحسبنا في ذلك معرة أن تكون دراسات غير المسلمين عن حاضر العالم الإسلامي هـي التي تغطي الجانب الكبير من مصادرنا للمعلومات، ودليلنا إلى المعرفة...
أما بالنسبة لأفريقيا بالذات -التي نزعم أنها القارة المسلمة- فمعظم مصادرنا للمعلومات والإحصاءات السكانية، ودليلنا إلى معرفة العبادات والعادات القبلية تكاد تكون كنسية محضة، في الوقت الذي لا يزال كثير منا لا يرى آفاقا للعمل الإسلامي إلا بالوقوف طوابير أمام الأبواب المغلقة والجدران المسدودة. ونكاد نقول هـنا بأن هـذا الواقع البائس الذي نحن عليه، وهذه الإحباطات المستمرة التي نعاني منها إنما جاءت نتيجة لعدم وجود الدراسات المتأنية والدقيقة لعالم المسلمين وقضايا العالم بشكل عام، ذلك أننا نحاول التحرك في عالم لا ندرك أبعاده تمام الإدراك على أحسن الأحوال، وكثيرا ما تكون انتصاراتنا لقضايا كثيرة انتصارات عاطفية بعيدة عن أية معرفة وبصيرة؛ وحسبنا هـنا أن نأتي بأنموذج واحد من عمل غير المسلمين إلى جانب مئات النماذج والألوف من الدراسات التي تتعهدها الدول أحيانا، وتستقل بها بعض المعاهد والمؤسسات الخاصة المتخصصة أحيانا أخرى؛ ففي دراسة إحصائية حول الأديان أصدرت جامعة " أوكسفورد " موسوعة أسهم فيها أكثر من خمسمائة خبير في الأديان، تجولوا في مائتين واثنتي عشرة دولة ومقاطعة في العالم لأخذ العينات وإجراء الدراسات الإحصائية، واستمر هـؤلاء الخبراء في العمل حوالي أربع عشرة سنة متواصلة، وكان مما جاء في هـذه الدراسة أن الدوائر [ ص: 9 ] الكنسية قلقة جدا من ظاهرة المد الإسلامي في القارة الأفريقية، إذ أن الإسلام ينتشر فيها بسرعة مذهلة، وقد بلغ معدل نمو الدين الإسلامي 235% وينبع التخوف الكنسي من ظاهرة المد الإسلامي في أفريقيا من إدراك الأعداء أن الإسلام يلقى قبولا سريعا لدى الإنسان الأفريقي، لأنه دين الفطرة الذي جاء بالمساواة وإلحاق الرحمة بالناس؛ بعيدا عن التمييز العنصري وأوضار الاستعمار اللذين ترافقا مع الوجود النصراني.
والحقيقة أن الخارطة الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية لأفريقيا بالشكل المطلوب لا تزال غائبة عن المسلمين بشكل عام وعن المؤسسات والجمعيات والجماعات المعنية بشؤون الدعوة الإسلامية بشكل خاص. ولقد آن الأوان لتأخذ وسائلنا في العمل الإسلامي شكلا مدروسا يأتي استجابة لرؤية صحيحة عن الواقع الذي نتعامل معه، وقد يكون من الأمور المؤسفة أن الكثير من الدراسات والتقارير التي تقدم عن أفريقيا -والتي نحاول فيها تقليد أعداء الإسلام- تحفظ في الأدراج، ويلفها الإهمال والنسيان، ولا تجد طريقها إلى التحليل والدراسة، ومن ثم وضع الخطط على ضوئها. ومع ذلك نبكي على ضياع أفريقيا بين الأطماع الاستعمارية والمؤسسات التنصيرية والاستلاب الصهيوني.
ولعل من أبسط متطلبات الدعوة إلى الإسلام اليوم في أفريقيا، وفي العالم بأسره: تشكيل الأقسام واللجان المتخصصة بقضايا أفريقية ونكاد نقول: تشكيل اللجان المتخصصة بكل دولة من دولها بل بكل قبيلة من قبائلها لتعد الدراسات الدقيقة وتضع دليل العمل [ ص: 10 ] الذي يمكن من فهم طبيعة الإنسان المخاطب، وذلك بدراسة الخلفية التاريخية لثقافته وعقيدته واهتماماته، واستحضار تاريخه بشكل عام؛ حتى نتمكن من معرفة المداخل الصحيحة لشخصيته، وحتى يأتي الكلام مطابقا لمقتضى الحال، وحتى نخاطب الناس على قدر عقولهم، كما يقول سيدنا علي رضي الله عنه ، خشية أن يفتتن الناس ويكذب الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم : " خاطبوا الناس على قدر عقولهم، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟ "
وكم أسفت أثناء زيارتي لبعض المؤسسات المعنية بشؤون الدعوة في غربي أفريقيا عندما طلبت إليها إطلاعي على ما لديها من دراسات أستطيع بواسطتها الإفادة من الزمن المقرر للزيارة والدخول إلى تلك البلاد من الأبواب الصحيحة، فلم أظفر بأكثر من ملاحظات عامة قد يمتلكها عامة المسلمين لا تسمن ولا تغني من جوع، حيث لم تقدم لي جديدا. وقد يكون مفيدا هـنا أن نأتي على ذكر بعض النماذج من مسالك أعدائنا في هـذا المجال... فإلى جانب الدراسات والبحوث كلها وعمليات المسح الاجتماعي والتحليل الثقافي الموجهة التي قدمتها الكنيسة ومن ورائها الاستعمار عن أفريقيا ، والتي تعتبر إلى حد بعيد دليل عمل لكل من يفكر بالتعامل مع هـذه القارة التي يعاد تشكيلها من جديد، فإن هـناك دورات تدريبية لمدة أربعة أشهر أو سنة تقام في معظم الدول الاستعمارية خاصة الولايات المتحدة ، تدرب فيها العناصر المهيأة للذهاب إلى أفريقيا، وتزود بكل المعرفة المطلوبة حول المناخ والبيئة، وحول السكان وطبائعهم وعقائدهم ولهجاتهم المحلية، وما يثيرهم [ ص: 11 ] وما يرضيهم؛ ومن ثم يسافر المبعوث إلى هـناك، ويختص بمعايشة قبيلة والانتساب إليها وحمل اسمها والحياة معها والحديث بلهجتها المحلية وكأنه جزء منها، ومن ثم يكون قادرا على أداء رسالته التي جاء من أجلها، ويقدم دراسات تعتبر إضافة حقيقية لعمل من سبقوه في هـذا المجال. وفي محاولة لإلغاء كل نسب بين أفريقيا والإسلام تكرس اللهجات المحلية، وتوضع لها أبجديات بالحروف اللاتينية بعد أن ألغي الحرف العربي -كما هـو الشأن في تركيا والملايو وغيرهما من بلاد المسلمين- وتصنف المعاجم، ويوفر المستعمر المتخصصين ويقيم مخابر لتطوير اللغات المحلية المتعددة وتأصيلها؛ ومن المفارقات العجيبة أن تكون لغة المستعمر -الفرنسية- هـي اللغة الرسمية في السنغال وفي بقية الدول الأفريقية التي كانت تخضع لهذا الاستعمار ، في الوقت الذي تحرم فيه العربية وحرفها،وهي لغة العقيدة والدين لشعب السنغال، وعدد المسلمين فيه يربو على 95% من مجموعه: والسنغال قديم عهد بالإسلام منذ أن انطلقت منه حركة المرابطين من ألف سنة تقريبا. ولكن، رب ضارة نافعة -كما يقولون- ذلك أن التحدي الثقافي والضربات الموجعة أسهمت إلى حد بعيد بيقظة الأمة، وأعطت حركة المد الإسلامي زخما جديدا بعد أن استشعرت هـذا التحدي، فقامت المدارس العربية الإسلامية التي تعتبر بحق حصون الإسلام ولغة التنزيل، ولقد أثبتت وجودها حتى على المستوى الرسمي.
وأمر آخر لا يقل خطورة عن أمر اللغة، وإنما هـو مكمل لها، وقد ركزه المستعمر على يد بعض الأفارقة أنفسهم، وهو الدعوة إلى [ ص: 12 ] الإسلام الأسود ؛ ليكون إسلاما خاصا بالأفريقي، ولقد تركزت هـذه الدعوة في السنغال ، وأمر التركيز على السنغال ليس خافيا على أحد؛ لما يتمتع به من الموقع والتأثير على غربي أفريقيا خاصة وعلى سائر أفريقيا عامة، يقول " بول مارثي " : (إن ثوب الإسلام أيا كانت بساطته ولياقته، لم يفصل للسود، فهؤلاء يفصلونه من جديد لمقاييسهم، ويزينونه حسب ذوقهم... إن الإسلام الأسود بحكم اختلاف البيئة والمحيط الاجتماعي مغاير لإسلام العرب ) وقد ألف " فينسان مونتي " كتابا في الستينيات تحت عنوان " الإسلام الأسود " هـذا إلى جانب الدعوات إلى الإقليمية التي تحاول تسوية النصرانية بالإسلام، واعتبار كل منهما دينا طارئا على أفريقيا، والدعوة إلى العودة بالأفارقة إلى أديانهم القديمة.
ومحاولة الانحراف بالإسلام من داخله عند العجز عن مواجهته ليست جديدة ولا مبتدعة، وما الأفاعيل التي دبرت لحركة المسلمين السود في الولايات المتحدة عنا ببعيدة، ومع أن الإسلام في أفريقيا بخير، والمسلمين يكافحون بوسائلهم البسيطة، ويواجهون أعظم التحديات المزودة بأكبر الإمكانات والدراسات المتقدمة، حيث يصدق فيهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( درهم سبق ألف درهم )
إلا أن ضرورة الالتفات إلى أفريقيا بشكل سليم ومدروس أصبح أمرا لا يحتمل التأخير؛ وقد يكون المطلوب مزيدا من الدراية وفقه المجتمع ومشكلاته التاريخية، وفي تقديرنا أنه لا تتوفر الحكمة المطلوبة في أمر الدعوة ما لم تتحقق تلك الدراية وتتحصل المعرفة والتصور الكامل والدقيق للواقع الذي انتهى إليه الناس [ ص: 13 ] هـناك، لأن الحكمة في أبسط مدلولاتها هـي: وضع الأمور في مواضعها؛ فكيف تتأتى الحكمة في معالجة القضايا والمشكلات إذا لم نتمكن من معرفة أبعاد هـذه القضايا، وأسباب تلك المشكلات وتاريخها، والعمر الذي تووضعت من خلاله؟ وكيف يمكننا توفير المقدمات والعناصر التي تقودنا إلى الحكمة في الدعوة والمعالجة؟
ومن المعروف تاريخيا أن انتشار الإسلام في بعض مناطق أفريقيا كان عن طريق التجار والمسافرين، وكان سلوكهم الإسلامي المتميز يبعث على الإيمان ويثير الاقتداء عند الإنسان الأفريقي الذي أشعره الإسلام بقيمته ومساواته بالآخرين، وقد لا يكون هـؤلاء على درجة كافية من الفقه والعلم بدين الله تعالى إلى جانب عوامل أخرى مما أورث اختلاط الإسلام ببعض العقائد والعادات الأفريقية القديمة، واعتبر الكثير منها من الإسلام؛ ولا بد هـنا من الحكمة البالغة في المعالجة؛ وقد تكون المعالجة الأخطر والأكثر ضررا في التفكير الذي يمارسه بعض الذين يعملون في مجال الدعوة الإسلامية بعقل ضيق، ونظر عليل، وفقه قليل، فيوزعون السكان بين التنصير والتكفير ، ويحاصرون أنفسهم فلا يجدون مجالا لدعوتهم وكأن بعض من تصدوا لأمر الدعوة الإسلامية تخصصوا بتفريق وحدة المسلمين!!
يحدث هـذا في الوقت الذي تفعل الكنيسة ما تفعله من قبول للعادات الأفريقية ابتداء، لتكون الوسيلة إلى جذب هـؤلاء الأفارقة إلى النصرانية ، ويوالي البابا زياراته للقارة الأفريقية لمواجهة المد الإسلامي ومحاولة انتزاع أفريقيا من المسلمين. [ ص: 14 ]
واليوم تتابع النصرانية المدعومة ماديا ومعنويا من أوروبا وأمريكا توسعها في أفريقيا ، وتتغلب على المصاعب التي عاقت تقدمها، خاصة قضية ارتباطها بالثقافة الاستعمارية الغربية؛ فتبذل الجهود لصبغ النصرانية بالصبغة المحلية، وإقامة (مسيحية أفريقية ) فالبروفيسور " مبيتي " يقول: إنه حان الوقت لكي تتصالح المسيحية مع الديانات الأفريقية وأساليبها، وأن يكون طابعها (صنعت في أفريقيا ) ، كما قال بابا الفاتيكان في زيارته لأوغندا عام 1969م: " إن تكييف الحياة المسيحية في المجالات الدعوية، وفي مجالات الطقوس والنشاطات التعليمية والروحية، ليس ممكنا فقط؛ ولكن الكنيسة تشجعه، وتجديد أساليب القداس هـو مثال حي على ذلك، وفي هـذا الاتجاه يمكنكم ويجب عليكم أن تكون لكم مسيحية أفريقية " .
ولقد قام المنصرون باستثمار طويل الأجل، وحضروا الأطر المطلوبة لعهد ما بعد الاستعمار عندما أشرفوا على التربية والتعليم في عهد الاستعمار، وحاولت الكنائس المشاركة في مشاكل وطموحات الشعوب الأفريقية، مثل الاستقلال الوطني، وإنهاء التفرقة العنصرية لتأمين استمرارية دورها في عهد الاستقلال، وقد شعرت هـذه الكنائس بالحاجة إلى التعاون والتنسيق فيما بين مختلف مذاهبها، وها هـي الآن تعمل مع بعضها في هـيئات، مثل: المجلس الوطني المسيحي في كينيا ، والمجلس المسيحي التنزاني، ومجلس كنائس جنوبي أفريقيا، ومجلس الكنائس في زيمبابوي ؛ بل إن هـناك محاولات لإزالة الفروق المذهبية بين [ ص: 15 ] مختلف المذاهب المسيحية في أفريقيا... كمخطط للاستقرار والتوسع في المستقبل.
ونحن بهذا لا نقر الخطأ، ولا نريد الإبقاء على الواقع، لكننا لا يجوز بحال من الأحوال أن نخطئ الوسيلة في المعالجة فنعمل على تصليب الواقع وتنفير الناس بالمواجهة المباشرة، بل لا بد من أن نبدأ بالتعليم الصحيح المرتكز إلى الكتاب والسنة، وأن نستفيد من العاطفة الإسلامية في بناء أجيال جديدة ابتداء، لتنحسر -شيئا فشيئا، وجيلا فجيلا- دائرة الخرافات والبدع، وبذلك تتم التصفية تلقائيا فالعلل المزمنة التي مرت عليها القرون لا يمكن أن تعالج بخطبة أو بدرس بعيدا عن سنة التدرج.
ومما لا شك فيه أن للحركة الصوفية دورا كبيرا غير منكور ضد المستعمر، وفي نشر الإسلام وحمايته أيضا، ولها اليوم رصيد كبير من الأتباع والمريدين؛ ولا شك أيضا أن بعض شيوخها الأوائل كانوا على درجة من العلم، وإن انحدرت الأمور بالوراثة في بعض الأحيان إلى أحفاد قد لا يكون لبعضهم نصيب من ذلك، وإنما جاءت المحافظة عليها بدافع بناء الزعامات وتحصيل المنافع؛ والحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أن بعض الحكام، ومن قبلهم المستعمر -شأنه في كل مكان من العالم الإسلامي- استغلوا جهل بعض من انتهت إليهم زعامة الطرق الصوفية ، وكان هـذا الجهل مدخلهم لاحتواء هـذه الطرق، وتنميتها والإغداق عليها، وتوظيف أتباعها لأغراض ليست خافية على أحد، حيث ينعمون على شيوخها بالهدايا والأوسمة، مما يشوه الصور الجهادية التاريخية والدور [ ص: 16 ] الكبير في حماية ونشر الإسلام في أفريقيا، ويكرس صور الانحراف لمحاربة الإسلام الصحيح.
وبعد؛ فقد يرى بعض الإخوة القراء في الكتاب الذي نقدمه استطرادات كان بالإمكان الاستغناء عنها، كما يرى بعضهم الآخر ضرورة الاقتصار على الملامح المضيئة لإثارة التفاؤل وبعث الأمل في النفوس، ورغبة منا في تقديم الصورة كاملة، ومن جميع جوانبها آثرنا الإبقاء على جميع أجزائها.
ونقطة أخرى قد لا تحتاج إلى التأكيد وهي أن للمؤلف وجهة نظره في تقويم بعض ظواهر العمل الإسلامي في السنغال ، وهذا لا يعني بالضرورة وجهة نظر " الأمة " فمن الحقائق الثابتة أن السنغال تشكيل مركز الثقل والمحور الأساسي بالنسبة للمسلمين في غربي أفريقيا خاصة، وفي أفريقيا عامة، وهو يعد بحق بوابة الإسلام إلى أفريقيا، ونحن في " الأمة " نعتز غاية الاعتزاز بتقديم هـذه الدراسة المستقصية عن الإسلام والمسلمين في السنغال لتكون نواة وباكورة لدراسات جادة عن حاضر العالم الإسلامي وواقع المسلمين، تقدم الصورة الدقيقة والأمينة، وتتحقق بالحضور التاريخي، وتستشرف آفاق المستقبل لتكون دليلا يهتدي به المسلمون الذين يمارسون الدعوة اليوم؛ خاصة وأنها جاءت بقلم أحد أبناء السنغال، الأخ عبد القادر سيلا ، ولعل تقديم هـذا الكتاب بقلم أخ من البلد نفسه دليل على عالمية المنهج الذي عزمت " الأمة " الالتزام به في أن تكون لجميع المسلمين، وأن تنطلق من مفهوم الأخوة إسلامية الشاملة، ولله الأمر من قبل ومن بعد. [ ص: 17 ]