الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

المسلمون في السنغال (معالم الحاضر وآفاق المستقبل)

عبد القادر محمد سيلا

الفصل السادس

المستقبـل المنظور للمنظمات الإسلامية [ ص: 167 ]

تلقى الجمعيات الإسلامية لدى بداية تأسيسها ترحيبا منقطع النظير من طرف مختلف طوائف المسلمين، فينضمون إليها، وتتكثف نشاطاتها، وتنتشر فروعها فتصل إلى الأقاليم حيث تصادف تجاوبا وحماسا لدى العناصر الشابة، ولكن سرعان ما تلمح في الأفق عوامل معوقة تعترض سبيل الجمعيات وتشل حركتها، ومن هـذه العوامل : محدودية إمكاناتها المادية، إن لم نقل انعدامها كليا، إذ لا تتلقى غالبية هـذه المنظمات دعم مادي من أي جهة كانت، في حين أن الجمعيات القليلة التي تتلقى مساعدة ما تكون تافهة لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تكون منتظمة، ولا تلبي حاجاتها، مما يجعل برامجها حبرا على ورق، ونشاطاتها جامدة، فلو قارنا إنجازات المنظمات النصرانية بنظيراتها الإسلامية لظهرت هـذه الأخيرة قزما باهتا، إذ تحصل الهيئات التابعة للكنيسة بالسنغال على مساعدات مكثفة وسخية ومنتظمة من الطوائف النصرانية، من أوروبا ، وأمريكا الشمالية ، تستطيع بواسطتها أن تمول مشاريع اجتماعية ومؤسسات تعليمية تسير كلها كأحسن ما يكون، بينما لم تنجز هـيئة إسلامية واحدة بناء وتسيير بنية تعليمية أو صحية منذ ظهور هـذه المنظمات إلى يومنا هـذا إلا في حدود ضيقة.

على أن بعض الجمعيات حظيت بمنح مالية محدودة من الخارج، لكنها مساعدات مؤقتة غير مبنية على أسس ثابتة تجعلها دائمة، بل أحيانا تعطى لحسابات سياسية محضة مما يجعلها موجهة إلى غير المستحقين؛ لأن هـؤلاء يمثلون جهات رسمية.

ولا بد من الإشارة إلى خطأ بعض الجهات المساعدة التي تعتقد أن مجرد تقديم دعم مادي مرة واحدة كاف لتحقيق الغرض؛ إذ لا يعقل أن [ ص: 168 ] ينطق شعب بكامله اللغة العربية خلال أربع أو خمس سنوات؛ لأن دولة قدمت مساعدة بمبلغ مليون فرنك مثلا لصالح التعليم الإسلامي العربي؛ ففرنسا التي تنفق منذ قرنين من الزمن الملايين على لغتها، لو استكثرت إنفاقها وأوقفته لما نالت ما نالت اليوم في السنغال .

ولم تتقلص المساعدات المادية التي تعطى إلى الجمعيات الإسلامية فحسب، بل تراجعت جهات عديدة عن مساهمتها في تكوين الأطر لها، وذلك برفض المعاهد والجامعات الإسلامية في الدول العربية الطلبة السنغاليين الوافدين إليها، بينما مستقبل العربية في هـذا القطر متعلق إلى حد بعيد بهؤلاء الشباب.

تفتقر الجمعيات الإسلامية إلى كوادر تتحلى بالكفاءة، إذ مهما كانت النوايا حسنة، فإن قدرا من الكفاءة العلمية يفرض نفسه عنصرا لا مندوحة من وضعه في الاعتبار لتسيير الحركات الإسلامية حيث ينبغي أن يطغى الجانب الثقافي والعلمي على العاطفة والاعتبارات الذاتية الأخرى.

هذا النقص في الكوادر أفضى أحيانا إلى إسناد القيادات إلى غير المؤهلين لها ثقافيا، وإلى الإخلال بمبادئ العمل الجماعي والإخلال بالأمانة ، والتهوين بالمسئولية، وحدوث فضائح فادحة، على أن بعض الجمعيات تنبهت إلى هـذه الثغرة وسعت إلى سدها " ينتظر من الذين تقع على كواهلهم مسؤولية إدارة الاتحاد -للجمعيات الثقافية الإسلامية- أن يكونوا قدوة حسنة في الاتحاد، والعمل بقوة ونشاط لنشر ثقافة الإسلام " [1] ، ولقد برهنت الأحداث أن بعض قادة المنظمات الإسلامية [ ص: 169 ] لم يكونوا في مستوى المسئولية، فخانوا الأمانة وباعوا عقيدتهم بأبخس الأثمان؛ فها هـو أحد زعماء الاتحاد الوطني للجمعيات الثقافية يدلي بتصريح بدولة إسرائيل في أكتوبر (تشرين الأول) سنة 1969م لـ " يوحنا مصري " الصحفي في جريدة إسرائيلية يقول فيه: " إن من أسباب زيارتي لإسرائيل التأكد من صحة الاتهامات الموجهة ضدها؛ لأن الصحف العربية التي تأتينا في السنغال تصوغ أخطر التهم ضدها " [2] ، وادعى أنه زار مدينة القنيطرة السورية ومرتفعات الجولة وقال: " إن سكان تلك المناطق الذين استطعت أن أتحدث إليهم يتمنون العيش بسلام مع الإسرائيليين " [3] ومما يطمئن بخصوص هـذا التصريح أن الأمانة العامة للاتحاد أصدرت بيانا تفند فيه مزاعم هـذا المسئول وتتبرأ منه.

ونخلص هـنا إلى القول بأن مثل هـذه التصرفات ناتجة عن اعتماد الجمعيات أكثر فأكثر على العلاقات الشخصية والقرابة العائلية، وكون الرئيس أو الأمين العام محور الهيئة ومهيمنا عليها بشكل استبدادي وفردي على حساب العمل الجماعي بحيث تختنق جميع المبادرات النابعة من الأعضاء الآخرين، فإذا مرض الرئيس أو الأمين العام توقف العمل، وإذا غاب تعطل النشاط، وإذا كان صاحب كفاءة محدودة أو ثقافة قليلة أبعد من هـو أكثر منه خبرة ودراية، ويأخذ أحيانا أخطر القرارات دون ارتباط [ ص: 170 ] بمقتضيات قانون الجمعية.

ومن جراء ذلك تظل مالية الجمعيات، حتى تلك التي تعتبر هـادفة، من أهم ما يثير كثيرا من الريبة، نظرا لغياب أو عدم توظيف جهاز مراقبة حقيقية؛ لأن كبير مسؤولي المنظمة يقوم وحده بدور الخصم والحكم، ضاربا بكل الضوابط المنصوص عليها عرض الحائط، وتبعا لذلك يغوص جل المنظمات في بحر من الفوضى والاضطراب والاهتزاز حتى أصبح بعضها هـيكلا بلا روح، وأوراقا بحتة لا حراك فيها؛ تضاف إلى ذلك الصراعات الممقوتة بينها، حتى بين تلك التي تجمعها مواقف متشابهة، وهي صراعات مبعثها اختلاف وجهات النظر في الشكليات، أو تباين مصالح أفراد يقودونها وفق هـواهم، مما أدى إلى تبدد وتشتت القوى الإسلامية؛ فحبذا لو ائتلفت تلك التي تتشابه اتجاهاتها وتلتقي أهدافها -وإن اختلفت وسائلها- فتكون كتلة متماسكة تسير بالمجتمع الإسلامي إلى مرفأ النجاة.

ويلاحظ أن أية جمعية من هـذه الجمعيات لا تتوفر على أبسط خطة مدروسة لما تقدم عليه من عمل، أي: ليس لديها مستقبل منظور لأمورها بل تتركها للصدفة، ولا ريب أن لذلك عواقب وخيمة تضر بمستقبل الحركة الإسلامية في السنغال. [ ص: 171 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية