الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ثانيـا: التيجانيـة:

تنسب التيجانية إلى مؤسسها الشيخ أحمد التيجاني الجزائري (1797 - 1815م ) الذي درس بفاس ، ويمم نحو الديار المقدسة لأداء فريضة الحج سنة 1718م، وفي طريق عودته عرج على مصر ، وهناك انسلك في الخلوتية ، وكان قبل ذلك قادريا ثم طيبيا ، كما كان محمد الغالي خليفة سيدي أحمد التيجاني في المشرق خلوتيا قبل أن يصبح تيجانيا، ويقال : إن الحاج عمر الفوتي كان هـو الآخر سابقا خلوتيا.

أسس سيدي أحمد التيجاني طريقته بإيعاز من الشيخ محمد الكوردي ، فلم تمر إلا فترة وجيزة على تأسيسها حتى طغت، لا على الخلوتية التي تعد أما لها فقط، بل على غيرها من الطرق المنتشرة [ ص: 135 ] بشمالي وغربي أفريقيا قاطبة، وذلك بفضل حيوية ونشاط دعاتها، والهالة التي تؤطر حضرتها الجماعية.

وصـول التيجانية إلى غربي أفريقيا

انضم الشيخ محمد الحافظ الشنقيطي المتوفى سنة 1830م، إلى التيجانية على يد مؤسسها مباشرة الذي عينه " مقدما " واستخلفه على موريتانيا وما جاورها، فقام الشنقيطي بنشر الطريقة بين قبائل الشنقيط وبفضله وصل مداها إلى السنغال .

ولم تشع التيجانية كل الإشعاع بغربي أفريقيا إلا حينما تقلد زعامتها الحاج عمر الفوتي (1795 - 1864م ) الذي تلقى الطريقة بالحجاز على يد محمد الغالي ، وبعد وفاة الفوتي اتسعت التيجانية اتساعا لم يسبع له نظير، ونجحت في استمالة قلوب أتباع القادرية التي اندحرت أمامها.

وتستقطب التيجانية اليوم تقريبا جميع أفراد جماعة فلاتة في السنغال، كما تحظى بإقبال كبير لدى جماعة (أولوف ) ، وتبعا لذلك يسوغ تقدير أتباعها في هـذا القطر بحولي 70% من المسلمين. تتم بعض أذكار وأوراد التيجانية جماعيا، حيث يتحلق الأتباع حول ثوب أبيض يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس عليه بصحبة أحمد التيجاني أناء الذكر (‍‍‍‍!!) وتتردد الأذكار بصوت عال مع إيقاع منسق ومنظم، ولا شك أن لهذه الحضرات جاذبية من الطراز الأول، خصوصا للعناصر الشابة، باعتبارها وسيلة لإشباع الرغبات الروحية التي لا سبيل لإشباعها لدى العامة إلا بتظاهرات مادية مثيرة.

ونجم عن أهمية التيجانية وتعداد أتباعها ظهور زعامات لها وألقاب وتنظيمات جديدة تهدف إلى مراقبة وتأطير الأتباع؛ ومن أهم مراكزها: [ ص: 136 ]

· مركز تيواوون -TIVAOUANE :

تقع مدينة (تيواوون - TIVAOUANE ) بغربي السنغال على بعد (70) كيلو مترا من داكار ، وعلى بضعة كيلومترات من مركز القادرية ( أنجاسان ) .

أسس زاوية (تيواوون ) الحاج " مالك سي " المتوفى سنة 1922م ويمتاز هـذا الشيخ بأنه اهتم كثيرا بتكوين أتباعه فكريا، لذلك كانت زاويته مركز إشعاع ثقافي عام.

ويقال: إنه كان أول من نظم وثبت الاحتفال بالمولد النبوي ( غامو - GAmO ) وبعد وفاته تعاقب أبناؤه على زعامة الزاوية وتسييرها، وكانت قد نشبت مشاحنة بين أعضاء عائلة " سي " منذ الخمسينيات لم تسو على ما يبدو إلا حديثا.

زاويـة آل الحاج عمر الفوتي :

تقع هـذه الزاوية بداكار حيث يشرف عليها أحد أحفاد الحاج عمر الفوتي، وتولى رئاستها الحاج سعيد نور تال المتوفى سنة 1979م، ويلاحظ أنه رغم التفاف جماعة (تكلور ) حول هـذه الزاوية لا يبدو لها نفوذ واسع مثل زاوية تيواوون في ميدان السياسة على الأقل.

زاويـة كولخ:

تقع كولخ على بعد مائة وثمانين كيلومترا من مدينة داكار، فيها زاوية الشيخ إبراهيم نياس المتوفى سنة 1975م، وكان له أتباع في موريتانيا وغانا ونيجيريا ، وقد أقام علاقات ود مع عدد من العلماء في العالم الإسلامي. [ ص: 137 ]

زوايا أخرى من درجة ثانوية:

إلى جانب الزوايا الأساسية تتبعثر مراكز تيجانية في طول البلاد وعرضها: زاوية ( كينيبا -KENEBA ) الواقعة على بعد (80) كيلومترا من داكار ، ولها خليفتها العام، وزاوية الحاج محمد سعيد باه في جنوبي السنغال بقرية ( مدينة غوناس - GOUNASS ) ولهذه الزاوية أتباع كثيرون يتبعون نظاما خاصا لهم في الإنتاج الاقتصادي.

اللايينيـة

يعتبر بعض الكتاب ( اللايينية ) تفرعا من تفرعات التيجانية لكون مؤسسها تلميذا لأحد شيوخ التيجانية؛ ظهرت هـذه الحركة سنة 1880م في قرية يوف - YOFF القريبة من داكار على يد إمام لاي تياو - THIAW وكان أميا يمتهن صيد السمك؛ وتتمركز (اللايينية ) على جماعة ليبو - LEBOU ولا يبدو لها نشاط ملحوظ خارج هـذه الجماعة.

المريديـة

أسس المريدية الشيخ أحمد بامبا (1851م - 1927م ) وكان قد تعرض لمضايقات الإدارة الاستعمارية بسبب موقفه السلبي منها، فتفته بعيدا عن بلاده مرتين ثم ظل تحت الإقامة الجبرية إلى أن وافته المنية سنة 1927م.

ويعتقد بعض الباحثين أن المريدية امتداد للقادرية معتمدين على العلاقات الوثيقة التي ربطت بين الشيخ أحمد بامبا والشيخ سيدي بابا ؛ والأقرب للصواب أنه لما صفت نفس " بامبا " راودته ريادة طريق خاص به، وفوق ذلك يفهم من بعض أشعاره أن طريقته الجديدة لا تميز بين القادرية والتيجانية المريدية فكلتاهما موصلة إلى الله تعالى ومقربة إليه. [ ص: 138 ] ولقد أدت المريدية دورا كبيرا في تطور إنتاج الفول السوداني حيث كان زعماؤها من كبار منتجيه.

ومدينة طوبي -حوالي (150 ) كيلومترا من داكار - هـي العاصمة الروحية للمريدية، وتستقبل زهاء مليون نسمة كل سنة بمناسبة الاحتفال بليلة 17 صفر التي تصادف ذكرى نفي الشيخ " بامبا " إلى غابون ، وتدوم الاحتفالات ثلاثة أيام، وتدور حول المسجد الجامع حيث ضريح مؤسس المريدية؛ ومن الجدير بالذكر أن أتباع المريدية يراقبون قسما هـاما من حركة تجارة التفصيل، كما أن طائفة (باي فال BAY FALL ) تمارس أساليب تعتبر شاذة بالقياس إلى نهج شيخهم منها الاستغناء عن الصلاة والظهور بمظاهر غريبة، وعبادتهم لشيوخهم!!

وقد استهوت المريدية أخيرا عددا من الشباب الذي وجد فيها نوعا من الوطنية باعتبار زعيمها ابنا للسنغال، ولتساهلها في ممارسة شعائر الدين.

التالي السابق


الخدمات العلمية