الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
الإسلام في غانـا

إن اختلاف التجار المسلمين على بلاد غانا، وتكاثف التبادل، والوفود والتسامح الديني الذي كان يتحلى به النظام القائم، ساعد ذلك كله على تغلغل العقيدة الإسلامية بين الأهالي سلميا؛ وبلغ الأمر إلى أن أفرادا من الجالية الإسلامية تقلدوا وظائف عليا في البلاط الملكي؛ وكانت معرفة المسلمين بالكتابة والقراءة عاملا حاسما في هـيمنتهم على مرافق هـامة من جهاز الإدارة العامة والحياة الاقتصادية؛ وبمرور الزمن ازدادت أهمية الجالية الإسلامية في غانا إلى درجة أن كان لها حي خاص [ ص: 52 ] بها بعاصمة المملكة فيه اثنا عشر مسجدا.

وظلت غانا محتفظة باستقلالها السياسي إلى أن لاحت في الأفق حركة عبد الله بن ياسن الإسلامية.

نهاية غانـا

تاق المرابطون إلى فتح مملكة غانا، فبعثوا أولا جيشا بقيادة يحيى ابن عمر سنة 1054م، فاستولى على " أودغشت " وطرد منها الحامية الأفريقية. ومن " أودغشت " توجهت جحافل لمتونة نحو عاصمة غانا " كومبى صالح " .

وكان المرابطون يستهدفون نشر الإسلام في منطقة لم يكن الإسلام معروفا لأهلها جميعا في ذلك العهد، وهذا خلاف ما يزعمه بعض المؤرخين أن لعاب قادة المسلمين كان يسيل لدى ذكر ثروة غانا، حيث ينبت الذهب مثلما ينبت العشب، فاندفعوا إلى فتحها. وعندما تولى أبو بكر بن عمر زعامة جيوش المرابطين في الصحراء، نجح في الاستيلاء على " كومبي صالح " سنة 1076م.

ويلاحظ أن سيطرة المرابطين على غانا لم تدم طويلا، إذ سرعان ما قامت انتفاضات وثورات ، ليست ضد الإسلام الذي جاءت به جماعة أبي بكر بن عمر، بل كانت تستهدف تحقيق إدارة غانية.

ففي غضون ذلك، استشهد ابن عمر أثناء اشتباكات مع الغانيين، وبوفاته اضمحلت سلطة المرابطين السياسية، في الوقت الذي كان يحقق ابن عمه يوسف بن تاشفين انتصارات باهرة في المغرب والأندلس .

لم تكن انتصارات أصحاب عبد الله بن ياسن ذات بال من الناحية العسكرية والسياسية، إذ لم يدم وجودهم في غانا أكثر من خمس عشرة [ ص: 53 ] سنة، لكن هـذا الحضور الخاطف ترك أثرا طيبا للإسلام في المنطقة كلها لمساهمته في توصيل صدى الإسلام إلى نواح بعيدة من غربي أفريقيا لم يكن قد وصلها من قبل، مما مهد الطرق أمام دعاة حققوا ما لم تحققه الحملة العسكرية. وخليق بنا أن نلمح إلى أن بعض المصادر تشير إلى أن ملك تكرور " وارانجاي " [ WAR N"DIAYE ] الملقب بأبي الدرداء قد أخذ نصيبا وافرا في حملات المرابطين بعد أن أسلم.

والخلاصة أن حملة المرابطين على غانا لم يترتب عليها ترسيخ مباشر لدعائم الإسلام بقوة السلاح في تلك البلاد، إنما تمخض عنها أن طائفة من سكان المدن الذين لم يسلموا قبل الحملة المرابطية اعتنقوا الإسلام؛ إضافة إلى تشبث شعب " سونينكي " بالعقيدة الإسلامية من ذلك العهد إلى يومنا هـذا.

ورغم جهود المرابطين ومسلمي غانا بقي الإسلام محصورا في رقعة جغرافية صغيرة إلى أن برزت مملكة مالي في الساحة السياسية في المنطقة والتي حملت الدين الإسلامي إلى أدغال ومجاهل غربي أفريقيا كله.

التالي السابق


الخدمات العلمية