الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
عداوة مستحكمة متبادلة

ذلك أن الاستعمار حين وصوله للسنغال لم يصادف أمامه قوة منظمة تعترض سبيله عدا القوة الإسلامية، كان الاستعمار العائق الأساسي لانتشار دين الله تعالى في السنغال، نظرا لتوفر الظروف الموضوعية كلها لتحقيق ذلك؛ إذ تزامنت فترة ظهور المستعمرين في المنطقة مع صعود الحركات الإسلامية بغربي أفريقيا عامة وبالقطر السنغالي خاصة، وكاد أن يكتب لها النجاح لولا تصدي القوى الاستعمارية لها، وبلغ من عداء النظام الاستعماري للإسلام أنه كان يستعين بطائفة " تيدو " لإخضاع المسلمين، وذلك تشفيا منهم وإهانة لهم.

ولم يخف المستعمرون يوما من الأيام عداءهم للإسلام، بل أعلنوا ضده حربا صليبية لا هـوادة فيها، وقد اعترف الكاتب الفرنسي " ديشام " DESCHAmPS بأن القائدين العسكريين: " أرشينارد " ARCHINARD و " ماجين " MAGIN كانا يقودان حروبا صليبية ضد " أحمد عمر تال " ، [ ص: 84 ] والإمام ساموري (SAmORI ) .

ومن مظاهر تلك العداوة أن المستعمر كان يشكك بمدى قوة وعمق العقيدة الإسلامية لدى المسلم الأفريقي، ويزعم أن هـذه الديانة تتعارض مع طبيعة الإنسان في القارة الأفريقية، يقول " بول مارتي (PAULMARTY " بهذا الخصوص: " إن ثوب الإسلام أيا كانت بساطته ولياقته لم يفصل للسود، فهؤلاء يفصلونه من جديد لمقاييسهم ويزينونه حسب ذوقهم " ولا يكتفي المستعمر بادعاء تنافر الإسلام مع طبيعة الأفريقيين، واستحالة اعتناقهم له، بل يذهب بعض المستعمرين إلى أبعد من ذلك حيث زعم " أبدون أوجين ماج (ABDON EUGENEMAGE ) سنة 1868 م " أن أغلب مساوئ أفريقيا أتت من الإسلام، ولذلك لا ينبغي تشجيعه في أي ظرف من الظروف، سواء في مستعمراتنا الحالية أو تلك التي سنؤسسها مستقبلا، حتى ولو كان يبدو في مظاهر أكثر جاذبية، كما يظهر ذلك أحيانا في السنغال، ونمكن أن تكون مبارزته علانية وخيمة، أما تشجيعه فهو أخطر، وفي رأيي أن ذلك -أي التشجيع- جريمة التواطؤ " .

وقد نفذت الإدارة الاستعمارية هـذه السياسة المبنية على كره الإسلام، حيث اعتبرته ألد أعدائها، فلم تتأخر في اتخاذ التدابير التعسفية للحيلولة دون نموه الطبيعي وانتشاره المطرد في السنغال. فكل ما قام به المستعمر من أعمال تبدو في صالح الديانة الإسلامية إنما قام بها بعد ألف حساب " إنه من الواجب الملقى على عواتقنا أن نسهر كي لا تكون أبدا العقيدة التي تدعو إليها الجماعات الإسلامية خطرا على تحقيق الحضارة الكبيرة التي نتابعها " [1] [ ص: 85 ]

والإسلام، كما يدعي " بريفي (BREVIE) قد فرض على السود " إذ لم يختاروه عن طواعية منهم وإنما فرض عليهم بالقوة، سواء أكان ذلك بعد فتوحات البربر المسلمين في الصحراء أو كان بيد الملوك الذين كانوا يقهرونهم لاعتناقه. "

على أنه في بعض المراحل، لم يقدم الاستعمار على مجابهة الإسلام مباشرة وعلانية وإنما وضع خطة تهدف على المدى البعيد إلى محو العقيدة الإسلامية، وقد كشف " بيير أرنود (PIERRE ARNAUD ) عن نوايا بلاده في المستعمرات بقوله: " لا نعترف في أفريقيا الغربية إلا بسلوك أخلاقي واحد هـو سلوكنا " .

واتسمت المراحل الأولى من اتصال الإسلام في السنغال بالاستعمار بالعنف الشديد والعداوة، حيث ظل المستعمر يعتقد أن الديانة الإسلامية هـي العدو الذي لا مندوحة من القضاء عليه كي يصفو له الجو في المنطقة، يقول فروليش ، أحد مخططي الاستعمار الفرنسي : " إن كل أعدائنا كانوا تقريبا من المسلمين. "

انطلاقا من هـذه الفكرة، كثف المستعمر جهوده كلها لاستئصال الإسلام، ولما فشل في ذلك عمل لاحتوائه مستخدما مختلف الوسائل المتوفرة لديه، ونذكر بعضا من تلك الوسائل القمعية :

التالي السابق


الخدمات العلمية