الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

المسلمون في السنغال (معالم الحاضر وآفاق المستقبل)

عبد القادر محمد سيلا

مـقـدمـة

بسم الله الرحمن الرحيم

( الحمد لله الذي هـدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هـدانا الله ) (الأعراف: 43)

وصلى الله على نبيه الكريم وسلم تسليما كثيرا.

يغمرنا الأمل أن يساهم هـذا الكتاب في التعريف بالإسلام في السنغال تعريفا من شأنه أن يقرب إلى ذهن غير المتخصص وضع العقيدة الإسلامية في ذلك القطر الإسلامي، ويعكس -بكل صدق وأمانة- رؤية واضحة عن ماضي وحاضر ومستقبل الإسلام هـناك.

وقد ارتأينا ألا نورط أنفسنا في نقل صور زاهية متألقة باهية تدغدغ عواطف القارئ، وتستحوذ على مجامع مشاعره، وتدخل البهجة والحبور على نفسه، دون أن تبل غليله، أو تشبع رغبة [ ص: 19 ] الاطلاع لديه، لأنها لا تعكس الواقع المعاش، بل تطمره وتشوهه بالتمويه والتزيين والتهويل، مما يحول دون معرفة الحقائق، ويثبط العزم عن تهيئة ظروف لمعالجة ما يستحق العلاج.

وليس المقصد هـنا طرح مختلف أوجه القضايا الإسلامية في السنغال على بساط الدرس والتحليل، وإنما رائدنا أن نعرض -جهد المستطاع- لبعض الأمور المطروحة في الحقل الإسلامي بهذا البلد كي يسترشد بها العاملون في هـذا الميدان.

وقد تعرضنا قصدا لعدد من العثرات لدى مسلمي السنغال، عل هـذا أن يساهم في إنارة الطريق أمام أولئك الذين سيتصدون لتدارك ما لا يستحيل تداركه، ويصلحون ما لا مناص من إصلاحه، ويواصلون العمل لترسيخ قواعد العقيدة الإسلامية السليمة؛ إذ الإحساس بالثلم والثغرات ومعرفة مواقع الهفوات من شأنه أن يحفز على الاطلاع عليها، واستيعاب أبعادها، واحتوائها ثم إيجاد حل لها.

هذا ولا يتمارى اثنان في توفر العدد العريض بجانب الإسلام في السنغال -حوالي 95%- وفي اكتظاظ المساجد فيه بمن يعمرها، مما يبرهن على تشبث أهله بتلابيب شعائر دينهم.

إذن ترى ماذا يعوز الإسلام في هـذا البلد ما دام مسلموه ملتزمين بالشعائر؟ [ ص: 20 ]

لا مراء أن في السنغال أقلية تنتسب إلى المعتقدات التقليدية ينبغي تجنيد القوى لإبلاغها دعوة التوحيد وجذبها نحو العقيدة الإسلامية، وسد الطريق على المنصرين الذين يعمل معظمهم لصالح الاستعمار ، بيد أن هـناك أولوية لا تقل شأنا عن دعوة عناصر جديد إلى الإسلام، ألا وهي: العمل من أجل العودة بالأغلبية المسلمة إلى حظيرة دينها، وتنقية العقيدة من الشوائب، وغربلة المفاهيم الخاطئة، وإنقاذ المسلم من المعاناة الروحية والارتباك في الولاء.

لا يجهد الزائر للسنغال ملاحظة اهتزاز مواقف المسلم السنغالي من جراء عوامل داخلية وخارجية، يحمل بعضها سمة قيم مجتمع تقليدي أخنى عليها الدهر، أما بعضها الآخر فقد نجم عن طغيان المادة وسيطرة نمط الحياة الأوروبية بفعل رسوبات الاستعمار، فخلف كل ذلك عقلية تجعل المسلم السنغالي يرضى بازدواجية الانتماء وثنائية الولاء، إذ كان أمامه خياران:

إما أن يستكين للانصهار والذوبان في بوتقة الحضارة الغربية النصرانية التي تمحو هـويته الإسلامية، ويضيع في خضم الثقافة المادية الماجنة؛ وإما أن يرضى بالإسلام دينا ويلتزم بما يترتب على ذلك من أمور؛ ويعتبر هـذا من مشكلات الإسلام والمسلمين في السنغال. [ ص: 21 ]

على أننا لا نعتقد، أنها في كل صورها وألوانها وأبعادها خصائص ينفرد بها مسلم السنغال، بل هـي قاسم مشترك بينه وبين إخوة له في عدد من الأقطار الإسلامية الممتدة من جناحها الغربي؛ السنغال، إلى ما وراء إندونيسيا شرقا، إذ قلما يخلو بلد من بلاد المسلمين من بعض ما يعانيه هـذا البلد الأفريقي، سواء تعلق الأمر بالحقل السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي.

وفيما يخص السنغال، هـناك بصيص من الأمل، بل هـناك أمل كبير في أن يتم تصحيح الأوضاع بما يرضي الإسلام -إن شاء الله تعالى- وذلك بفضل الصحوة الإسلامية المباركة التي ظهرت طلائعها في الأفق، والتي يسندها جو من الحرية السائدة في البلاد.**

عبد القادر محمد سيلا
[ ص: 22 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية