الأرواحيـة [L"ANmISmE ]
الأرواحية هـي الاعتقاد بقوة روحية في الأشياء، أي: اعتقاد أن [ ص: 37 ] للأشياء أرواحا مشابهة لتلك التي لدى الإنسان.
ويعتقد أتباع الأرواحية أن الروح هـي مبدأ الفكر والحياة العضوية في آن واحد. وتهدف العبادة عند معتقديها إلى تزويد الحياة البشرية بمدد من القوة، وضمان بقاء الإنسان لأطول مدة. أما المرض والإعياء والفشل... فأعراض تدل على نقص القوة الحية.
وتتركب أهم عناصر تلك المعتقدات من:
· إله سام خالق للأكوان، بعيد عن العالم الأرضي؛ مما حمله على إنابة الكهان عنه
· آلهة من درجة دنيا، وهي مندمجة في قوة الطبيعة.
· أجداد الجماعات، وهم بمنزلة الأرباب.
· قوة خفية تتمثل في التعاويذ والتمائم .
ويعيش المعتقد بالقوة الحيوية في محيط تؤطره الغيبيات في مختلف أكناف حياته، وتدفعه عقيدته إلى اعتبار العالم المحيط به ألغازا غامضة وأسرارا دفينة لا يتطاول إلى كشف كنهها إلا عقول خاصة لها استعداد خاص لتلقيها من " اللامرئي " ...
لا أمن ولا سلامة لغير الموهوبين الذين رؤيتهم معتمة، ولا مندوحة لهم إلا الالتجاء إلى الكهنة والسحرة ، وإلى الطقوس والقرابين والتمائم والتعاويذ لاستعطاف قوة الطبيعة، واتقاء شرها، والتقرب إليها زلفى، واستدرار رحمتها...
وتتمثل المؤشرات غير المرئية في أرواح الجدود، ضامنة استمرارية حياة القبيلة أو العشيرة المنتمية إليهم، وفي أرواح الموتى بصفة عامة، وفي الطلاسم والتعاويذ التي يصنعها الكهان، زاعمين أنها ذات فعالية عالية لمقدرتها على تغيير مجاري الأمور الطبيعية وخلق الظروف الحسنة [ ص: 38 ] أو السيئة.
فأساس فكرة عبادة أرواح الأسلاف ـالتي يعتقد أنها وسيطة بين الأحياء والآلهة وأنها شفيعةـ هـو أن الحياة على الأرض لا تتوقف بمفارقة الروح للجسم، بل هـي استمرار سرمدي للفعالية والحيوية، إذ ليس الموت حدثا يسبب قطع الصلاة بين الأحياء والأموات، إنما هـو غفوة وارتخاء من جراء ضعضعة في القوة الحيوية ...
على أن غموض الطبيعة وصعوبة فك ألغازها حدا بالإنسان الذي هـذا معتقده إلى الاستنجاد بالكهنة طلبا لتفسير أو تعليل مظاهر الطبيعة، والارتماء في أحضان صانعي التمائم والتعاويذ، وجعله متشائما، محاطا بأنواع لا تحصر من الخرافات تعتم عليه حياته.
ومن سوء حظ أتباع الأرواحية أنهم لا يضعون فاصلا بين الروح والمادة، فالإنسان والموجودات الأخرى ليسوا سوى قوة حية ذات فاعلية تخضع ـفي اعتقادهمـ لمشيئة طبيعة فاعلة ...
ويكون الوسيط بين الإله والأحياء جد الجماعة الأسطوري، أو تمثالا أو قناعا أو حجرا أو حيوانا أو شجرا، أو أي مظهر آخر من مظاهر الطبيعة، ويتباين دور الآلهة الوسطاء وعددهم وأهميتهم من منطقة لأخرى، ومن جماعة لجماعة ثانية ...
وتعتبر عبادة الحيوانات من أقدم العبادات المعروفة في غربي أفريقيا. فلدى بعض الجماعات في السنغال ـقبل إسلامهاـ اعتقاد مفاده أن الجماعة ونوعا من الحيوان من جرثومة واحدة. ونجد بقايا هـذا الاعتقاد ليومنا هـذا لدى بعض القبائل السنغالية المنحدرة من إمبراطورية مالي . فقد جاء في سيرة حياة الكاتب الغيني " لاي كامارا " [LAYEKAmARA ] أن والده قال له ذات يوم: " هناك حية حاضرة دائما تظهر لأحد أعضاء [ ص: 39 ] عشيرتنا. فقد ظهرت لي في جيلنا هـذا " ، وبعد أن شرح الوالد لابنه كيف تم لقاؤه مع جنية عشيرته قص عليه الحوار الذي دار بينهما؛ حيث قالت له الحية: " قدمت، كما نبهتك سابقا لكنك لم ترحب بي، بل لاحظتك وأنت تتهيأ لأسوأ استقبال لي، فقد لمحت ذلك في عينيك، لماذا تنظر إلي هـكذا؟ أنا جنية أجدادك، وبصفتي كذلك قدمت نفسي إليك لأهليتك. إذن لا تخف مني؛ واحذر من طردي فإنني جالبة لك النجاح " [1] وتحت وابل من الأسئلة وإلحاح شديد من " لاي كامارا " الذي كان طفلا صغيرا رأى أباه يداعب حية صغيرة الحجم ذات مساء، حكى عليه القصة، وهي على جمالها تعكس جانبا واقعيا من حياة هـذه الشعوب التي اعتنقت الديانة الإسلامية منذ عهود قديمة وظلت تحتفظ ببعض بقايا معتقدات مجتمع ما قبل الإسلام.
يرتبط الحيوان بالإنسان بالعهود، ويتحاور معه، ويساعده على تذليل الحياة، مقابل تقديمه وتنظيم طقوس له. فهو يجسد جنية العشيرة، فقتله أو مسه بأذى بجلب المصائب والنوائب للفرد والجماعة معا، بينما استرضاؤه يؤدي إلى الرفاهية والنجاح، فوق ذلك كله فليس الحيوان أخرس ولا أعجم بل له لغة يتفاهم عن طريقها مع خواص الناس، ويعقد عهودا ومواثيق تبقى سارية إلى أبد الآبدين ... في زعمهم.
ولم تكن الحيوانات وحدها محل عبادة وتقديس لدى معتقدي القوة الحيوانية وإنما يعبدون بعض النباتات والمعادن.
يحتوي الشجر على روح فعالة؛ فإنه ـعند اجتثاثه - يجب استرضاؤه [ ص: 40 ] بالقرابين والأدعية؛ خصوصا إذا كان دوحا وذلك قصد إبطال رد فعله، وتتصرف الجن في المعادن تمنحها لمن يتخذها أولياء وأخلاء، وتمنعها عمن لا يسترضيها.
والمعدن بحد ذاته كائن حي يستطيع أن ينفع ويؤذي. وبقصد اتقاء شره ينبغي لطائفة الحدادين أن يكون لهم استعداد تام لمواجهته، فهم لذلك يتسلحون بالأسرار والأدعية يخيفون بها القوى المعادية في المعدن.
وكذلك يتحصن الصيادون ـفي البر والبحرـ بالأدعية تقيهم من شر فرائسهم، وكان كبار الصيادين من أمهر وأكبر الكهنة والسحرة.