العقول والكفاءات الإسلامية

بين عوامل الدفع المحلية وعوامل الجذب الغربية

يقصد بهجرة العقول أو الكفاءات، نزوح حملة الشهادات الجامعية العلمية والتقنية والفنية كالعلماء والأطباء والتكنولوجيين والمهندسين والباحثين والاختصاصيين في علم الاقتصاد والرياضيات والاجتماع وعلم النفس والفلسفة والتربية والتعليم والآداب والفنون والزراعة والكيمياء والجيولوجيا والفنانين والشعراء والأدباء والكتاب والمؤرخين والسياسيين والمحامين وأصحاب المهارات والمواهب والمخترعين.. وشتى الميادين الأخرى، مما يعنى أن مفهوم الكفاءة لا يعنى فقط أصحاب الشهادات الجامعية، بل أيضا أصحاب المؤهلات والخبرات ^[1] . ولقد أطلق على هجرة الكفاءات مسميات ومصطلحات عدة، منها ^[2] : هجرة العقول المفكرة، حيث استخدم هذا المصطلح لأول مرة في خمسينيات القرن العشرين، عندما أطلق على هجرة العقول المفكرة من بريطانيا إلى أمريكا. وأطلقت عليها منظمة الأمم [ ص: 116 ] المتحدة للتجارة والتنمية مصطلح النقل المعاكس للتكنولوجيا Reverberant for technology، وأطلق عليها معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث مصطلح نزيف الأدمغة Brain Drain.

ويصنف المهاجرون العرب والمسلمون إلى الدول الغربية إلى صنفين اثنين، الأول يشتمل على المتخصصين الذين يهدفون للعمل والبحث عن فرص للتألق العلمي والاستفادة من مناخ يحفز الإبداع ويقدر الابتكار. ويشتمل الصنف الثاني على الطلاب الذين يهاجرون من دولهم العربية الإسلامية إلى الدول الغربية المتقدمة بهدف الدراسة والتدريب والتوسع في الخبرة، ولكنهم يقررون البقـاء والعمل في تلك الدول لفترات قـد تقصر أو تطول، وبعضهم لا يعودون إلى أوطانهم.

وفي تفسيرات ظاهرة هجرة العقول والكفاءات العربية الإسلامية، هناك مدرستان، الأولى تفسر الظاهرة من منظور فردى يرى أن الكفاءات أفراد متميزون يسعون إلى تحقيق ذواتهم فكريا ومهنيا. وتفسر المدرسة الثانية ظاهرة هجرة العقول على أنها ظاهرة دولية تمتد جذورها إلى قيام سوق دولية للكفاءات تعمل على تهجيرها من أوطانها الأصلية.

وهناك كثير من العوامل تدفع بالعقول والكفاءات العربية الإسلامية إلى الهجرة وترك أوطانها، يمكن حصرها في نقاط محددة فيما يلي:

1- من الثابت أن معظم الدول العربية الإسلامية تمتلك قدرا من الموارد الاقتصادية، سواء كانت هذه الموارد طبيعية أم رأسمالا، إلا أن شعوب هذه [ ص: 117 ] الدول تعانى من تدن كبير في مستوى الدخل، الأمر الذي يفضي إلى عدم وجود إمكانيات لدى المواطن تجعله قادرا على سد احتياجاته الأساسية، لاسيما الطبقة المتعلمة التي تتميز بالخبرة والدقة في العمل، وتطمح إلى أن تعيش بمستوى لائق لتطوير ذاتها من خلال اقتناء التكنولوجيا المتطورة والإصدارات العلمية الجديدة من الدوريات والكتب المحلية والعالمية وغيرها من المتطلبات المهنية، إلا أن هذه الكفاءات غالبا ما تجد أنفسها عاجزة عن القيام بكل هذه الأمور، مما يدفعها للتفكير جديا بالهجرة إلى بلدان تعيش في مستوى أعلى وتقدر الكفاءات المميزة ^[3] .

فيأتي في مقدمة العوامل الدافعة لهجرة العقول والكفاءات العربية الإسلامية، العامل الاقتصادي حيث يطرد الفقر الكفاءات من الدول النامية إلى الدول المتقدمة. ويتمثل الفقر هنا في ضعف العائد المادي لأصحاب الكفاءات وخاصة العلمية، الأمر الذي يخلق لهم ظروفا اجتماعية غير مواتية يصعب الإبداع والابتكار في أجوائها.

2- البيروقراطية وما تسببه للكفاءة أو الاختصاصي من تعقيدات، فكل أمر يحتاج مئات المعاملات، وكل معاملة يلزمها مراجعات عدة، هذا فضلا عن الفساد الإداري والقوانين والتشريعات التي تقف أمام الكفاءات والخبرات، وتضييق الحريات على العقول العلمية المبدعة. [ ص: 118 ]

3- سفر الطلاب العرب والمسلمين إلى الدول الغربية المتقدمة، موهوبين كانوا أم أبناء عائلات غنية، فيستقر هؤلاء الطلاب في الدول التي درسوا فيها في جو علمي يصعب أن يقارن بمثيله في الدول النامية، فلا يجد الاختصاصي في بلده الغربي الإسلامي البيئة العلمية والتجهيزات والمختبرات التي جعلت منه اختصاصيا بارزا في بلد المهجر الغربي.

4- يتزوج كثير من المهاجرين العرب والمسلمين من أجنبيات وينجب أولاد، وبعد فترة من تكيفه مع الحياة في المهجر يصعب عليه ترك زوجته وأولاده الذين قد لا يستطيعون العيش في بلده الأصلي لعدم توافر نفس الامتيازات التي يتمتعون بها في بلدهم، يضاف إلى ذلك أن بعض الدول العربية الإسلامية تضع من العراقيل ما تساعد على عدم العودة، ومنها عدم تولي المتزوجين بأجنبيات مناصب عليا. وأمام كل هذا تتلاشى تدريجيا فكرة العودة إلى الوطن الأصلي لدى المهاجر العربي المسلم.

5- تثبيط الهمم والعزائم، حيث يواجـه الاختصاصي العربي المسلم إذا عاد إلى بلده قيودا أو معوقات تجعله يشعر باليأس، فتدفعه للهجرة ثانية. وبالمثل تلعب (عقدة الخواجة) دورا ملموسا في هجرة الاختصاصي العربي المسلم عندما يجد نفسه في بلده تابعا لخبير أجنبي يتمتع بامتيازات أعلى منه، مع أن العربي المسلم قد يفوقه تخصصا وخبرة.

6- قلة الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني والإشكاليات التي تعترى بعض تجارب السلطات العربية الإسلامية، التي تعمل على تهميش [ ص: 119 ] البحث العلمي، وتهميش الباحث العلمي من قبل القيادات العلمية والسياسية، الأمر الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى شعور بعض العقول والكفاءات بالغربة في أوطانهم، فتدفع بهم إلى الهجرة سعيا وراء ظروف أكثر حرية واستقرارا في بلدان تتمتع بنظام سياسي يكفل الأمن والحرية في التفكير والبحث والعمل.

7- ضعف وجود نموذج فريق العمل Team Work العلمي أو الجماعة العلمية في البلدان العربية الإسلامية، مع أن فكرة فريق العمل العلمي تعد عربية إسلامية خالصة دشنها العرب والمسلمون قبل الغرب بمئات السنين، وذلك إبان النهضة العلمية التي شهدتها الحضارة الإسلامية في العصور الإسلامية. فلقد شهد العالم آنذاك وجود جماعات علمية نشطة تعمل وفق أطر معينة ومنهج محدد، وذلك من أجل ازدهار العلوم التي احتوتها تلك النهضة. وأطلعتنا دراسة هذا الجانب في أدق تصوراتها على أن الجماعات العلمية التي ظهرت مبكرا لعبت دورا بارزا في حركة تقدم العلوم في شتى ألوان المعرفة. وقد شكلت أعمال الجماعات العلمية العربية الإسلامية نقطة انطلاق مهمة في مرحلة الإبداع والازدهار التي أنتجت كل ما هو جديد، وحفزت العقل العربي الإسلامي على سبر أغوار العلم وآفاقه من أوسع أبوابه فقدم من الإنجازات والابتكارات العلمية ما أفادت منه الإنسانية جمعاء.

أما الآن فتكاد تكون فكرة فريق العمل أو الجماعة العلمية غير موجودة في الأقطار العربية الإسلامية، الأمر الذي يقلل من الاتصال بين العلماء [ ص: 120 ] العرب والمسلمين، ويجعل الحكومات تلجأ إلى الاستيراد المباشر للتقنية، ويدفع الكفاءات العلمية إلى الهجرة.

8- العولمة، وخاصة في جانبها الاقتصادي، الذي يجعل الجميع يتجه إلى ضرورة إعادة النظر في توجهاته الإنتاجية والتسويقية والتموينية وكوادره البشرية لتصبح قادرة على الفعل في تيار العولمة الذي يقود العالم الآن، ويحوله إلى منظمة كونية قائمة على الاستهلاك الواسع المدى. فتقوم الدول الغنية بفتح أسواق الدول النامية أمام صادراتها بما يسمح لها بالقضاء على القاعدة الصناعية لهذه الدول من خلال المنافسة غير العادلة. وفي الوقت نفسه تغير العولمة نمط علاقات العمل نتيجة اتجاه الاقتصاديات المتقدمة إلى الحصول على الأيدي العاملة من الدول النامية ^[4] .

9- حالة الركود في تطور القوى العربية الإسلامية المنتجة والتي تتمثل في بقاء الوسائل الإنتاجية الصناعية والزراعية ووسائل الإنتاج في الصيد والرعي وغيرها دون تطوير أو تغيير، ومعظم الحكومات العربية الإسـلامية لا تدعم البحوث التقنية للإنتاج، وفي المقابل تستورد المعامل العلمية على أساس تسليم المفتاح، علاوة على حرمان سكان المجتمع في بعض الدول العربية الإسلامية الفقيرة من أبسط الخدمات كالمطعم والمشرب والرعاية الصحية.. وغيرها مما يدفع الكفاءات للهجرة إلى أجواء وبلدان غربية مغايرة. [ ص: 121 ]

10- زرع إسرائيل في قلب العالم العربي أفرز اتجاها عند العرب والمسلمين لزيادة النفقات العسكرية والتي بلغت أكثر من ألف بليون دولار ما بين سنة 1970م، وسنة 1990م مما أدى إلى تقلص ميزانيات البحث العلمي والتنمية، وخلق جو من عدم الاستقرار، الأمر الذي دفع ببعض الكفاءات للهجرة إلى دول الغرب، لاسيما وأن هناك جماعات صهيونية تعمل على تشجيع العرب والمسلمين على الهجرة للعمل في مؤسساتها، فهناك ما يربو على ستمائة وخمسين (650) عالم غربي يعملون في أربعمائة (400) مؤسسة مالية يملكها اليهود.

11- تبني الدول الغربية سياسات مخططة ومدروسة لجذب الكفاءات من الدول النامية، حيث تهيئ المحيط العلمي الذي يحفز على مواصلة البحث والتطوير بحيث يشعر الباحث أو العالم أن ظروف العمل في تلك البلدان تعد وسيلة لتحقيق طموحاته العلمية بما توفره من فرص للبحث العلمي والثروات الضخمة التي تمكنها من تمويل فرص عمل مهمة ومجزية. فالعامل المادي يجذب الكفاءات من دول منخفضة الدخل إلى دول مرتفعة الدخل ويحفز العلماء على العيش في بيئة علمية مفيدة ببنيتها التحتية المؤلفة من التجهيزات والمختبرات والمعامل، هذا فضلا عن القوانين التي تحدد أن العلم هو المعيار لدخول الشخص إلى البلاد، كما في الولايات المتحدة الأمريكية، بدون النظر إلى جنسه أو أصله. وكذلك التسهيلات التي تقدمها الدول المتقدمة للحصول على الإقامة الدائمة وإشعار الكفاءات المهاجرة بالانتماء والمساواة بينها وبين رعاياها. [ ص: 122 ]

العقول والكفاءات الإسلامية

بين عوامل الدفع المحلية وعوامل الجذب الغربية

يقصد بهجرة العقول أو الكفاءات، نزوح حملة الشهادات الجامعية العلمية والتقنية والفنية كالعلماء والأطباء والتكنولوجيين والمهندسين والباحثين والاختصاصيين في علم الاقتصاد والرياضيات والاجتماع وعلم النفس والفلسفة والتربية والتعليم والآداب والفنون والزراعة والكيمياء والجيولوجيا والفنانين والشعراء والأدباء والكتّاب والمؤرخين والسياسيين والمحامين وأصحاب المهارات والمواهب والمخترعين.. وشتى الميادين الأخرى، مما يعنى أن مفهوم الكفاءة لا يعنى فقط أصحاب الشهادات الجامعية، بل أيضًا أصحاب المؤهلات والخبرات ^[1] . ولقد أطلق على هجرة الكفاءات مسميات ومصطلحات عدة، منها ^[2] : هجرة العقول المفكرة، حيث استخدم هذا المصطلح لأول مرة في خمسينيات القرن العشرين، عندما أُطلق على هجرة العقول المفكرة من بريطانيا إلى أمريكا. وأطلقت عليها منظمة الأمم [ ص: 116 ] المتحدة للتجارة والتنمية مصطلح النقل المعاكس للتكنولوجيا Reverberant for technology، وأطلق عليها معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث مصطلح نزيف الأدمغة Brain Drain.

ويصنف المهاجرون العرب والمسلمون إلى الدول الغربية إلى صنفين اثنين، الأول يشتمل على المتخصصين الذين يهدفون للعمل والبحث عن فرص للتألق العلمي والاستفادة من مناخ يحفز الإبداع ويقدر الابتكار. ويشتمل الصنف الثاني على الطلاب الذين يهاجرون من دولهم العربية الإسلامية إلى الدول الغربية المتقدمة بهدف الدراسة والتدريب والتوسع في الخبرة، ولكنهم يقررون البقـاء والعمل في تلك الدول لفترات قـد تقصر أو تطول، وبعضهم لا يعودون إلى أوطانهم.

وفي تفسيرات ظاهرة هجرة العقول والكفاءات العربية الإسلامية، هناك مدرستان، الأولى تفسر الظاهرة من منظور فردى يرى أن الكفاءات أفراد متميزون يسعون إلى تحقيق ذواتهم فكريا ومهنيًا. وتفسر المدرسة الثانية ظاهرة هجرة العقول على أنها ظاهرة دولية تمتد جذورها إلى قيام سوق دولية للكفاءات تعمل على تهجيرها من أوطانها الأصلية.

وهناك كثير من العوامل تدفع بالعقول والكفاءات العربية الإسلامية إلى الهجرة وترك أوطانها، يمكن حصرها في نقاط محددة فيما يلي:

1- من الثابت أن معظم الدول العربية الإسلامية تمتلك قدرًا من الموارد الاقتصادية، سواء كانت هذه الموارد طبيعية أم رأسمالًا، إلا أن شعوب هذه [ ص: 117 ] الدول تعانى من تدن كبير في مستوى الدخل، الأمر الذي يفضي إلى عدم وجود إمكانيات لدى المواطن تجعله قادرًا على سد احتياجاته الأساسية، لاسيما الطبقة المتعلمة التي تتميز بالخبرة والدقة في العمل، وتطمح إلى أن تعيش بمستوى لائق لتطوير ذاتها من خلال اقتناء التكنولوجيا المتطورة والإصدارات العلمية الجديدة من الدوريات والكتب المحلية والعالمية وغيرها من المتطلبات المهنية، إلا أن هذه الكفاءات غالبًا ما تجد أنفسها عاجزة عن القيام بكل هذه الأمور، مما يدفعها للتفكير جديًا بالهجرة إلى بلدان تعيش في مستوى أعلى وتقدر الكفاءات المميزة ^[3] .

فيأتي في مقدمة العوامل الدافعة لهجرة العقول والكفاءات العربية الإسلامية، العامل الاقتصادي حيث يطرد الفقر الكفاءات من الدول النامية إلى الدول المتقدمة. ويتمثل الفقر هنا في ضعف العائد المادي لأصحاب الكفاءات وخاصة العلمية، الأمر الذي يخلق لهم ظروفًا اجتماعية غير مواتية يصعب الإبداع والابتكار في أجوائها.

2- البيروقراطية وما تسببه للكفاءة أو الاختصاصي من تعقيدات، فكل أمر يحتاج مئات المعاملات، وكل معاملة يلزمها مراجعات عدة، هذا فضلًا عن الفساد الإداري والقوانين والتشريعات التي تقف أمام الكفاءات والخبرات، وتضييق الحريات على العقول العلمية المبدعة. [ ص: 118 ]

3- سفر الطلاب العرب والمسلمين إلى الدول الغربية المتقدمة، موهوبين كانوا أم أبناء عائلات غنية، فيستقر هؤلاء الطلاب في الدول التي درسوا فيها في جو علمي يصعب أن يقارن بمثيله في الدول النامية، فلا يجد الاختصاصي في بلده الغربي الإسلامي البيئة العلمية والتجهيزات والمختبرات التي جعلت منه اختصاصيًا بارزًا في بلد المهجر الغربي.

4- يتزوج كثير من المهاجرين العرب والمسلمين من أجنبيات وينجب أولاد، وبعد فترة من تكيفه مع الحياة في المهجر يصعب عليه ترك زوجته وأولاده الذين قد لا يستطيعون العيش في بلده الأصلي لعدم توافر نفس الامتيازات التي يتمتعون بها في بلدهم، يضاف إلى ذلك أن بعض الدول العربية الإسلامية تضع من العراقيل ما تساعد على عدم العودة، ومنها عدم تولي المتزوجين بأجنبيات مناصب عليا. وأمام كل هذا تتلاشى تدريجيًا فكرة العودة إلى الوطن الأصلي لدى المهاجر العربي المسلم.

5- تثبيط الهمم والعزائم، حيث يواجـه الاختصاصي العربي المسلم إذا عاد إلى بلده قيودًا أو معوقات تجعله يشعر باليأس، فتدفعه للهجرة ثانية. وبالمثل تلعب (عقدة الخواجة) دورًا ملموسًا في هجرة الاختصاصي العربي المسلم عندما يجد نفسه في بلده تابعًا لخبير أجنبي يتمتع بامتيازات أعلى منه، مع أن العربي المسلم قد يفوقه تخصصًا وخبرة.

6- قلة الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني والإشكاليات التي تعترى بعض تجارب السلطات العربية الإسلامية، التي تعمل على تهميش [ ص: 119 ] البحث العلمي، وتهميش الباحث العلمي من قِبل القيادات العلمية والسياسية، الأمر الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى شعور بعض العقول والكفاءات بالغربة في أوطانهم، فتدفع بهم إلى الهجرة سعيًا وراء ظروف أكثر حرية واستقرارًا في بلدان تتمتع بنظام سياسي يكفل الأمن والحرية في التفكير والبحث والعمل.

7- ضعف وجود نموذج فريق العمل Team Work العلمي أو الجماعة العلمية في البلدان العربية الإسلامية، مع أن فكرة فريق العمل العلمي تعد عربية إسلامية خالصة دشنها العرب والمسلمون قبل الغرب بمئات السنين، وذلك إبان النهضة العلمية التي شهدتها الحضارة الإسلامية في العصور الإسلامية. فلقد شهد العالم آنذاك وجود جماعات علمية نشطة تعمل وفق أُطر معينة ومنهج محدد، وذلك من أجل ازدهار العلوم التي احتوتها تلك النهضة. وأطلعتنا دراسة هذا الجانب في أدق تصوراتها على أن الجماعات العلمية التي ظهرت مبكرًا لعبت دورًا بارزًا في حركة تقدم العلوم في شتى ألوان المعرفة. وقد شكلت أعمال الجماعات العلمية العربية الإسلامية نقطة انطلاق مهمة في مرحلة الإبداع والازدهار التي أنتجت كل ما هو جديد، وحفزت العقل العربي الإسلامي على سبر أغوار العلم وآفاقه من أوسع أبوابه فقدم من الإنجازات والابتكارات العلمية ما أفادت منه الإنسانية جمعاء.

أما الآن فتكاد تكون فكرة فريق العمل أو الجماعة العلمية غير موجودة في الأقطار العربية الإسلامية، الأمر الذي يقلل من الاتصال بين العلماء [ ص: 120 ] العرب والمسلمين، ويجعل الحكومات تلجأ إلى الاستيراد المباشر للتقنية، ويدفع الكفاءات العلمية إلى الهجرة.

8- العولمة، وخاصة في جانبها الاقتصادي، الذي يجعل الجميع يتجه إلى ضرورة إعادة النظر في توجهاته الإنتاجية والتسويقية والتموينية وكوادره البشرية لتصبح قادرة على الفعل في تيار العولمة الذي يقود العالم الآن، ويحوله إلى منظمة كونية قائمة على الاستهلاك الواسع المدى. فتقوم الدول الغنية بفتح أسواق الدول النامية أمام صادراتها بما يسمح لها بالقضاء على القاعدة الصناعية لهذه الدول من خلال المنافسة غير العادلة. وفي الوقت نفسه تغير العولمة نمط علاقات العمل نتيجة اتجاه الاقتصاديات المتقدمة إلى الحصول على الأيدي العاملة من الدول النامية ^[4] .

9- حالة الركود في تطور القوى العربية الإسلامية المنتجة والتي تتمثل في بقاء الوسائل الإنتاجية الصناعية والزراعية ووسائل الإنتاج في الصيد والرعي وغيرها دون تطوير أو تغيير، ومعظم الحكومات العربية الإسـلامية لا تدعم البحوث التقنية للإنتاج، وفي المقابل تستورد المعامل العلمية على أساس تسليم المفتاح، علاوة على حرمان سكان المجتمع في بعض الدول العربية الإسلامية الفقيرة من أبسط الخدمات كالمطعم والمشرب والرعاية الصحية.. وغيرها مما يدفع الكفاءات للهجرة إلى أجواء وبلدان غربية مغايرة. [ ص: 121 ]

10- زرع إسرائيل في قلب العالم العربي أفرز اتجاهًا عند العرب والمسلمين لزيادة النفقات العسكرية والتي بلغت أكثر من ألف بليون دولار ما بين سنة 1970م، وسنة 1990م مما أدى إلى تقلص ميزانيات البحث العلمي والتنمية، وخلق جو من عدم الاستقرار، الأمر الذي دفع ببعض الكفاءات للهجرة إلى دول الغرب، لاسيما وأن هناك جماعات صهيونية تعمل على تشجيع العرب والمسلمين على الهجرة للعمل في مؤسساتها، فهناك ما يربو على ستمائة وخمسين (650) عالم غربي يعملون في أربعمائة (400) مؤسسة مالية يملكها اليهود.

11- تبني الدول الغربية سياسات مخططة ومدروسة لجذب الكفاءات من الدول النامية، حيث تهيئ المحيط العلمي الذي يحفز على مواصلة البحث والتطوير بحيث يشعر الباحث أو العالم أن ظروف العمل في تلك البلدان تعد وسيلة لتحقيق طموحاته العلمية بما توفره من فرص للبحث العلمي والثروات الضخمة التي تمكنها من تمويل فرص عمل مهمة ومجزية. فالعامل المادي يجذب الكفاءات من دول منخفضة الدخل إلى دول مرتفعة الدخل ويحفز العلماء على العيش في بيئة علمية مفيدة ببنيتها التحتية المؤلفة من التجهيزات والمختبرات والمعامل، هذا فضلًا عن القوانين التي تحدد أن العلم هو المعيار لدخول الشخص إلى البلاد، كما في الولايات المتحدة الأمريكية، بدون النظر إلى جنسه أو أصله. وكذلك التسهيلات التي تقدمها الدول المتقدمة للحصول على الإقامة الدائمة وإشعار الكفاءات المهاجرة بالانتماء والمساواة بينها وبين رعاياها. [ ص: 122 ]