الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            هجرة الكفاءات

            رؤية حضارية ومقاربة اجتماعية

            د.عبد الرحمن بو درع

            - تقديم:

            هجرة الكفاءات العربية: قضية من قضايا الوطن العربي أو العالم العربي؛ والعالم العربي أو الوطن العربي فضاء مكاني وامتداد زماني وعمق عقدي وحضاري وثقافي يمتد في المكان، من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي، ويمتد في عمق الزمان من ظهور الإسلام في القرن السابع للميلاد، ثم انتشاره عقيدة ولغة بالفتوحات في اتجاهات مختلفة، ولقد حصلت تغيرات على مدى الزمان وطرأت أحداث وتبدلت دول طيلة أربعة عشر قرنا تولد منها المجتمع العربي الإسلامي الكبير، وتطورت هياكله البشرية ومؤسساته وأنماط إنتاجه وعلاقاته الاجتماعية وأقطاره المختلفة، إلى أن حط [ ص: 131 ] رحاله في الصيغة التي يوجد عليها اليوم، وما ينطوي عليه من تعقيد وتباين وما يطفح به من حركة دائبة.

            والحقيقة أن هناك مصطلحات تستعمل في العقود الأخيرة لوصف المنطقة التي يعيش فيها العرب، منها الشرق الأدنى والشرق الأوسط، وهما مصطلحان غربيان استعماريان وضعا لأغراض عسكرية تخدم الأهداف الغربية وتعمد إلى طمس الهوية الحضارية لسكان المنطقة [1] . أما الوطن العربي فهو مصطلح يفضل استعماله القوميون العرب لوصف بلادهم الشاسعة حيث تغلب العربية لسانا والانتماء شعورا. ولكن أكثر المصطلحات حيادا وانتشارا هو العالم العربي؛ وهو مصطلح يستخدمه العرب وغير العرب من غير أن يوحي بتحيز معين واضح، وينطوي على ضرب من الإقرار بوجود حد معين من التجانس الحضاري بين سكان المنطقـة أو أرضية حضارية مشتركة جامعة.

            أما المصطلح الآخر الوارد بكثرة في الاستعمال أيضا فهو مصطلح الأمة، الذي يدل على تجانس كامل أو شبيه بالكامل بين أفرادها في اللغة والعقيدة والتاريخ والقيم والثقافة، وتوسع بالفتوحات واندماج الأمم المفتوحة في الذات الفاتحة وتكريس القرون الثلاثة الأولى للاندماج والتزاوج [ ص: 132 ] والانصهار. ويمكن أن نضيف إلى مفهوم الأمة اشتراك أبناء الأمة في المشاعر والهموم والمشكلات، منها مثلا مشكلات الحكم والقضية الفلسطينية، والفقر والجهل والتخلف الاقتصادي والاجتماعي، والهيمنة الأجنبية، وهجرة عقول أبنائها المتفوقين، وما يخلفه ذلك من فجوة نفسية واجتماعية وعلمية في جسم الأمة.

            ولكن الأمة حالت عليها أحوال جعلتها تهجع هجعة طويلة، وتلوذ بالقشور قرونا طويلة، سيمت خلالها شتى ضروب المحن، وها هي اليوم مدعوة من جديد إلى أن تنتفض لتنزع عن نفسها أغلال التخلف والاستعمار، وتكشح ظلمات الهوان، وتعمل على ترميم ما انهار من عزيمتها واسترداد ما ضاع من حقها، وإعادة بناء هويتها في زمن تنازع الهويات وتصادم الحضارات. [ ص: 133 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية